ما الغاية من خلق الانسان
ما الغاية من خلق الإنسان
إنّ الغاية التي خَلق الله -عز وجل- من أجلها الجنّ والإنس هي عبادته وحده، قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، وهو -سبحانه- غير محتاج لهذه العبادة ، فهو الخالق الرازق ذو القوّة المتين، وهذا الكون يدلّ على قدرته وعلمه -سبحانه-، وكل ما في هذا الكون يسبّحه ويعبده، فإن عرف الإنسان ذلك قام بالغاية التي خلقه الله من أجلها، وحقّق عبوديته لربه، ووقوع الخطأ والمعصية من الإنسان أمرٌ طبيعيّ، لكن عليه أن يبادر إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، ثمّ إن الذنوب قد تكون سبباً للرجوع إلى الله والإقبال عليه لأنّها تدفع الإنسان لِأن يطلب العفو من الله ويتذلّل بين يديه.
حاجة الإنسان للعبادة
تتجلّى أهميّة العبادة كونها الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها والتي أرسل الله -سبحانه وتعالى- من أجلها الرسل ، قال الله -تعالى-: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ)، وبها وصف الله الملائكة ، فقال -سبحانه-: (وَلَهُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَمَن عِندَهُ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَلا يَستَحسِرونَ)، وكذلك وصف الله بها عباده المقرّبون، وبيّن من خلال الآيات القرآنية أنّ الإنسان هو المستفيد من عبادته لربّه، وأنّ الله لا حاجة له بذلك، فهو الغنيّ الذي يفرّج الهمّ، ويكشف الغمّ، وينفّس الكرب، ويقضي الحاجات، ووعد -سبحانه- عباده بالراحة والطمأنينة والسعادة، فقال: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).
والدّافع الأول الذي يدفع العبد للعبادة هو أنّ الله وحده المستحقّ للعبادة لا غيره، ثمّ إنّ نفع العبادة يعود على العبد بالخير. ويتكوّن الإنسان من جسدٍ وروحٍ، ولكلٍّ منهما حاجته من أجل البقاء، فالجسد بحاجة مستمرة إلى الطعام والشراب والملبس، والرّوح بحاجة إلى الغذاء، وغذاؤها هو قربها من خالقها في كل أحوالها، وهذا القرب مبني على الإيمان والأعمال الصالحة المتمثلة بالعبادة، قال -تعالى-: (وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ* فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ* وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ)، فإنْ حقّق العبد عبوديّته لربّه فقد تحرّر من العبودية لغيره، مما يشعره بالسكينة والطمأنينة وعزّة النفس.
وقد جعل الله -سبحانه- الحياة الدنيا دار ابتلاءٍ ليُمحّص إيمان المؤمن فيها، والتي تظهر من خلال عبادته لربّه والالتزام بأوامره، قال -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وهذا يحّقق صلاح الفرد الذي يمتدّ بدوره إلى صلاح المجتمعات، ويرى الأصفاني أنّ العبادة هي أساس الإنسانية، فمن اعتني بها فقد حقّق إنسانيته، ومن رفضها فقد خرج من طَوْر الإنسانية، معتمداً في كلامه على قول الله -تعالى-: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً)، وذلك لأنّ العبادة حاجة فطريّة مثلها مثل ما يحتاجه الجسد من باقي الاحتياجات اللازمة له.
الشمولية في مفهوم العبادة
تتمثّل العبادة لله -تعالى- من خلال الإقرار بأنّه واحدٌ أحدٌ لا شريك له، وليس كمثله شيء، فهو الخالق الرازق المدبّر المريد، ومن خلال تحقيق الغايات التي من أجلها خلق الله الإنسان وكرّمه وفضّله على غيره من المخلوقات، فيقوم بواجب الخلافة في الأرض وعمارتها واستثمار خيراتها وثرواتها، والأخذ بالأسباب والتوكّل على الله -عز وجل-، فالعبادة بمفهومها تشمل الحياة بجميع جوانبها ولجميع المخلوقات، كما لا تقتصر العبادة على ما يقوم به المسلم من الصلاة والصيام والحج وغيرها من الفروض، بل تشمل كل ما يقوم به الإنسان من الأعمال صغيرها وكبيرها إن احتسبها لله -تعالى-، وكل امتناعٍ عمّا نهى الله عنه يعدّ من العبادة أيضاً.
ثمّ إن جميع الأعمال الصالحة والأعمال الأخرى التي يقوم بها الإنسان في معيشته تتحول إلى عبادات إن أخلص فاعلها نيّته لله -تعالى-، وقام بها بإحسان وإتقان، مع الحرص أن لا تكون هذه الأعمال سبباً لانشغال العبد عن القيام بما أوجبه الله عليه. وعرّف ابن تيمية -رحمه الله- العبادة بأنّها كل ما يحبّه الله -تعالى-، لذا فهي تشمل العبادات المحضة؛ أي التي جاءت النّصوص الشّرعيّة بتحديدها، وعدم جواز صرفها لغير الله -تعالى-، وكذلك العبادات غير المحضة؛ أي التي تتحوّل إلى عبادة بالنيّة، فهي أفعال وأقوال ليست عبادة في أصل مشروعيتها، وفيما يأتي بيانهما:
- أولا: العبادات المحضة: وتشمل ما يأتي:
- العبادات القلبيّة: وهناك عبادات قلبيّة اعتقاديّة وعمليّة، فمن الاعتقاديّة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباقي الأركان، ومن العمليّة: أعمال القلب؛ كالإخلاص والتّوكّل والخوف والرّجاء.
- العبادات القوليّة: مثل قراءة القرآن وذكر الله -تعالى-.
- العبادات البدنيّة: كالصّلاة والحجّ والصّيام.
- العبادات الماليّة: كالزّكاة والصّدقة.
- ثانياً: العبادات غير المحضة: وتشمل واجبات ومندوبات المسلم التي لا تُعَدُّ في ذاتها من العبادات؛ كالإنفاق على الزوجة والأبناء، والهدية، ومساعدة كبير السنّ للوصول إلى بيته وتخفيف تعبه، ويضمّ هذا النوع من العبادات جميع جوانب البرّ والإحسان تجاه النّفس والآخرين، كقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ).
- وتشمل الابتعاد عمّا نهى الله عنه امتثالاً لأوامره، واحتساباً للأجر والثّواب، كالابتعاد عن السّرقة والرّبا، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه -تعالى-: (إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فلا تَكْتُبُوها عليه حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها مِن أجْلِي فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، وإذا أرادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ)، ومنه أيضاً؛ فعل المباحات وإخلاصها لله -تعالى-، كالأكل والنّوم والبيع والشّراء، فإن فعلها المسلم بنيّة التقوّي على طاعة الله نال أجرها.