ما أول سورة نزلت في مكة
أول سورة نزلت في مكة
اختلفت أقوال العُلماء في بيانهم لِذكر أوّل ما أنزل الله -تعالى- من القُرآن، وجاءت هذه الأقوال كما يأتي:
- القول الأول: أوّل ما نزل من القُرآن من السماء هي بدايات سورة العلق، وهي الآيات الخمس الأُولى منها، واستدل أصحاب هذا القول بحديث عائشة -رضي الله عنها- عندما وصفت بدء نزول الوحي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد بدأ الوحي بالرؤيا الصادقة، ثُمّ حُبّب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلوة؛ فكان يتعبد في غار حراء إلى أن جاءه الملك، وقال له: (اقْرَأْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أنَا بقَارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِن عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ الذي عَلَّمَ بالقَلَمِ} - الآيَاتِ إلى قَوْلِهِ - {عَلَّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ})، وممن ذهب إلى ذلك عائشة -رضي الله عنها- وابن تيمية.
- القول الثاني: أوّل ما نزل من القُرآن الكريم سورة المدّثر، واستدلّ القائلون بذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: جَاوَرْتُ في حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أمَامِي وخَلْفِي، وعَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هو جَالِسٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلتُ: دَثِّرُونِي، وصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ ورَبَّكَ فَكَبِّرْ}). وممن ذهب إلى ذلك جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
- القول الثالث: سورة الفاتحة هي أوّل ما نزل من القُرآن، بدليل حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي ذكر فيه ما قاله له جبريل -عليه السلام- عندما خلا به فقال: (فلما خلا ناداه يا محمدُ قل بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ لله ربِّ العالَمين حتى بلغ ولا الضَّالِّينَ)، وهي رواية عن البيهقى في كتاب الدلائل بسنده عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل، وفيها ضعف.
الجمع بين الأقوال في أول ما نزل
ذُكِرَ اختلاف العُلماء في بيانهم لأول ما نزل من القُرآن -سابقاً في المقال-، ويُمكن الجمع بين هذه الأقوال؛ فبدايات سورة العلق هي أوّل ما نزل من الآيات، ويا أيُّها المُدثّر هي أوّل ما نزل من أوامر الدعوة، وسورة الفاتحة هي أول ما نزل من السور بكاملها، فاختلافهم كان في هذه السور الثلاث، وقد ذهب معظم العُلماء ومنهم الحافظ السيوطي إلى أنّ سورة العلق لم تنزل كاملة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في غار حراء، وبقي الخلاف محصوراً بين سورتيّ الفاتحة والمُدّثر.
مميّزات السور المكيّة
قسّم العُلماء سور القُرآن إلى مكّية ومدنيّة، ولكلٍ منهما خصائص ومُميّزات تُميّزُها عن غيرها من السور، أمّا السور المكّية؛ فقد اهتمّت بتأسيس الإيمان في القلوب، وإبطال ما سواه من المُعتقدات الباطلة، كما وذكرت الأدلّة على ذلك، وقد اهتمّت بذكر القواعد العامة في عددٍ من التشريعات؛ كالعبادات، والمُعاملات، والأخلاق وغيرها، وقد فصّلت السور المكّية في ذكر الأنبياء -عليهم السلام- وقصصهم، وبيان دعوتهم، وموقف الناس منها، ويمتاز القُرآن المكّي يمتاز بِقِصَرِ سوره وآياته مع قوةِ بلاغته وإعجازه؛ فقد كان تحديّاً لأهل اللغة العربيّة ولفصاحتهم.