لماذا سميت غزوة الخندق بغزوة الأحزاب
سبب تسمية غزوة الخندق بغزوة الأحزاب
يعود سبب تسمية غزوة الخندق بهذا الاسم نسبةً للخندق الذي حفره المسلمون استعداداً لِمواجهة الأعداء الذين توجّهوا لقتالهم في السنة الخامسة من الهجرة، حيث تمكّن اليهود من حشد العديد من الطوائف في جيشٍ عظيمٍ لِمحاربة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أمل منهم في القضاء عليه، لِاعتقادهم أنّ اجتماع معاديه وتكاتفهم على قتاله يُحقّق لهم ذلك، فأخذوا بتحريض قريش على قتال المسلمين وتأليبها عليهم، فسرعان ما استجابت لهم، لا سيما وأنّها قد رجعت من غزوة أحد تجرّ أذيال الخيبة لِعجزها عن هزيمة المسلمين في المدينة المنورة، فقد انتشر الإسلام فيها، وقد تبع قريش عددا من قبائل العرب؛ منها قبيلتَي تهامة وكنانة بقيادة أبي سفيان، وعددهم حينئذ أربعة آلاف، ومعهم ثلاثمئة فرسٍ وألف وخمسمئة بعيرٍ، وبني سُليم بقيادة سفيان بن عبد شمس وعددهم سبعمئة، وبني أسد بقيادة طليحة بن خويلد.
وقد خرج اليهود نحو قبائل غطفان بقصد تحريضهم على المشاركة في الحرب ضد المسلمين، فاستجاب لهم عددٌ من القبائل؛ منها قبيلة بني فزارة بقيادة عُيينة بن حصن وعددهم ألف، وبني مرة بقيادة الحارث بن عوف وعددهم أربعمئة، وبني أشجع بقيادة مسعر بن زُخيلة وعددهم أربعمئة، فهذه هي الأحزاب المُؤلّفة من قريش ومن تبعها من مشركي قبائل العرب، واليهود ممّن يَقطُن في المدينة كبني قريظة، أو خارجها كيهود خيبر، بالإضافة إلى المنافقين، وقد اتّحدت لِقتال المسلمين ، فسارت إليهم بنحو عشرة آلاف مقاتلٍ تقريباً، فكان ذلك سبباً في تسمية غزوة الخندق بغزوة الأحزاب.
سبب غزوة الخندق
أخفقت قريش في تحقيق الهدف المَرجو من غزوة أحد ، وهو تأمين طرقها التجارية إلى الشام من خطر المسلمين، فرأت أنّها لن تتمكّن من القضاء على المسلمين وحسم الموقف لصالحها بقوّة واحدة، بل لا بدّ من تكاتف القوى للنّيل منهم، وفي ذلك الوقت كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أجلى نفرٌ من يهود بني النضير وأخرجهم من المدينة المنورة إلى خيبر؛ ومنهم سلام بن أبي الحُقيق، وسلام بن مشكم، وحُيي بن اخطب، وكنانة بن الربيع.
فخرج وفدٌ منهم نحو مكة لدعوة قريش لِحرب المسلمين، وحتّى يتمكّنوا من استمالتهم إلى نصرهم ومؤازرتهم بيّنوا لهم أفضلية دينهم عن دين الإسلام ، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، إلّا أنّ الله -تعالى- لعنهم بقوله: (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)، وأخبر أنّه لا ناصر لهم في الدنيا والآخرة، وسرعان ما أُعجِبَت قريش بحديث اليهود واستجابت لهم، ثمّ خرج وفد اليهود إلى عددٍ من قبائل العرب؛ كغطفان، وأشجع، وفزارة، بقصد تحريضهم على المشاركة في الحرب ضد المسلمين، ولِإغرائهم في التّحالف معهم بنصف تمر خيبر، فاستجابوا لهم.
نتائج غزوة الأحزاب
هناك العديد من النتائج لغزوة الخندق، منها ما يأتي:
- انتهاء التحالف الذي جمع المشركين واليهود على حرب المسلمين.
- رحيل الأحزاب عن المدينة المنورة لا يحملون في صدورهم سوى الغيظ والخيبة، لقوله -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ)، لِفشلهم في تحقيق مُرادهم، قال -تعالى-: (لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا).
- كفى الله المؤمنين قتال الأحزاب ومبارزتهم لِإجلائهم وإبعادهم عن المدينة بما أمدّهم به -سبحانه- من أسبابٍ حقّقت لهم ذلك، لقوله -تعالى-: (وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).
- تأييد الله -تعالى- المؤمنين بجندٍ من الملائكة تَبثّ الرعب والهلع في قلوب الأحزاب، لقوله -تعالى-: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).
- تأييد الله -تعالى- المؤمنين بإرسال ريحٍ قويّةٍ في ليلةٍ شديدة البرودة على الأحزاب تَهدم خيامهم، وتقلب قدورهم، وتُطفِئ نيرانهم، وتَملأ قلوبهم رعباً وهلعاً، لقوله -تعالى-: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا)، ولقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (نُصِرْتُ بالصَّبا)، فعندما سمع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صوت الريح القويّة وصياح المشركين، نادى في صحابته بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن رَجُلٌ يقوم فيَنظُرَ لنا ما فَعَلَ القَومُ، ثم يَرجِعَ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجْعةَ- أسأَلُ اللهَ أنْ يكونَ رَفيقي في الجَنَّةِ)، فلم يقم أحدٌ من شدة الخوف والبرد والجوع، فحينها دعا حذيفةَ بن اليمان -رضي الله عنه- فقال له -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا حُذَيفةُ، فاذْهَبْ فادْخُلْ في القَومِ فانْظُرْ ما يَفعَلونَ، ولا تُحدِثَنَّ شَيئًا حتى تَأتِيَنا).
- فما كان من حذيفة -رضي الله عنه- إلّا الاستجابة لِأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فخرج نحو جند الأحزاب، ودخل بينهم في معسكرهم، فسمع صوت أبي سفيان وهو يأمر قريش بالرحيل والعودة لديارهم، وما قامت به غطفان من العودة والرحيل أيضاً مُقتديةً بقريش، فرجع -رضي الله عنه- لِرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يحمل خبر الأحزاب وما حلّ بهم، فعاد رسول الله وأصحابه إلى المدينة مُكبّرين بعد أن نصرهم الله -تعالى- وكفاهم القتال، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا قَفَلَ مِن غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ علَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ).