ما حكم تسديد القروض
الربا
يُعرّف الربا لغةً بالزيادة والفضل، وأمّا شرعاً فهو فضلٌ خالٍ عن عوضٍ شُرِط لأحد المتعاقدين، ويعتبر الربا من أعظم الذنوب، وممّا يدلّ على خطورته كثرةُ ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- له في خُطبه، وتحذيره منه، وتذكير الناس بعاقبة أصحابه في الدنيا والآخرة ، إذ قرن النبي -عليه الصلاة والسلام- الربا بالشرك بالله تعالى، وعدّه من الموبقات التي تُهلك فاعلها وتغمسه في النار ، بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعن آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، وشاهديه، فكلّهم مطرودون من رحمة الله تعالى، وأمّا في الآخرة فيسبح آكل الربا في نهرٍ من دمٍ، وكلّما حاول الخروج منه رُمي في فمه حجرٌ ليرجع، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الربا ثلاثةٌ وسبعونَ باباً، وأيسرُها مثلُ أنْ ينكِحَ الرجلُ أمَّهُ، و إِنَّ أربى الرِّبا عرضُ الرجلِ المسلمِ)، وقال الله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)، ويرجع السبب في إعلان الحرب على أكلة الربا أنّهم حاربوا الله تعالى، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بمعاملات الربا الآثمة الظالمة، ومن حاربه الله ورسوله فلا ناصر له، كما أنّه مهزمٌ مدحورٌ.
حكم القروض الربوية وتسديدها
ممّا لا شكّ فيه أنّ الاقتراض من البنك محرّم؛ إذا ترتّب على القرض أي نسبةٍ من الزيادة؛ لأنّ هذا القرض يصبح ربوياً، وقد حرم الله تعالى، ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- الربا، فقال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لعن اللهُ آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيه وكاتبَه)، وثمة الكثير من الأدلّة على تحريم الربا، ولا يُباح الربا لأية حاجةٍ من حاجات الدنيا؛ كمؤونة البيت، أو تسديد الأجرة، وغير ذلك من الحاجات، وإنّما يُباح عند الاضطرار، ويكون الإنسان مضطراً إذا خشي على نفسه الموت إن لم يأكل، كالذي يكون في مجاعةٍ شديدةٍ، ولا يجد ما يسدّ به رمقه، فلذلك لا يمكن عذر الذين يأخذون القروض الربوية من النبوك، ولا تصحّ مقارنتهم بالمضطر الذي يخشى على نفسه الموت ، وأمّا بالنسبة لسداد القرض الربوي في حال الابتلاء بأخذه، فالأصل تسديد المبلغ الأصلي من غير الربا، وعدم الالتزام بما ترتّب عليه من الفوائد والغرامات؛ لأنّ الربا محرّم، ولا يجوز الالتزام به.
كيفية التوبة من القروض الربوية
يجب على المُبتلى بأخذ القروض الربوية من البنك التوبة من ذلك الذنب العظيم، ويبدأ بالاستغفار ، والندم على فعله، ثمّ التعجيل بإنهاء العقد الربوي مع البنك، ويمكن ذلك من خلال أحد الطرق الآتية:
- السداد المبكّر؛ ويكون ذلك بسداد ما تبقّى من القرض دفعةً واحدةً، مقابل إلغاء ما تبقّى من الفوائد، وفي مثل هذه الحالة يجب على التائب تدبّر أمر السداد بأي طريقةٍ مباحةٍ؛ كالاقتراض من أحد الأقارب، أو الأصدقاء حتى يخلّص نفسه من الربا.
- بيع بعض الممتلكات؛ إذ يُمكن بيع بعض الممتلكات التي يمكن الاستغناء عنها، والسداد المبكّر للقرض؛ كبيع السيارة مثلاً لسداد القرض، ثمّ شراء سيارةً أخرى بالتقسيط.
- شراء أسهم بالأجل؛ حيث يُمكن شراء أسهم بالأجل، وتسليمها للبنك كسدادٍ للقرض إذا وافق البنك على ذلك، فينتهي أمر القرض الربوي، ويبقى ثمن الأسهم.
- إذا لم تنجح أي طريقةٍ من الطرق السابقة للتخلّص من القرض الربوي، يدخل المُقترض في حكم المضطر، ولا يجوز التوقّف عن سداد القرض بحُجّة أنّ القرض ربوي؛ لأنّ عدم سداد القرض بحُجّة أنّه ربوي يفتح الطريق أمام بعض الناس لاستغلال الدين بصورةٍ سيئةٍ، وهذا من أكبر الكبائر ؛ إذ يُعتبر صدّاً عن سبيل الله وعن الإسلام، وقد أجمع العلماء على جواز ارتكاب أقلّ المفسدتين دفعاً لأعظمهما، كما هو مقرّر في أصول الشريعة وقواعدها.
حكم تسديد القروض الحسنة
يُعرّف القرض لغةً بالقطع، وأمّا اصطلاحاً فهو إعطاء المال لمن ينتفع به على أن يرد بدله، وقد سمي القرض بهذا الاسم لأنّ المُقرض يقطع جزءاً من ماله ويعطيه للمقترض، وقد أباح الإسلام القرض، والدليل على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن مُسلِمٍ يُقرِضُ مسلماً قرضاً مرَّتينِ إلَّا كانَ كصدقتِها مرَّةً)، بالإضافة إلى إجماع الأمة على جواز القرض، وقد تعامل به المسلمون من عهد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الوقت الحاضر، ولم يُنكر ذلك أحد، وحكم القرض يختلف بالنسبة للمُقرض والمُقترض؛ فالقرض مستحبٌّ للمُقرض، ومُباحٌ للمُقترض، وللقرض ثلاثة أركان؛ الأول: المُقرض والمُقترض، ولا بُدّ من توفّر عدّة شروط فيهما؛ كالعقل، والبلوغ، وأهلية التبرع، والركن الثاني: الإيجاب والقبول، والثالث هو المال المُقرض، وقد حصر الجمهور المال الجائز إقراضه بالذي يصحّ فيه السَّلَم؛ كالطعام، والذهب، وعروض التجارة، والحيوان، وتعدّ الجواهر من المال الذي لا يصحّ فيه السَّلَم بسبب ندرتها وصعوبة ردّ مثلها، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم سداد القرض على الموسر واجب، فلا يجوز للمُقترض الغني المماطلة في سداد القرض؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مطلُ الغنيِّ ظلمٌ)، بل يجب الإسراع في سداده قبل دنوّ الأجل:؛ لأنّ الميت يبقى مرتهناً بدينه حتى يُقضى عنه.