لماذا لم تقبل توبة فرعون
سبب عدم قبول توبة فرعون
لم يقبَل الله توبة فرعون حينما أدركه الغَرَق؛ لأنّها جاءت متأخرةً، حينما أدرك وقوع أَجَلِه، وانقطاع حياته بالموت. فنهاية التوبة تكون حينما تبلغ الرُّوح الحلقوم، ويُوقن الإنسان حينها بحلول أَجَلِه، وانقطاع أَمَلِه، فحينئذٍ لا ينفع نفسٌ إيمانها أو توبتها لم تكن آمنت أو تابت من قبل، قال -تعالى-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، وبُيّن الوقت الذي تنتهي عنده التوبة؛ وهو وقت الغرغرة، وخُروج الرُّوح، بقَوْل الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الله تعالى يقبلُ توبةَ العبدِ ما لمْ يغرْغِرُ)، ولذلك
وقد شاء الله ألّا تُقبل توبة مَن تحضُره الوفاة، أو يموت على غير الإسلام ؛ ذلك أنّ التكليف والاختيار ينعدم حال حضور الموت، ومُعاينته، فيكون التائب عندها قد ترك الذّنوب والمعاصي اضطراراً، وعجزاً، بعد أن داوم عليها طوال حياته، محبّةً واختياراً، وتجنّب عند موته اقتراف الذّنوب؛ خوفاً من العقاب المحتوم، وتلك كانت حالة فرعون حينما أدركه الغرق، حيث كان يائساً مُدركاً لمصيره، فلم ينفعه حينها إيمانه وتوحيده، وممّا يدلّ على عدم قبول التوبة عند حضور الوفاة؛ قَوْله -تعالى-: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
قصّة توبة فرعون وإيمانه
ذكر الله -سُبحانه- في كتابه الكريم قصّة فرعون الطاغية المتجبّر، الذي خلا قلبه من الرّحمة؛ فكان يستعبد بني إسرائيل، فيقتّل أولادهم، ويستحيي نساءهم، ولذلك فقد وصفه الله في كتابه العزيز بالعلوّ والإسراف، قال -تعالى-: (إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ)، وقد استمرّ فرعون في طغيانه، وتمادى في غيّه وعصيانه، فوقف بين قومه مُدّعياً الألوهيّة، ناسباً إلى نفسه دلائل الربوبيّة، فساق من الأدلة الواهية الكاذبة ما لا يقبله عقلٌ، ولا يصدّقه إنسانٌ، وممّا احتج به على دَعْواه الباطلة؛ ما ورد في قَوْله -تعالى-: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، وقال في آيةٍ أخرى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَـهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ).
وقد كانت نهاية فرعون الطاغية نهايةً مريرةً ذكرها الله في القرآن الكريم، وتطرّقت السنّة النبويّة لجزءٍ منها، فبعد أن أوحى الله إلى نبيّه موسى -عليه السلام- أن يضرب البحر، فإذ به ينفلق بقدرة الله إلى شِقَّين، فيسير موسى وقومه من خلال ذلك الشِّق، لتُكتب لهم النّجاة، ثمّ يأتي فرعون وجنده، فيقتحموا ذلك الشِّق؛ أملاً في إدراك موسى وقومه، إلّا أنّ مقادير الله تسبقهم، حيث يُعيد الله -تعالى- البحر كما كان من قبل، فينطبق على فرعون وجُنده، فيغرقون ويموتون، قال -تعالى-: (فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ بِجُنودِهِ فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُم).
وفي تلك اللحظات التي أوشكت بها الرُّوح بالخروج، اعترف فرعون وأقرّ بألوهيّة الله -سُبحانه-، فرغب حينها بالإيمان ، علّ ذلك يكون سبباً لنجاته من الموت المحقّق، والعذاب المهين، فينطق بكلمة التوحيد في لحظةٍ لا ينفع فيها إيماناً أو توبةً، قال -تعالى-: (وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتّى إِذا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ)، كما قال -تعالى-: (آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ*فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ عَن آياتِنا لَغافِلونَ)، كما قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لمَّا أغرقَ اللَّهُ فِرعونَ قالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فقالَ جبريلُ: يا محمَّدُ فلو رأيتَني، وأَنا آخذٌ من حالِ البحرِ فأدسُّهُ في فيهِ مخافةَ أن تُدْرِكَهُ الرَّحمةُ).
وقت قبول التوبة
أمر الله عباده بالتوبة إليه، إذ قال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالتوبة مطلوبةٌ من العبد طوال حياته، منذ أن يخرج إلى الدّنيا، إلى أن يتوفّاه الله، ولقد أمر الله نبيّه -عليه الصلاة والسلام- أيضاً بالتسبيح والاستغفار ، بالرغم من أنّه قد غفر له ما تقدّم من ذَنْبه وما تأخّر، والأولى أن تُطلب التوبة من العباد؛ لوقوع الذّنوب والمعاصي منهم.
ولا ينتهي وقت التوبة إلّا بانقطاع الأسباب التي تتوفّر للإنسان القادر، فإن انقطعت الأسباب؛ عُلِم عجز الإنسان عن إتيان المعاصي والشّهوات، عَجْزاً خارجاً عن إرادته، ولذلك لم يتقّبل الله من فرعون توبته، ووقت قبول التوبة من شروط قبولها، فإن وقعت في زمنٍ لا تُقبل فيه التوبة؛ فلا تنفع العبد، وقد يكون ذلك الوقت خاصّاً؛ وذلك حينما يُدرك الإنسان وفاته، وقد يكون ذلك الوقت الذي لا تُقبل فيه التوبة عامّاً؛ ويكون عندما تطلع الشمس من مغربها؛ حيث لا ينفعُ نَفسٌ إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في حياتها خيراً.