ما الحكمة من قص الشعر بعد العمرة
الحِكمة من قصّ الشّعر بعد العُمرة
يعتبر حلق الشعر أو تقصيره وأخذ شيءٍ منه من أعمال العمرة والحجّ التي يقوم بها المعتمرون والحجّاج، ويتمّ للرجال بحلق الشعر كلّه أو تقصيره، أمّا للنساء فيكون بأخذ شيءٍ يسيرٍ من شعر الرّأس عند التحلّل من إحرامها، أمّا الحكمة من حلق شعر رأس المعتمر أو تقصيره فهي تعبُّديّةٌ بحتة؛ أي أنّ العلّة والسبب منه لم يُعرف أو يرد في نصٍّ شرعي، وعلى المسلم التزامه وفعله؛ تعبّدًا لله -تعالى- وإن لم تظهر حكمته؛ لأنّه أمرٌ من الله الحكيم العليم.
وإنّ في التزام أمر الله -تعالى- وأدائه اختبارٌ للعبد من ربّه؛ ليمتحن امتثاله وخضوعه لأحكامه، فالواجب على المُسلم أن يُبادِر لتنفيذ أوامر الله -سُبحانه وتعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، والإذعان لها حتّى لو لم يعلم الحِكمة منها، فإن كانت الحكمة من الأفعال ظاهرةً؛ فبِها ونعُمت، وإن خفيت؛ فلا ينبغي الانشغال في إيجادها والبحث عنها، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، ويكفيه اليقين بأنّها صادرةٌ عن حكيمٍ خبيرٍ.
حُكم الحلق والتّقصير
تعدّدت أقوال أهل العلم في حُكم الحلق أو التّقصير في العُمرة والحجّ؛ فمنهم من يراه واجبًا من واجبات الحجّ، وأنّ الحجّ والعُمرة لا يُقبَلان إلّا به للتحلُّل من الإحرام، ومنهم من اعتبره ركنًا فيهما، وفيما يأتي تفصيل أقوالهم:
- القول الأول: الحلق والتقصير واجبٌ
ذهب جمهور الفُقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وهو قولٌ عند الشافعيّة أنّ الحلق أو التّقصير واجبٌ، وليس ركنًا من أركان الحج والعُمرة التي يبطل بتركهما الحجّ أو العمرة، ويلزم من ترك الحلق أو التّقصير للتحلُّل من الإحرام ذبح هدي.
- القول الثاني: الحلق والتقصير ركن
ذهب الشافعيّة في الراجح عندهم في المذهب إلى أنّ الحلق أو التّقصير للرجل والمرأة ركنٌ من أركان العُمرة والحجّ، وأنّ العمرة والحجّ لا تصحّ دونه.
- القول الثالث: الحلق والتقصير ليس من النسك
ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الحلق أو التّقصير ليس نُسكًا من مناسك الحجّ والعُمرة؛ أي ليس واجبًا ولا ركنًا، إنّما هو فعلٌ من أفعال التحلّل من الإحرام؛ فيجوز أن يحصل التحلُّل بغيره، وقد نقل القاضي عياض هذا القول عن عطاء بن أبي رباح، وأبي ثور، وأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، ولا شيء عند أصحاب هذا القول على من يترك التحلُّل من الإحرام بالحلق أو التّقصير، إنّما يصحّ تحلُّله ويُقبَل بفعل أيّ شيءٍ من محظورات الإحرام ، وهو خلاف ما عليه جماهير العلماء.
والحلق يكون للرجال دون النساء أمّا النساء؛ فلا تُؤمَرُ بِالْحَلْقِ مطلقًا، بَل الواجب في حقّها التّقصير؛ لِمَا رُوي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، وَإِنَّمَا عَلَى النساء التَّقْصِيرُ).
وقت الحلق للحاجّ والمُعتمر
أوّل وقت الحلق والتقصير
إنّ الحلق والتقصير للحاجّ والمُعتمر يكون عند انتهاء المناسك مُباشرةً، ويختلف في ذلك الحاجّ المفرد والقارِن عن الحاجّ تمتُّعاً ؛ حيث يجب على المُتمتّع بالحجّ أن يأتي بالحلق أو التّقصير مرّتَين، فيأتي المُتمتِّع بالحجّ بالحلق أو التّقصير بعد انتهاء مناسك العُمرة؛ ليتحلّل به من إحرامه للعُمرة، ثمّ إذا شرع بمناسك الحجّ وأدّاها يأتي بالحلق أو التّقصير في يوم النّحر أو بعده، أمّا المفرد والقارن فلا يُطلَب منهما الحلق أو التّقصير إلا في يوم النّحر أو بعده، والمُحرَم في العُمرة كذلك يأتي بالحلق أو التّقصير مرّةً واحدةً فقط عند إنهائه لمناسك العُمرة.
آخر وقت الحلق والتقصير للحاج
أمّا آخر وقت الحلق فقد تنوّعت أقوال الفُقهاء فيه على التّفصيل الآتي.
القول الأول: جواز تأخير الحلق والتقصير عن أيام التشريق
ذهب جمهور العلماء إلى جواز تأخير الحلق للحاجّ عن أيّام التشريق؛ فلا حرجَ عندهم في تأخير الحلق أو التّقصير إلى ما بعد الإتيان بطواف الإفاضة ، كما يجوز عندهم كذلك الحلق في أيّ مكان؛ فالمُراد من الحلق التحلُّل من الإحرام وذلك حاصلٌ في أيّ مكانٍ على وجه الأرض، قال النوويّ: "لو أخَّر الحلق إلى بعد أيّام التّشريق حلق ولا دمَ عليه، سواء طال زمنه أم لا، وسواء رجع إلى بلده أم لا، هذا مذهبنا وبه قال عطاء، وأبو ثور، وأبو يوسف، وأحمد، وابن المُنذر، وغيرهم".
القول الثاني: وجوبهما في أيام التشريق
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى القول بأنّ الحلق أو التّقصير لا يصِحّان إلا في أيّام التشريق من حيث الوقت، ومن حيث المكان؛ فلا يصِحّان إلا في الحرم المكيّ، وأنّ من خالف ذلك تجب عليه إراقة دم هدي، قال الكاساني: "لو أخّر الحلق عن أيّام النّحر أو حلق خارج الحرم، يجب عليه الدّم في قول أبي حنيفة، وعن أبي يوسف لا دمَ عليه فيهما جميعًا، وعند محمّد يجب عليه الدّم في المكان ولا يجب في الزّمان، وعند زفر يجب في الزّمان ولا يجب في المكان".
العمرة وفضلها
يقصد بالعُمرة التَقرُّب من الله -عزَّ وجلَّ- بزيارة بيته الحرام، وأداء مناسك وخطواتٍ مخصوصةٍ، أوّلها من حيث التّرتيب والبدء: الإحرام، ف الطّواف حول الكعبة ، ثمّ الانتقال إلى السّعي بين الصّفا والمروة، وآخرها حلق شعر الرّأس للمُعتمِر أو تَقصيره.
وللعمرة فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيلٌ؛ فهي سبيلٌ لتكفير الذنوب ومغفرة السيّئات، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)، والمسلم أثناء العمرة يكون في كنف أعظم وأقدس مكانٍ؛ وهو بيت الله الحرام، والطاعات في البيت الحرام من طوافٍ وصلاة ودعاءٍ لها أجرٌ أعظم وفضلٌ أكبر؛ لشرف المكان وحرمته.