ما الزنا
تحريم الزنا
بيّن الله تعالى أحكام الشريعة الإسلاميّة لعباده بياناً لا إشكال فيه، فحرّم بعض الأفعال التي يقوم بها العبد، وحلّل بعضها، وأباح بعضها الآخر، ومن الأفعال التي حرّمها الإسلام على الزنا، والواجب على العبد أن يتمثّل لأمر الله تعالى؛ حيث إنّ لله تعالى حكمة وراء تحريم أي فعل؛ حيث تُبعد عنه الكثير من المفاسد والآثار السلبيّة المترتّبة عليه، وعليه فقد حرّم الله تعالى فعل الزنا ليوافق الفطرة التي فطر الناس عليها من حماية وصيانة الشرف والعِرض، فلا أحد يقبل لمحارمه أن تكون متعة لغيره من الناس ممّن لا يحلّ لهم إتيانها، ومن الحِكم التي أرادها الله تعالى بتحريمه للزنا منع اختلاط الأنساب بين الناس، وما يترتب على ذلك من المشاركة في الميراث والمعاملة، بالإضافة إلى كونه يحافظ على تماسك وترابط أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، ويحمي من الإصابة بالكثير من الأمراض الخطيرة؛ منها: الإيدز، والسيلان، والزهري.
من الأخلاق التي أمر بها الإسلام المحافظة على كرامة الإنسان وخاصّة المرأة التي كانت في الجاهليّة كالسلعة التي يتابدلها الناس بشكل مهين للنفس، ولذلك ورد الأمر بتحريم الزنا صيانة لكرامة المرأة حتى لا تكون كالسلعة المهانة، كما يعدّ الزنا من الأسباب الرئيسة في انتشار وتفشّي جرائم القتل في المجتمعات، وقد وصف الإمام أحمد بن حنبل الزنا بأنّه من أقبح الأفعال بعد قتل النفس، فما هو الزنا، وما هي العقوبة التي رتّبها الله تعالى على مرتكبه؟
الزنا
يُطلَق الزنا في اللغة على ما يؤتَى المرأة من الرجل من غير عقد شرعيّ يحلّل فعله، أمّا في الاصطلاح فالزنا هو وطء الرجل لقبل لمرأة المشتهاة الحية، ويشترط أن يكون الرجل مختاراً وليس مكرهاً، وملتزماً بأحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى أن يكون الوطء في دار العدل أي الإسلام ، وخالياً من شبهة الملك والنكاح وحقيقة كليهما، والوطء الذي حرّمه الشرع هو الوطء الذي يكون من الشخص البالغ العاقل؛ حيث إن الوطء للمجنون والصبي لا يعدّ زنا موجباً للحدّ الشرعيّ، لأنهما غير مكلّفين ومحاسبين بما يصدر منهما من أقوال وأفعال، كما اشترط العلماء الاختيار في الزنا وعدم الإكراه، لأنّ الإكراه لا يوجب الحدّ الشرعيّ على الشخص المكره، وقد أجمع العلماء على أن المرأة المكرهة على الزنا لا حدّ عليها، ودلّ على ذلك قول رسول الله صلى لله عليه وسلم: (رُفعَ عنْ أمتِي الخطأُ والنسيانُ وما استكرِهوا عليهِ)، كما اشتُرط أن يكون الزنا في دار الإسلام، لأنّ ولي الأمر لا ولاية له على دار الحرب أو دار البغي.
بيّن العلماء الشروط الواجب تحقّقها في فعل الوطء ليسمّى زنا؛ فذهب الحنفية إلى أنّ الركن الموجب لإقامة حد الزنا هو الوطء المحرم الذي يتحقق به الإيلاج والالتقاء، ودلّت المذاهب الفقهية الأخرى على نفس المعنى من الزنا مع اشتراط تعمّد فعل الزنا؛ بحيث يرتكب الرجل الزنا مع علمه بأنّ المرأة محرّمة عليه، ولا يجوز له أن يطأها، ويدخل في ذلك أيضاً المرأة التي تمكّن نفسها من الرجل مع علمها بأنه لا يحلّ لها، أمّا ما يحصل من تقبيل ولمس من غير وطء، فلا يسمى زنا ولا يحدّ فاعله، وإنّما يكون له عقوبة تعزيريّة، لأنّه ارتكب إثماً كبيراً، ولأنّ هذه الأفعال قد تؤدّي إلى الوقوع في الزنا الحقيقيّ فأطلق الشرع عليها زنى لأنّها تؤدّي إليه.
حدّ الزنا
يُطلق اسم الحدّ في اللغة على العقوبة المقدّرة الواجبة على المرتكب لجناية ما، أمّا الحدّ في الاصطلاح الشرعيّ فهو استيفاء حقّ من حقوق الله تعالى بإقامة عقوبة بدنية ما، ويعرّف أيضاً بأنّه عقوبة مقدّرة شرعاً لاستيفاء حق من حقوق الله تعالى أو حق من حقوق العباد، وبناء على ذلك لا يعدّ القصاص حدّاً، كونه حق للعبد، ولا التعزير أيضاً؛ لأنّ التعزير عقوبة غير مقدّرة شرعاً، والركن الأساسي لإقامة الحدّ على مرتكب الجناية أن يكون مقيم الحدّ إمام الدولة أو نائبه فقط، ويشترط أن يكون من يقام عليه الحد صاحب عقل صحيح وبدن سليم؛ فلا يُقام الحدّ الشرعيّ على المجنون، أو السكران، أو المريض إلّا بعد الإفاقة والصحة، حيث إنّ الحدود الشرعية شُرعت لدفع الضرر عن العباد وحماية الدولة من الفساد، وحذّر الله تعالى من ذلك في القرآن الكريم ؛ حيث قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، وحُذّر أيضاً من الحدود في السنة النبوية حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَقِيموا حدودَ اللهِ تعالى في البعيدِ و القريبِ، ولا تأخذْكم باللهِ لومةُ لائمٍ).
أمّا حدّ الزنا فيتساوى به الرجل والمرأة، وإنّما الاختلاف في كون الزاني والزانية محصنان أم لا؛ والإحصان هو الزواج والنكاح، أمّا حد الزنا لغير المتزوج أو غير المتزوجة يكون بالجلد مئة جلدة توزّع على جميع البدن ما عدا الوجه، لأنّه موضع كرامة الإنسان، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أن لا يكون السوط جديداً بحيث يؤلم بشكل كبير جداً، ولا قديماً فلا يؤلم الزاني، واختلف الفقهاء بعقوبة التغريب للزاني مع الجلد فذهب أبو حنيفة إلى عدم التغريب وذهب الإمام مالك إلى تغريب الرجل دون المرأة، ولكن أشار الشافعي إلى تغريب المرأة لمدّة عام كامل إلى مكان لا يقل مسافة عن يوم وليلة، أمّا إن كان الزاني أو الزانية محصنان، فعقوبتهما الرجم دون الجلد حتى الموت أو ما يقوم مقام الجلد من تحقّق الموت.