ما آخر المخلوقات موتاً
نهاية الحياة الدنيا
يتساءل الكثير من النّاس عن الذي سيحصل في نهاية الحياة الدنيا، ومن سيموت أولاً، وكيف سيموت النّاس عند قيام السّاعة ، وما آخر المخلوقات موتاً على الإطلاق، ولعلّ تلك الأسئلة تَرِد على أذهان بعض الأشخاص، فكلّ واحدٍ من النّاس يهتمّ بما ستؤول إليه حاله في يوم القيامة، وقد جاءت في الأحاديث التي رُويت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الأدلّة التي تُشير إلى نهاية الدنيا، وما سيحصل للخَلْق، ومن ذلك قبض أرواح الخلائق جميعهم، ثمّ موت آخر المخلوقات، فما هي آخر المخلوقات موتاً، وما تفاصيل تلك الأحداث كما وردت صحيحة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟
مَلَك الموت آخر المخلوقات موتاً
جاء بيان آخر من يموت من الخلائق في العديد من الروايات، ومن ذلك ما جاء في كتاب الدار الاخرة الذي بيّن تفاصيل ومجريات قيام السّاعة ، منذ وفاة العباد وحتى العرض والحساب أمام الله تعالى، وما بعد ذلك من الأحداث، فبعد أن يأمر الله -تعالى- مَلَك الموت بأن يُميت جميع من في الأرض من المخلوقات والبشر يستدعيه الله -تعالى- ويَمْثل أمامه ويسأله عن العباد وما حصل بهم رغم علمه بذلك.
وقد ورد في ذلك عدّة أحاديث عن الصّحابة -رضي الله عنهم- فيما رووه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقبّلها العلماء الثّقات بالقبول ونقلوها في كتبهم، وممّا جاء في أحدها أنّ الله -عزّ وجلّ- يأمر مَلَك الموت بأن يقبض أرواح الخلائق، ثمّ يسأله عمّن بقي من الخَلْق، وهو الأعلم بمن بقي، فيخبره مَلْك الموت بأنّه لم يبق إلّا هو؛ أي مَلَك الموت، فيأمره الله -تعالى- بأن يموت، فيكون مَلَك الموت آخر المخلوقات موتاً، أمّا سؤال الله -سبحانه وتعالى- لمَلَك الموت إنّما هو على سبيل تقرير الحقيقة وإثباتها، وليس على سبيل الاستفهام والبيان، فالله -عزّ وجلّ- يعلم بحال خَلْقه وحياتهم وموتهم وكيفيّات ذلك، وهو ينطبق تماماً على سؤال الله -تعالى- لعيسى بن مريم عليه السّلام، حيث قال له: (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ...)، فالله -تعالى- يعلم بما قاله عيسى -عليه السّلام- وما سيقوله، ولكنّ الله -تعالى- أراد أن يُقرّره بالحقيقة التي يؤمن بها، وكذلك فإنّ مَلَك الموت يؤمن بأنّ الله -تعالى- يعلم بمن بقي من المخلوقات، وعلى ذلك فإنّ آخر من يموت بعد النّفخ في الصور الملائكة المقرّبون؛ وهم: جبريل، وإسرافيل، وحَمَلة العرش، وآخرهم على الإطلاق مَلَك الموت.
معلومات عن مَلَك الموت
يرد على مسامع البعض تسميةٌ خاصةٌ لمَلَك الموت؛ وهي: عزرائيل، إلّا أنّ ذلك الاسم لم يَرِد به حديث صحيح أو نصّ موثوق عن العلماء، وإنّما ورد باسم مَلَك الموت في جميع مواضع القرآن الكريم ، ومواضع سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك لا يجب التّسليم بأنّ اسم مَلَك الموت عزرائيل، وإنّما يتمّ وصفه بما وصفه به الله -تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فيُقال عنه: مَلَك الموت، ومن ناحية أخرى فإنّ الله -سبحانه وتعالى- قد ذكر مهمة قبض الرّوح في بعض الآيات مقترنةً بذكر مَلَك الموت منفرداً، فقال: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)، وفي مواضع أخرى نُسب الموت إلى الملائكة جميعاً، دون إفراد أو تخصيص مَلَك الموت وحده بذلك، ومثال ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ)، وقوله أيضاً: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ)، وفي هذا تعارض ظاهري، إلّا أنّ حقيقة ذلك أنّ الله -سبحانه وتعالى- أوكل أمر قَبْض الأرواح إلى مَلَك معيّن من الملائكة وهو مَلَك الموت، والملائكة الآخرون يكونون مساندين ومساعدين له في قبض الأرواح.
وقد كلّف الله جماعةً من الملائكة هم في الحقيقة أعوان لمَلَك الموت بمهمة قبض الرُّوح، فيأتمرون بأمره، ويقبضون الأرواح بناءً على علمه بأمر الله -تعالى- بلزوم قبض الرّوح، ويدلّ على ذلك ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ -عَلَيْهِ السَّلَام- حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ...).
ويدلّ الحديث السابق على أنّ مَلَك الموت يكون معه أعوانٌ من الملائكة في قبض الأرواح التي يأذن الله -تعالى- بموتها، وقد قال بذلك عدد من علماء التفسير الثقات، وغيرهم من أهل العلم، منهم: ابن جرير الطبريّ ، والسمعانيّ، وإبراهيم النخعيّ من الفقهاء وغيرهم، وممّا ورد عنهم في ذلك، قول إبراهيم النخعيّ: (لمَلَك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره؛ فهو معنى قوله: (توفّته رسلنا)، ويكون مَلَك الموت هو المتوفّى في الحقيقة؛ لأنّهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه في تلك الآية، وقيل: معناه ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به: مَلَك الموت)، فيرى النخعيّ أنَّ في الأمر روايتين؛ أحدهما: وجود أعوان لمَلَك الموت، والأخرى: أنّ الله -تعالى- ذكر الجماعة وقصد الفرد الذي هو مَلَك الموت.
النّفخ في الصُّور
مرحلة النّفخ في الصُّور هي من مراحل يوم القيامة التي يمرُّ بها جميع الخَلْق، وهذه المرحلة بالتحديد فيها بعض الغموض عند بعض الأشخاص، فبعد أن ينفخ إسرافيل النّفخة الأولى في الصُّور؛ وهي النّفخة التي يحصل بها الصَّعْق، يموت جميع الخلائق إلا من شاء الله -تعالى- له ألا يموت، كما قال الله -تعالى- في كتابه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ)، أمّا النّفخة الثّانية فيحصل بها بعث الخلائق جميعاً، فقد قال الله تعالى: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)، وقد أضاف بعض العلماء نفخة ثالثة إلى هاتين النّفختين وسمّوها نفخة الفَزَع، وهي نفخة تأتي بين النّفختين الأولى والثّالثة، وقد استدلوا عليها بقول الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).