ما أثر التعاون في حياة الفرد والمجتمع
التعاون
حثّ الله -تعالى- ورسوله الكريم على التّحلي بالأخلاق الحسنة واكتسابها، ومن تلك الأخلاق، خلق التّعاون، وهو من أفضل الأخلاق الّتي يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى، وإنّ التّعاون الصّحيح الّذي يتقرّب به الإنسان إلى الله تعالى؛ هو التّعاون المبنيّ على البرّ والتّقوى، لا المبنيّ على الإثم والعدوان، فالإنسان يتقرّب بتعاونه على الخير وفعله، إلى الله تعالى، وعليه أن يبتعد عن التّعاون في ما حرّمه الله تعالى، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فإنّ التّعاون بين النّاس ضرورةٌ من ضروريّات الحياة، لا يمكن الاستغناء عنه، وإنّ الإنسان بطبيعته يحبّ الاجتماع، ولا يحبّ أن يبقى لوحده منفرداً، بل إنّ الإنسان بطبعه وبفطرته الّتي خلقه الله عليها، ميّالٌ إلى حبّ الاختلاط مع أبناء مجتمعه، فإنّ كلّ إنسانٍ محتاجٌ إلى الآخر في الكون، كي يقوى ويصلح، فلا بدّ من التّعاون بين جميع الأفراد فيما بينهم.
وحثّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على التزام الجماعة، والابتعاد عن الفرقة، فكلّما كان الإنسان مجتمعاً مع مجموعةٍ من الإخوة التي تتّقي الله تعالى، كان ذلك أفضل له، حيث إنّ الإنسان إذا كان له إخوةٌ، فإنّهم يعينوه على طاعة الله تعالى، ويذّكرونه إذا نسي، ويعينوه على فعل الخيرات، وترك المنكرات، ويقدّمون له النّصائح والإرشادات، إذا تاه في الطّريق، أو احتاج إلى من يقوّمه، فكلّما كان الإنسان مع إخوته مجتمعين متعاونين تحت شعار الإخوة الإسلامية ، كان ذلك أفضل له من الفرقة والابتعاد، حيث إنّهم إن لم يجمعهم ويربطهم ما يقوّي علاقتهم بالله تعالى، وما يعينهم على الصّلاح، فسوف ينشغلون بالباطل وملحقاته.
أثر التعاون في حياة الفرد والمجتمع
إنّ التّعاون بين أفراد المجتمع ، يحقّق مصالح للفرد خاصّةً، وللأمّة عامّةً، وفيما يأتي بيان بعض تلك الفوائد:
- تقوية العلاقات بين الأفراد: إنّ التّعاونّ بين الأفراد، وإعانة بعضهم البعض، يؤدّي إلى بناء مجتمعٍ سليمٍ متماسكٍ ذو وحدةٍ وقوّةٍ، ثمّ إنّ التّعاونّ يؤدّي إلى تعزيز روابط العلاقات الإجتماعيّة بين الأفراد والجماعات، ويعمل على نشر أواصر المحبة، والطّمأنينة والسّكينة فيما بينهم، فشُرعت الزّكاة في الإسلام؛ ليساعد الغنيّ الفقير، ويقدمّ له المساعدة، وينتشر الأمن والآمان، وفُتحت أبواب الصدّقة على اختلاف أفرعها ومجالاتها؛ ليشعر الإنسان بأنّه قدّم المساعدة بروح التّعاون لديه، للفقراء والمساكين، والمحتاجين، وكي يدخل الفرحة على قلوبهم، وحثّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على إكرام الجار، وزيارة المريض؛ لما في ذلك من تعزيز الروابط بين الأفراد والمجتمعات.
- تحقيق النّجاح: إنّ كلّ فردٍ لو قام بعمله على أكمل وجهٍ، وبإتقانٍ تامٍ كما حثّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقام باستغلال المجال الذي يعمل به، والاختصاص الذي اختص به، في مساعدة أفراد مجتمعه، والتّعاون معهم؛ فإنّ ذلك يؤدّي إلى نيل النّجاح ، وتحقيق الأهداف التي يسعى إليها أفراد المجتمع جميعهم، فعلى سبيل المثال: المعلم إذا تعاون في مهنة التّعليم ، وأدّى رسالته بكلّ إخلاصٍ وأمانةٍ تجاه طلابه وعلمه، ولو أنّ الطبيب تعاون في تقديم العلاج الصحيّ لمرضاه، ولو أنّ العالم تعاون في بيان أبواب التّقوى ، وغرْس المفاهيم الصّحيحة في المجتمع، وتحذير الأفراد من اتباع سبيل الهوى والشّيطان ، فإنّ كلّ ذلك التّعاون من جميع أفراد المجتمع ، سيؤدّي إلى تماسكه ووحدة روابطه، ونيل النّجاح؛ لأنّ المجتمع بحاجةٍ إلى كلّ فردٍ حسب اختصاصه.
- محبّة الله تعالى لعباده: إنّ الله تعالى هو القادر المتصرّف في الكون، وكلّ ما يجري بإرادته، فهو الذي سخرّ الإنسان لإعانة أخاه ومساعدته، فإنّ أعظم أثرٍ ونجاحٍ يمكن للعبد أن يجنيه من خلال تعاونه؛ هو محبّة الله -تعالى- له، والحصول على رضوان الله ومعيّته، والله -تعالى- سييّسر أمور العبد، ويفرّج كربه، ما دام العبد يعين أخاه ويساعده.
تعريف التعاون
عرّف العلماء مفهوم خلق التّعاون عدّة تعاريفٍ تأتي جميعها بمعنىً واحدٍ وهو أن يقدّم الإنسان المساعدة لكلّ من يحتاج، وييسرّ الخير له، وكلّ ذلك حسب استطاعته، وأن يعين الأفراد بعضهم البعض في تقديم الخير والمنفعة لبعضهم، ولكلّ محتاجٍ، ويعين المسلم أخاه على توضيح الأحكام الشّرعيّة الّتي يحتاجها في حياته، كي لا يضلّ ولا يشقى، وأن يبتعده عن المآثم والمحرّمات والمنكرات، فيكون التّعاون بينهم على ما أمر الله -تعالى- به، ويحث المسلم أخاه المسلم على السير وفق نهج الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، والابتعاد عن كلّ ما نهَى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عنه.
صور التعاون
إنّ التّعاون لا يقتصر على مجالٍ معيّن بل تتعدّد صوره ومجالاته، لتشمل حياة الأفراد كاملةً، وفيما يأتي بيان بعض صور التعاون:
- التّعاون في مجال الدّعوة إلى الله تعالى، فعندما ذهب موسى -عليه السّلام- لتبليغ دعوة الله -تعالى- إلى فرعون وقومه، طلب من الله -تعالى- أن يرسل معه أخاه هارون؛ ليكون له عوناً خلال مسيرته في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ.
- التّعاون على البرّ والتّقوى ، وذلك عن طريق مساعدة الأفراد بعضهم البعض على التّذكير بالصّلاة وإقامتها، وتقديم الإرشادات لمن له الحاجةٍ إليها، وعلى نحو ذلك من مساعدة الأفراد بعضهم على تأدية العبادات الّتي أمرنا بها الله تعالى على الوجه الصّحيح.
- تعاون طلابّ العلم، إنّ العلم هو هويّة الفرد، فقد كان الصّحابة -رضوان الله عليهم- يهبّون لمساعدة بعضهم البعض في طلب العلم، فعندما يجتمع طلابّ العلم فيما بينهم لإخبار بعضهم بالعلم الّذي نالوه، وقد يجتمعون أيضاً لإعانة أخيهم الّذي يمرّ بضائقةٍ ماليّة في طلبه للعلم.