ما جزاء الحج المبرور
ما جزاء الحجّ المَبرور
رغّب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين في أداء فريضة الحجّ، وأداء مناسك العمرة، فقال: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)، وقد فرَّق الحديث بين أجر الحجّ الذي يُعَدّ فرضاً، والعمرة التي اختلف الفقهاء في حُكمها، كما أنّ مشروعيّة الحجّ ثابتة في القرآن الكريم، وفي السنّة النبويّة ، وأعماله كثيرة، وتتحصّل من ذلك مَشقّة كبيرة؛ فناسب ألّا يكون له جزاء إلّا الجنة، أمّا العمرة فأعمالها قليلة بالنسبة إلى الحجّ؛ فناسب أن يكون أجرها تكفير الذنوب التي يرتكبها المسلم ما بين العُمرتَين.
وبيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الحجّ الصحيح يُكفّر الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ)، ومعروفٌ أنَّ الأُمَّ تَلد ابنها وليس عليه من الذنوب شيء؛ سواء من الصغائر، أو الكبائر، وقِيل إنّ الذنوب التي تُكفَّر بالحجّ هي الصغائر، وقِيل إنّ الذنوب التي تُكفَّر هي الكبائر، واستدلّوا بقوله -صلّى الله عليه وسلّم- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما رفض مُبايعته قبل إسلامه إلّا بشرط أن يغفر الله له، فقال له -صلّى الله عليه وسلّم-: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟)، وفيما يأتي بيان لفضل الحجّ المبرور:
- الزيادة في العمر والرزق؛ فقد بشّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين بزيادة أعمارهم، وأرزاقهم حال أدائهم لفريضة الحجّ والمتابعة بينها وبين العمرة، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (تابِعوا بيْن الحجِّ والعُمْرةِ؛ فإنَّ مُتابَعةً بيْنهما تَزيدُ في العُمُرِ والرِّزقِ، وتَنْفيانِ الذُّنوبَ كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ)، ويُقصَد بالمتابعة: جَعل العمرة عَقب الحجّ، والحجّ عَقب العمرة، وقِيل إنّ القصد: الاهتمام بهما، والمتابعة بينهما ولو تخلّلتهما فترة من الزمن، وهو ما يُسمّى بالرَّدف، فيُظهر المسلم الاهتمام بهما، ويكون الأمر بالمُتابعة بينهما للإرشاد وعدم الإهمال.
- العِتق من النار؛ فقد أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ العِتق من النار الذي يكثر في يوم عرفة يشملهم، بقوله: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).
- الحجّ من أفضل الأعمال عند الله -تعالى-؛ فقد بيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك في الحديث الذي ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، إذ قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقالَ: إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ. قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ).
- الحصول على أجر الجهاد في سبيل الله -تعالى؛ فإنّ أجر الحجّ يعدل أجر الجهاد في سبيل الله ، وخاصّةً لِمَن لم يُفرَض عليه الجهاد، كالنساء، أو لِمَن لم يقدر عليه، فقد سألت عائشة -رضي الله عنها- النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: (يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قالَ: لَا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ).
اغتنام وقت الحج
تُعَدّ العشر الأوائل من ذي الحجّة أيّاماً عظيمة ينبغي على المسلم إذا أدركها وعرف فضلها أن يسارع إلى اغتنامها بالإكثار من الأعمال الصالحة فيها، وأعظم ما يمكن أن يؤدّيه المسلم في هذه الأيّام فريضة الحجّ إن تيسّر له ذلك، أو أداء مناسك العمرة ؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)، ويُستحَبّ أن تُصام هذه الأيّام العَشر؛ لِما في صيامها من أجرٍ عظيم، كما يُستحَبّ أن يحافظ المسلم على الصلوات الخمس جماعة في المسجد، ويُكثر فيها من أداء النوافل؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- في ما يرويه عن ربّه -جلّ وعلا- في الحديث القدسيّ: (وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ)، وأن يكثر فيها المسلم من الذِّكر، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وأن يجهر به، وأن يُخرج الصدقات في هذه الأيّام المُبارَكات، كما أنّ عليه أن يحرص على قراءة القرآن، وبِرّ الوالدين، وصِلة الأرحام ، وكلّ عمل صالح يُشرع فِعله؛ لعِظَم الزمان، وشَرَفه.
وقد بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أجر الأعمال الصالحة في أيّام الحجّ أفضل من الجهاد في سبيل الله -تعالى-، بالرغم من عظيم أجر الجهاد الذي يعدل درجة الصائم القائم، قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ).
علامات قبول الحج المبرور
هناك علامات إذا توفّرت في الحجّ، فإنّ هذا الحجّ يكون مبروراً مقبولاً، ومنها ما يأتي:
- إخلاص العمل لله -تعالى-؛ لأنّ الإخلاص هو الأساس في قبول الأعمال عند الله -تعالى-، وهو الميزان للأعمال الصالحة.
- موافقة السنّة النبويّة؛ بأن يكون الحاجّ حريصاً على موافقة ومتابعة سُنّة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أثناء أدائه أعمالَ الحجّ.
- الاستعداد المُسبَق للحجّ؛ بأن يُوفّي الحاجّ حقوق العباد قبل أن يذهب إلى الحجّ، وأن يتوب توبة صادقة، ويحرص على أن يكون حجّه بمال حلال، وأن يختار الرِّفقة الطيّبة، وأن يتحلّى بالأخلاق الحَسَنة، ويُحسن إلى الآخرين، وأن يكون حريصاً على إتيان الطاعات، والابتعاد عن المعاصي.
- استيفاء أحكام الحجّ؛ بأن يؤدّي الحاجّ كلّ ما طُلِب منه من أحكام شرعيّة في الحجّ على أكمل وجه، ويستشعرَ الحِكمة منه.
- الالتزام بعد الرجوع من الحجّ؛ فقد رَبط بعض العلماء قبول الحجّ بتحسُّن حال الحاجّ بعد رجوعه منه؛ وذلك بأن يصبح أكثر حرصاً على الإتيان بالطاعات، والابتعاد عن المُنكَرات، وازدياد الرغبة في الآخرة، والزُّهد في الدُّنيا، وهذا ما ذهب إليه الحسن البصريّ- رحمه الله-.
- زيادة أعمال البِرّ، والخير، والإحسان، وخاصّةً بعد الرجوع من الحجّ؛ لأنّ الحاجّ إذا رجع من حجّه وقد غيَّر مسار حياته للأفضل وتاب، وسلك طريقاً مستقيماً، كان هذا مُبشِّراً له بقبول حجّه.
آداب رجوع المسافر من حجّه
يُسَنّ للحاجّ الالتزام ببعض الآداب عند رجوعه من سَفره، ومنها ما يأتي:
- الالتزام بسُنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالتكبير، والتلفُّظ بدعاء العودة من السفر؛ وهو قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ).
- إخبار الأهل بموعد الرجوع من السفر، وخاصّة المُتزوّج الذي له زوجة، وأن لا يأتي في الليل، أو يرجع فجأة.
- التلفُّظ بدعاء القدوم إلى البلد، وهناك صِيَغ عديدة وردت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: (أسألُكَ خيرَ هذِهِ القريةِ، وخيرَ أَهْلِها وخيرَ ما فيها ونعوذُ بِكَ من شرِّها وشرِّ أَهْلِها وشرِّ ما فيها).
- صلاة ركعتَين في المسجد الموجود في المكان الذي يسكن فيه، ثمّ يُسَنّ للحاجّ أن يُصلّي ركعتَين في منزله، وتلك الصلوات تكون شُكراً لله -تعالى- على أن يَسَّر له أداء فريضة الحجّ.
- الاستغفار للمُهنِّئين له بالحجّ؛ إذ يُستحَبّ للزائر أن يدعوَ للحاجّ بقبول حجّه، وغُفران ذَنبه، وأن يُخلف الله عليه نفقته، ويستغفر له الحاجّ في المقابل.
- سؤال الله -تعالى- التوبة التي ليس بعدها إثم.
- الازدياد من أعمال الخير بعد القدوم من الحجّ.