ما أهمية الدعاء
أهمّية الدعاء
التوجُّه لله -تعالى- بالدعاء له أهمّية كبيرة تعود على المسلم بالنَّفع في الدُّنيا، والآخرة، ومنها ما يأتي:
- استشعار قُرب الله -تعالى-
استشعار قرب الله -تعالى- واستجابته للدعاء؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقد قال السعدي في سبب نزول هذه الآية إنّها نزلت ردّاً على تساؤل بعض الصحابة عن الله -تعالى-؛ فقالوا للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله، أقريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟"، فبيَّنت الآية الكريمة أنّ الله -تعالى- قريب، ورقيب، وشهيد، يعلم ما يُسرّ الداعي في صَدره، وما يُعلن، فيُجيبه، ويُعطيه.
- استجابة الله -تعالى- للدعاء إذا حقّق الداعي شروط الاستجابة
وهي: تحقيق الإيمان بالله -تعالى-، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وحضور القلب، والدعاء بأمر جائز شرعاً؛ لأنّ الآية الكريمة السابقة ربطت حصول الرُّشد، والحصول على الإجابة بتحقيق هذه الشروط، بالإضافة إلى أنّ المسلم يدعو الله -تعالى- وهو مُوقِن بالإجابة، وواثق بها؛ فيدعو بعَزم، ورغبة، ورجاء؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فإنَّه لا مُكْرِهَ له).
- معرفة أنّ الدعاء هو أفضل عبادة
لأنّ في الدعاء استدعاء للعون من الله -تعالى-، واستمداد له منه، وفيه بيانٌ لافتقار العبد إلى الله -تعالى-، كما أنّ الإنسان يتبرّأ فيه من حوله وقوّته، ويلجأ إلى كرم الله -تعالى، وجوده، وحوله، وقوّته؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ).
وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه على أن يسألوا الله -تعالى- حاجاتهم جميعها، وثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً أنّها قالت: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ)، وقد أشار النبي -عليه السلام- في الحديث إلى الدّعاء على اعتبار أنّه مظهر من مظاهر الإيمان، وأثر من آثاره التي تُخرج المرء من دائرة الكفر إلى رحاب الإيمان؛ ليكون إيمان العبد سبباً في الانتفاع بأعماله الصالحة.
- معرفة أنّ الدعاء هو أكرم عبادة على الله -تعالى-
وذلك لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ).
- معرفة أنّ الدعاء ينفع فيما نزل من القضاء، وفيما لم ينزل
لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل، ومما لم يَنْزِلْ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ)؛ ولذلك كان الدعاء من أقوى الأساليب التي يمكن أن يستخدمها المسلم ليدفعَ عن نفسه البلاء ، والمكروه، ويستجلب به النَّفع؛ فهو سلاحُ المسلم الذي يُدافعُ به المصائب؛ إذ قد يدعو بدعاء قويّ فيغلب البلاء، وقد يدعو بدعاء ضعيف فلا يغلب البلاء، إلّا أنّه يُخفّف منه، وقد يدعو بدعاء يتدافع مع البلاء ويُعالجه.
- معرفة أنّ الإكثار من الدعاء من الأمور التي أرشدَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه إليها
وذلك بقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكثِرُ . قال : اللهُ أكثرُ)،
وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم أصحابه صلاة الاستخارة التي يدعو فيها العبد ربّه؛ ليُسخِّرَ له الخير؛ فإن كان ما يريده في المستقبل خيراً له، يسَّرَه الله -تعالى- له، وإن كان شرّاً، صرَفَه عنه، كما بيّنَ لهم أنّه لا شيء يمكنه أن يردّ القضاء إلّا الدعاء؛ فقال: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ).
أثر الدعاء
يُعَدّ التوجّه إلى الله -تعالى بالدعاء الله ذا آثار عظيمة، وفوائد جَمّة، ومنها ما يأتي:
- رَفْع المِحَن، والمصائب، وكَشْفها.
- سبب من أسباب الانتصار في المعارك؛ فقد كان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوة بدر .
- فَتح أبواب الخير المُختلفة، بينما يؤدّي تَركه إلى سَدّ هذه الأبواب.
- تكفير الذنوب، والمعاصي، وجَلب الخير، ورَفع الدرجات.
- نَيل أجر عبادة تُعَدّ من أرفع أنواع العبادات، وأفضلها.
- إظهار ضعف العبد، وذلّته، وحاجته إلى ربّه، وتضرُّعه بين يدَيه.
- تحقيق شرط حضور القلب في عبادة المسلم؛ لأنّ حاجته تجعله يخشع.
- بيان مفهوم التوكُّل على الله ، والاستعانة به؛ لأنّ العبد ما توجَّه إلى الله -سبحانه وتعالى- به إلّا لثقته بقدرته على تحقيق مَطلوبه، أو دَفع مكروهه.
الأدلّة على أهمّية الدعاء وفَضله
وردت العديد من نصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة التي تُبيّن فضل الدعاء ، وأهمّيته، ومنها ما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ).
- قول الله -تعالى-: (قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى).
- قول الله -تعالى- على لسان نبيّه نوح: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)، كما أنّ نبيّ الله موسى -عليه السلام- دعا على فرعون، وكلّ مظلوم يدعو الله -تعالى-؛ لأنّ الدعاء هو مَلاذ المظلومين، ومَلجأ المُستضعَفين؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ).
- قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ ربَّكم حَييٌّ كريمٌ يستَحي مِن عبدِهِ إذا رفعَ يدَيهِ إليهِ بدعوَةٍ أن يرُدَّهُما صِفرًا ليسَ فيهما شيءٌ).
- قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)؛ فقد بيّن الحديث أنّ الدعاء نَفْعه عظيم يشمل الأحياء، والأموات، وأنّه نَهج الأنبياء ، والأصفياء.
عبادة الدعاء
يُعَدّ الدعاء أساس العبادة، وروحها؛ لأنّ الداعي لا يتوجّه إلى ربّه بالدعاء إلّا لِعلمه اليقين بأنّ النّفع وجلب الخير وكشف الضّر بيد الله وحده، وهذا دليل على الإخلاص، و التوحيد ؛ وهما من أفضل العبادات؛ فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدُّعاءَ هوَ العِبادَةُ، ثمَّ قرأَ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
حكم الدعاء
ويُستحَبّ للمسلم الإكثار من الدعاء؛ لأنّه في حَدّ ذاته عبادة يشعر المسلم من خلالها بلذّة الصِّلة، والتعلُّق بالله -تعالى-، والقُرب منه، والدعاء هو: توجُّه العبد إلى ربّه بطلب حاجته، وهو مندوب في كلّ وقت، فلم يجعل الله -سبحانه وتعالى- له وقتاً مُحدَّداً، أو حَدّاً مُعيَّناً.
وهو ينقسم إلى: دعاء ثناء، ودعاء مسألة؛ أمّا دعاء الثناء، فهو: دعاء الله -تعالى- بأسمائه، وصفاته؛ لتحقيق ما يحبّه الداعي، أو دَفع ما يكرهه، أمّا دعاء المسألة، فهو: طلب المَنافع من الله -تعالى-، وطلب دَفع الأضرار عن الداعي، وفي كلا النوعَين يُعَدّ عبادة.
آداب الدعاء
ذكر العلماء مجموعة من الآداب التي يُستَحَبّ للمسلم أن يتحلّى بها في دعائه، ومنها ما يأتي:
- التماس أوقات الإجابة ، وهي كثيرة، ومنها: يوم عرفة، وشهر رمضان، وليلة القَدر، ويوم الجمعة، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، وفي حال السجود.
- الابتهال والخشوع، والتضرُّع بين يدَي الله -تعالى-.
- البُعد عن استعجال إجابة الدعاء؛ بمعنى أن يقول الداعي: "لقد دعوتُ ولم يستجب لي"؛ لأنّ الاستعجال يُنافي الأدب مع الله -تعالى-.
- اجتناب الدعاء بإثم، أو قطيعة رَحِم، أو الدعاء على الأولاد، أو الزوجة، أو المال؛ لأنّ هذا الدعاء إذا وافق ساعة استجابة، فمن شأنه أن يُوقِع صاحبه في الحسرة، والندامة.
- الإخلاص في التوجُّه إلى الله -تعالى- بالدعاء.
- الإقبال على الله -تعالى- حين الدعاء، وحضور القلب.
- استقبال القبلة، والأكمل أن يكون الداعي على طهارة.
- الإلحاح في الدعاء؛ من خلال تكراره.
- ابتداء الدعاء بحَمد الله -تعالى-، والصلاة على رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
- الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، والابتعاد عن معصيته، والابتعاد عن أكل مال الحرام؛ لأنّ من أسباب استجابة الدعاء طِيب المَطْعَم.