ما أول ذنب وقع فيه ادم
تكريم الإنسان
خلق الله -تعالى- الإنسان، وكرّمه، ورفع شأنه على سائر المخلوقات، ولقد بدأ تكريمه من قبل أن يبدأ خلقه؛ حيث خلق الله -تعالى- آدم ، وشكّله بيديه جلّ وعلا، ثمّ نفخ فيه من روحه فصار إنساناً، وكان التكريم الآخر أن أمر الملائكة ومعهم إبليس بالسجود له؛ تكريماً وعلوّاً لقدره، وكان من تكريمه كذلك أن عاقب إبليس وطرده من جنّته؛ لأنّه رفض السّجود له، ولقد ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم صور تكريمٍ أخرى لعموم بني آدم، منها: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، فكان كلّ ما في هذه الأكوان مسخّراً ومسيّراً لخدمة الإنسان، وقضاء حوائجه.
وإنّ ممّا ذكره المفسّرون في تفسير التكريم الوارد في الآية الكريمة أنّ الإنسان خُلق معتدل القامة، حسن الخَلق، حُمِل في البرّ والبحر، وقد جعله الله -تعالى- ناطقاً، ومميّزاً، وعاقلاً، مسيطراً على سائر الكائنات الأخرى حوله، وكذلك فإنّ الإنسان مميزٌ للكلام والخطّ وغير ذلك، وكلّها من مظاهر تكريم الله -تعالى- لآدم عليه السلام، وبنيه من بعده، وقال القرطبيّ في ختام ذكر تكريم الإنسان: (والصحيح الذي يعوَّل عليه أنّ التفضيل إنّما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يُعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه، وتصديق رسله، إلا أنّه لمّا لم ينهض بكلّ المراد من العبد، بُعثت الرسل وأُنزلت الكتب)؛ فكان من وراء هذا التكريم تكليفٌ ولا شكّ.
أول ذنبٍ وقع فيه آدم
بعد أن كرّم الله -تعالى- آدم بخلقه، وسجود الملائكة له، ثمّ كان وحيداً مستوحشاً في الجنّة، فخلق الله له حوّاء تؤنسه، وبعد كلّ النعيم المحيط، والرضا عليهما من ربّ العالمين، إلا أنّ آدم -عليه السلام- وقع في وسوسة الشيطان له، وإغوائه، فعصى الله تعالى، وكان هذا بسبب حقد الشيطان له، وحسده أن يتقلّب في كلّ هذا النعيم والرضا من الله تعالى، فبدأ يسوّل له أن يأتي ما نهاه الله عنه، وكان الله -تعالى- قد منح آدم -عليه السلام- الحريّة في التنقل في الجنة ، والأكل من ثمارها حيث شاء، ثمّ نهاه عن شجرةٍ بعينها ألّا يقترب منها، ولا يأتيها فيأكل من ثمرها، قال الله تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، فأصبح هدف إبليس إيقاع آدم -عليه السلام- في المعصية والحرام.
بدأ الشيطان يسوّل لآدم وزوجه أن يأكلا من تلك الشجرة، ويحاول تزيينها في عينيهما، ويقسم لهما أنّها شجرة الخلد، وشجرة الملك، ولا بدّ أن يجرّبا ثمرها، قال الله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)، فسوّلت لآدم وحواء نفسيهما، ونسيا أمر ربّهما، فأقبلا على الشجرة، وأكلا من ثمرها، وعصيا الله ربهما، قال الله تعالى: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)، فكانت هذه أوّل معصية وقع فيها آدم -عليه السلام- وقصّر في حقّ ربّه وطاعته له، وكان الشيطان هو المتسبّب في ذلك؛ بسبب حقده وكبره.
وما إن بدأ آدم وحوّاء بالأكل من ثمار الشجرة المنهيّ عنها، حتّى بدأت ملابسهما تختفي عنهما، وبدأت عوراتهما تبين، فذعرا هما الاثنان وبدآ يبحثان عمّا يستران به عوراتهما، فبدآ يأخذان من ورق الشجر حولهما ليغطّيا سوءاتهما بها، قال تعالى في وصف ذلك: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)، ثمّ سمعا عتاب الله -تعالى- لهما بقوله: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، حينها أدرك آدم وحوّاء سوء فعلهما، وأنّهما قد وقعا في شراك أمرٍ دبّره الشيطان، ليعصيا أمر الله تعالى، فكان الندم الشديد، والاعتراف بالذنب، والتقصير، قال الله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هداية الله لآدم وبنيه
ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ آدم -عليه السلام- عصى الله تعالى، فنزل من الجنّة يوم الجمعة ، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (خيرُ يومٍ طلعت عليه الشَّمسُ، يومُ الجمعةِ؛ فيه خُلِق آدمُ، وفيه أُدخل الجنَّةَ، وفيه أُخرج منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجمعةِ)، ولقد كان نزول آدم -عليه السلام- إلى الأرض شديداً جدّاً عليه؛ فبعد أن ذاق جمال الجنّة، وراحتها، وهناها، نزل بسوء المعصية إلى الأرض يضرب فيها، يقطع الوقت والمكان ليجد ما يسدّ به رمقه، ويبحث عن سبل العيش التي يستطيع بها أن يحيا في الأرض، لكنّ الله -سبحانه- هداه ، وهدى الناس بالأنبياء والرسل من بعده إلى طريق الحياة الصحيح، وإلى الهداية التي يهنأ بها العيش ويسهل؛ فقد قال الله -تعالى- في ختام قصّة آدم وتعقيباً على نزوله إلى الأرض في سورة البقرة : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فأرشد الله -تعالى- آدم -عليه السلام- ومن تبعه من البشر إلى أنّ الطريق الآمن الذي لا يجرّ معه خوفاً، أو حزناً، أو ألماً، هو الاهتداء بهدي الله تعالى، والأنبياء المرسلين، أمّا من اتّبع غير تلك السبيل فقد قال الله -تعالى- فيهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وهو الختام الذي ليس فيه شكٌّ لمن ضلّ عن سبيل الله ورسله.