ما حكم عملية تجميل الانف
تغيير خلق الله
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله -تعالى- خلق الإنسان بأحسن صورةٍ، وأجمل هيئةٍ، ولذلك حرّم على الإنسان تغيير تلك الهيئة بهدف تحسينها، وممّا يدلّ على ذلك ما رُوي أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعن النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله تعالى، فبلغ الأمر لأحد نساء بني أسد، واسمها أم يعقوب، وكانت تلك المرأة قارئةً للقرآن الكريم، فجاءت إلى عبد الله رضي الله عنه، وقالت: (بلغني عنك أنَّك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خَلْقَ الله)، فقال عبد الله : (ومالي لا ألعن من لعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو في كتاب الله)، فقالت المرأة: (لقد قرأت ما بين لوحي المصف فما وجدته)، فقال: (لئن كنت قرأته فقد وجدته)، قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فقالت المرأة: (فإنّي أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن)، قال: (اذهبي فأنظري)، فدخلت المرأة فلم ترَ شيئاً، فرجعت إليه، وقالت: (ما رأيت شيئاً)، فقال: (أما لو كان ذلك لم نُجامعها).
حكم عملية تجميل الأنف
تُعرّف عملية التجميل بالعميلة التي تؤدي إلى تحسين، أو تعديل هيئةٍ أو جزءٍ أو أجزاءٍ ظاهرةٍ من الجسد، أو إعادتها إلى طبيعتها إذا حصل لها خللاً معيناً، وعند إجراء العمليات التجميلية لا بُدّ من مراعاة الشروط الآتية:
- عدم مخالفة العملية للنصوص الشرعية، بالقيام بأعمالٍ محرّمةٍ أصلاً، كالوشم ، أو النمص ، أو التفليج، أو تغيير خلق الله عزّ وجلّ، أو تشبّه الرجال بالنساء، وتشبّه النساء بالرجال، أو التشبّه بأهل المعاصي و الفجور، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ)، بالإضافة إلى ما رواه ابن عباس رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنّه قال: (لُعِنَتِ الواصلةُ والمستوصلةُ، والنَّامصةُ والمتنمِّصةُ، والواشمةُ والمستوشمةُ، مِن غيرِ داءٍ).
- الالتزام بالقواعد الشرعية للتداوي، فلا تجوز الخلوة، ولا يجوز كشف العورات إلّا للضرورة، أو الحاجة الداعية لذلك.
- تحقّق المصلحة المعتبرة شرعاً من العملية التجميلية، كإعادة الشكل إلى هيئته الطبيعية، أو إصلاح خللٍ، وإعادة وظيفةٍ.
- انتفاء أي ضررٍ قد يفوق المصلحة المرتاجة من العملية، وهذا ما يحدّده الثقات من أصحاب الاختصاص.
- رغبة المريض في إجراء العملية التجميلية ، والتأكّد أنّ الطبيب الذي سيجريها مختصٌّ ومؤهّلٌ.
- توضيح المضاعفات والأخطار محتملة الحدوث للمريض بعد العملية.
- عدم وجود أي طريقةٍ أخرى للعلاج أقلّ تأثيراً على الجسد من العملية الجراحية.
تجدر الإشارة إلى أنّ عملية تجميل الأنف مباحةٌ في الحالات الآتية:
- تجميل الأنف في حال وجود تشوّهات خَلقية؛ مثل: الاعوجاج الشديد في الأنف.
- إصلاح تشوّهات الأنف المكتسبة بسبب أمورٍ خارجةٍ عن الإرادة؛ مثل: حوادث السير، أو الحرائق، أو الأمرض، أو أي شيءٍ آخرٍ، والدليل ما رواه عرفجة بن أسعد رضي الله عنه، حيث قال: (أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ فاتَّخذ أنفاً من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاتَّخذ أنفاً من ذهبٍ).
- إعادة شكل الأنف إلى الوضع الطبيعي الذي خلق الله تعالى الإنسان عليه، حيث قال الله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وإعادته إلى العمل بشكلٍ طبيعيٍ في حال حدوث خللٍ في الأداء.
- تجميل الأنف إذا كان شديد الدمامة، لدرجة التأثير على الشخص نفسياً أو عضوياً.
ولا بُدّ من الإشارة إلى حُرمة إجراء عمليات تجميل الأنف في حال خلوّ الأنف من التشوّهات الخلقيّة، أو الأمراض، أوالتشوّهات الطارئة عليه، إذ لا يجوز إجراء عملية تجميل لأنف إذا كان القصد منها تحسين خلقة الإنسان السويّة بحسب الهوى والرغبة، أو تقليد الأخرين؛ لأنّ ذلك يُعتبر تغييراً لخلق الله تعالى، وهذا ما يهدف الشيطان لإيقاع الناس فيه، كما قال الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا*لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا*وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا*يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)، وممّا يدلّ على حُرمة تغيير خلق الله تعالى، قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ).
ضابط التغيير المذموم لخلق الله
اجتهد العلماء في وضع ضابطٍ التغيير المذموم لخلق الله تعالى، وخلصوا إلى أنّ كلّ تغيير فيه ضررٌ على الإنسان يُعتبر من التغيير المذموم، وكلّ تغييرٍ فيه نفعٌ فهو مباح، ومثال ذلك الختان ؛ إذ يترتّب عليه فوائداً صحيةً، وكذلك تقليم الأظافر ؛ إذ يسهل استخدام الأصابع، ومن الذين وضعوا هذا الضابط الثعالبي رحمه الله، حيث قال: (اختلف المتأوّلون في معنى تغيير خلق الله، وملاك تفسير هذه الآية أن كلّ تغييرٍ ضارٍّ فهو داخل في الآية، وكلّ تغييرٍ نافعٍ فهو مباح)، ومن ضوابط التغيير المذموم لخلق الله -تعالى- أن يكون التغيير دائماً، كما قال القرطبي رحمه الله: (هذا المنهي عنه، إنّما هو فيما يكون باقياً؛ لأنّه من باب تغيير خلق الله تعالى، فأمّا ما لا يكون باقياً؛ كالكحل، والتزيّن به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك؛ مالك وغيره).