ما الحكمة من اقتران الزكاة بالصلاة
الحكمة من اقتران الزكاة بالصلاة
تُعدّ الزّكاة ثالث الأركان التي يُبنى عليها الإسلام، وقد وردت في تسعةٍ وعشرين موضعاً في القرآن الكريم، انفردت بالذّكر في موضعين منها فقط وهما: في قول الله -تعالى-: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ)، وقوله -تعالى-: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، أمّا في بقية المواضع فقد ذُكرت مقترنة بالصلاة إمّا بلفظ الزكاة كقوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقوله -تعالى-: (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)، وقوله -تعالى-: (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ)، أو بما يُشير إليها من الأساليب والتعابير المختلفة، كقوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
ولا ريب بأنّ الحكمة في اقتران الزكاة بالصلاة وهي عمود الدين ما كانت إلّا للدلالة على أهمية الزكاة ومكانتها العظيمة في الإسلام، وممّا يُوضِّح ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له مَالُهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يقولُ أنَا مَالُكَ أنَا كَنْزُكَ)، وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ).
كما أنّ الصلاة في ذاتها وحقيقتها زكاةٌ، فكما أنّ الزّكاة عبادةٌ يُطهّر بها المال، كذلك الصلاة عبادةٌ يُطهّر بها وقت المسلم ، حيث إنّ ما يبذله ويُنفقه من وقته لِأداء الصلاة ما هو إلّا تطهير لعموم وقته من المعاصي والآثام التي قد تتخلّله، وتجدر الإشارة إلى توضيح ثلاثة أمورٍ:
- أوّلها: إنّ اقتران الزكاة بالصلاة لم يرد في القرآن الكريم فحسب، بل ورد في السنّة النّبويّة أيضاً، ومن ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ)، وما ثبت عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (بَايَعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى إقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ).
- ثانيها: إنّ اقتران الصلاة والزّكاة بالإيمان باليوم الآخر في بعض المواضع كقول الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)، هو أحد الأمثلة الدالّة على الارتباط الوثيق بين الأحكام الشرعية والعقيدة في الإسلام .
- ثالثها: إنّ اقتران الإيمان والصلاة والزكاة بالعمل الصالح في بعض المواضع لم يكن عبثاً، فالعمل الصالح يدلّ على صدق الإيمان ، والصلاة هي أوّل عملٍ صالحٍ يُطلَب من المؤمن القيام به كعبادة بدنية، وتليها الزكاة كعبادة مالية، لِذا كانت الدعوة إلى الإيمان بالله -تعالى- تستلزم الدّعوة بعدها إلى الصلاة والزكاة، وقد دلّ على ذلك ما رواه مسلم عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: (بَعَثَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ).
حكمة مشروعية الزكاة
تكمن الحكمة من مشروعية الزّكاة في العديد من الأمور، منها ما يأتي:
- علاج التّفاوت في أرزاق النّاس الذي اقتضته مشيئة الله -تعالى-، وما قد ينجم عنه من تباعدٍ وفرقةٍ بين المسلمين، حيث قال الله -تعالى-: (وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ فِي الرِّزقِ).
- علاج النفس من أمراض البخل والشّحّ والطمع الناشئة من الغريزة الكامنة في النفس البشرية لِحبّ المال، حيث قال -تعالى-: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وتطهير النفس وتزكيتها لقوله -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها).
- تحقيق العبودية لله -تعالى- بامتثال أمره والتّسليم له، واتّباع رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال الله -تعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، فالمسلم لا يرجو بزكاة ماله سوى مرضاة الله -تعالى- ونيل ثوابه في الآخرة .
- تحقيق التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع، فلا ريب أنّ الزّكاة التي يُخرجها المسلم من ماله لِأخيه الفقير والمحتاج تُشعره بواجبه نحو النهوض بالمجتمع والمشاركة في تحمّل الأعباء والمصاعب التي يواجهها، وتُزيل من قلب الفقير ما قد يَحويه من حقدٍ وتمنٍّ لزوال نعمة المال عن مُخرِج الزكاة، فتعمّ المحبّة والمودّة في المجتمع ويتحقّق فيه ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).
- تحقيق الحرية لِفئات المجتمع المختلفة، حيث إنّ الزكاة لا تتوقف على تحرير الفقراء والمحتاجين من جوعهم فحسب، بل حرّرت الرّقاب والغارمين والمدينين.
- تفادي تضخّم المال وتكدّسه في أيدي التُّجار والمحترفين وغيرهم من أغنياء المجتمع.
- ظهور حكمة الله -تعالى- في خلق المال، فمن رحمته أنه أوجب إعطاء الفقير من مالٍ لا يحتاجه الغني.
- سدّ حاجة الفقراء والمساكين وصَون كرامتهم وحفظها من ذلّ السؤال، حيث قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، ومنعهم من اللجوء إلى السرقة والنهب.
- تكفير الذنوب والخطايا ونيل رضا الله -تعالى- ورحمته، وذلك لقول الله -تعالى-: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ).
- نماء المال وإحلال البركة فيه، وذلك لقول الله -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)، وقوله -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، وتطهيره وحفظه ممّا قد يحويه من الشرّ والفساد، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أديتَ زكاةَ مالِكَ أذهبتَ عنكَ شرَّهُ).
- تعويد النّفس على البذل والإنفاق في سبيل الله -تعالى-، لا سيما أنّ ذلك يُعدّ من الصّفات الحميدة التي يتحلّى بها المسلم وإحدى العلامات الدّالّة على صدق إيمانه وتقواه، وذلك لقول الله -تعالى-: (الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ* أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا).
- شكر الله -تعالى- على نعمة المال، والإقرار بفضله وكرمه -سبحانه-.
شروط وجوب الزكاة
لا بدّ من توافر ستّة شروط لوجوب الزّكاة، وهي كما يأتي:
- الإسلام: فقد أجمع العلماء على عدم وجوب الزّكاة على غير المسلم، وذلك لقوله -تعالى-: (وَما مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقاتُهُم إِلّا أَنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَبِرَسولِهِ)، أمّا المرتدّ فقد ذهب الشافعية إلى القول بوجوب زكاة ماله قبل ردّته، أمّا حال الردّة فماله موقوف لا يُحكَم عليه حتى يتبيّن حال المرتد، فإن عاد للإسلام وجبت الزكاة فيه وإلّا فلا.
- الحرية: حيث أجمع العلماء على عدم وجوب الزّكاة على العبد، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن إبن عمر -رضي الله عنه- قال: (ليسَ في مالِ العبدِ وفي روايةٍ مملوكٍ زكاةٌ حتى يُعْتَقَ)، إلّا أنّهم اختلفوا في وجوبها على سيّد العبد؛ فذهب الجمهور إلى القول بوجوبها عليه لِأنّه يملك مال العبد.
- الملك التّام: فيُشترط في المال الذي تجب فيه الزّكاة الملك التّام لِصاحبه.
- النّماء: فيُشترط في المال الذي تجب فيه الزّكاة أن يكون قابلاً للنّماء، وأحد أنواع الأموال التي تجب فيها الزّكاة كالذهب والفضة، أوعروض التجارة، أوالانعام.
- بلوغ النّصاب: فيُشترط في المال الذي تجب فيه الزّكاة أن يكون بالغاً لِمقدار النّصاب ؛ وهو عشرون مثقالاً في الذّهب، ومائتا درهم في الفّضة، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليس في أقلَّ من عشرينَ مثقالًا من الذهبِ، ولا في أقلَّ من مئتَي درهمٍ صدقةٌ).
- مرور حَول على مِلك النّصاب: فقد اتّفق الفقهاء على مرور حولٍ قمري على ملك النّصاب في زكاة أنواع المال المختلفة باستثناء الزروع والثمار، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا زكاةً في مالٍ حتى يحولَ عليه الحولُ).