ما عبدناك حق عبادتك
ما عبدناك حق عبادتك
جاء في الحديث الشريف الذي رواه الصحابي سلمان الفارسي - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُوضَعُ الميزانُ يومَ القيامةِ، فلو وُزِنَ فيه السمواتُ والأرضُ لوَسِعَت ، فتقول الملائكةُ : يا ربِّ! لمن يَزِنُ هذا ؟ فيقولُ اللهُ تعالى: لمن شئتُ مِن خلقي، فيقولون: سبحانك! ما عبدْناك حقَّ عبادَتِك).
وصف عبادة الملائكة
الملائكة عبادٌ مكرمون، خلقهم الله تعالى من النور، لا يأكلون ولا يشربون، منّ الله -سبحانه وتعالى- عليهم بعبادته بأشكال العبادات المختلفة، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ).
ومع ما وصف الله تعالى به الملائكة من كثرة العبادة، وأنّ منهم من هو ساجدٌ منذ خلقه الله لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ، ومنهم من هو راكعٌ منذ خُلق، ولا يرفع رأسه إلى قيام الساعة، ومع ما هم عليه من عبادة، إلا أنهم يقولون: "سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك".
وسبب قولهم ذلك أنهم يقللون من شأن عبادتهم وأعمالهم في جنب قدر الله تعالى؛ لأنّه لا يقدر أحدٌ أن يعبد الله -سبحانه وتعالى- حقّ عبادته، أو أن يعرف الله حقّ المعرفة، أو أن يعظّمه حقّ التعظيم؛ فمهما عُبد الله -سبحانه وتعالى- كان ذلك قليلاً في حقّه سبحانه وتعالى.
معنى العبادة
العبادة مصطلح كغيره من المصطلحات العربيّة التي لها معنيان؛ أحدها في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيانٌ لكلا المعنيين:
- العبادة في اللغة هي اسمٌ، وجمعها عباداتٌ، ومعناها الخضوع مع الطاعة للإله على وجه التعظيم، ويقال العبادة: الشعائر الدينيّة، وكل طاعة لله تقام على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة.
- العبادة في الاصطلاح لها عدّة تعريفاتٍ، منها: اسمٌ جامع لما يحبه الله -سبحانه وتعالى- من الأقوال والأفعال، والأعمال الظاهرة والباطنة.
الحكمة من العبادة
تتجلى الحكمة والغاية من القيام بالعبادة في أمورٍ عدّةٍ، ومن هذه الحِكم:
- العبادة حقٌّ لله سبحانه وتعالى، وواجبٌ على الإنسان الانقياد والتسليم لأمر الله تعالى، الذي استحقّه بمقتضى ألوهيته و ربوبيّته وكماله.
- العبادة غايةٌ في ذاتها؛ وذلك لما يترتّب عليها من إصلاحٍ للنفس وتهذيبٍ لها.
- العبادة تنبيه دائمٌ للإنسان، إلى أنّه روحٌ قبل أن يكون جسداً، وأنّه كما للجسد مطالب فكذلك الأمر بالنسبة للروح ؛ فهي لها مطالبها، وغذاؤها العبادة.
- العبادة تذكيرٌ للإنسان بالله الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى.
- العبادة تحريرٌ للإنسان من عبادة من لا يستحق العبادة من الأصنام والبشر والمخلوقات وغيرها.
- العبادة تحريرٌ للإنسان من الخوف والجُبن والبخل، وكلّ الرذائل.
طريق العبوديّة
تُبنى عبادة الله -سبحانه وتعالى- على أصلين عظيمين، هما: الحب الكامل لله، والذلّ التامّ له سبحانه، وهذان الأصلان يبنيان على أصلين عظيمين أيضاً: مشاهدة منّة الله سبحانه وفضله، وإحسانه ورحمته الموجبة لمحبته، ومطالعة ومتابعة عيوب النفس، والعمل المورث للذلّ التامّ لله سبحانه وتعالى.
ويُعدّ الافتقار إلى الله أقرب الأبواب التي يدخل منها العبد إلى ربّه، قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).