لماذا سمي الشاعر المتنبي بهذا الاسم
سبب تسميته بالمتنبي
تعدَّدت الروايات التي تحدثت عن سبب تسمية الشاعر أبو الطيب باسم المتنبي، وذهب بعضها إلى أن المتنبي إدعى النبوة؛ بينما ذهب بعضها الآخر إلى أنه أخذ التسمية لأسبابٍ أخرى، ويبين الآتي الآراء المتعلقة بسبب تسميته بهذا الاسم:
ادعاء النبوة
ذكر ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان"، وناصيف اليازجي في كتابه "العرف الطيب"، في شرح ديوان المتنبي، أن المتنبي كان قد ادّعى النبوة في بادية السماوة - بين الكوفة والشام - والتي أقام فيها فترةً من الزمن، متأثراً بذلك بالقرامطة؛ الذين كانوا يعتبرون دعاة مذهبهم أنبياء؛ حيث إن المتنبي كان أحد دعاتهم وقد سمى نفسه نبياً، وإضافة إلى ذلك كانت الدولة العباسية آنذاك مسرحاً للثورات والحركات التي تهدف إلى السيادة والرفعة، وكان أبو الطيب رجلاً طموحاً، وكان هذا المناخ مناسباً لرجلٍ مثله يسعى إلى بلوغ المجد والعلياء، ويذهب رأيٌ آخر إلى إنه أُطلق عليه لقب المتنبي بسبب أبياتٍ قالها في صباه توحي بتعاليه وعظم كبريائه وقد شبَّه نفسه بالمسيح بين اليهود وبصالح بين ثمود وهي:
ما مقامي بأرض نخلةٍ إلّا
- كمقام المسيح بين اليهود
إلى أن قال:
أنا في أمَّـةٍ تداركها الله
- غريبٌ كصـالح في ثمود
قيل أيضاً إنَّ المقصود بالنبوة التي ادعاها هو ملكته الشعرية واللغوية، وليست النبوة الدينية، واستدلوا بذلك بأبياتٍ كان قد نظمها وقال فيها:
أنا ربُ الندى وربُّ القوافي
- وسمامُ العِدَى وغيظُ الحسود
وقال في قصيدة أخرى:
إِنَّ هَذا الشِعرَ في الشِعرِ مَلَك
- سارَ فَهوَ الشَمسُ وَالدُنيا فَلَك
أنكر أبو الطيب ادعاءه للنبوة عِدة مرات، وعندما سؤل عن المقصد من اسم المتنبي قال: "أنا أول من تنبأ الشعر" أما الدكتور شوقي ضيف فيرى ( إنـه هـو الـذي لقـب نفـسه بالمتنبي، أو لعـل بعض المعجبين بشعره هم الذين لقبـوه بـه، رمـزاً لعبقريتـه الـشعرية وأنـه يـأتي فـي أشـعاره بـالمعجز الذي ليس له سابقة).
ورع المتنبي
ذهب الأستاذ محمود شاكر أبو الفضل إلى نفي ادعاء أبي الطيب للنبوة، وعزى تلقيبه بالمتنبي إلى أسبابٍ أخرى منها أن أبا الطيب كان معروفاً بورعه وعفته وتنزُّهه عن الفواحش؛ كالكذب والزنى وغير ذلك من المعاصي، وعُرف أيضاً بانشغاله وجديته في طلب العلم، وكان يحظى بمنزلةٍ رفيعة عند أئمة اللغة والأدب والنحو، أمثال ابن جني، وأبي علي الفارسي، والربعي، وعلَّل أبو الفضل ذكر المتنبي الأنبياء في شعره في صباه إلى أنه كان لتشبيه نفسه بهم، وليقيس أخلاق ممدوحيه إلى أخلاقهم.
أما أبي العلاء المعري فقد كان متشككاً غير مصدقٍ لادعاء المتنبي للنبوة، وقد جاء في كتابه "رسالة الغفران" أن المتنبي كان إذا سؤل عن سبب تسميته بهذا اللقب أجاب: "هو من النبوة، أي المرتفع عن الأرض" وقال المعري مدافعاً عن المتنبي: (وكان قد طمع في شيءٍ قد طمع فيه من هو دونه، وإنما هي مقاديرٌ يظفر بها من وُفق ولا يراع بالمجتهد أن يخفق، وقد دلت أشياء في ديوانه أنه كان متألهًا، وإذا رجع إلى الحقائق فنطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الإنسان، لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويُحتمل أن يظهر الرجل بالقول تدينًا، وإنما يريد أن يصل إلى ثناء أو غرض، ولعله قد ذهب جماعة هم في الظاهر متعبدون وفيما بطن ملحدون).
رأي القدماء والمحدثين في نبوة المتنبي
شغلت مسألة ادعاء أبي الطيب للنبوة بال العلماء قديماً وحديثاً، واختلفت آراؤهم في تلك المسألة، وتباينت مواقفهم، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئاتٍ على النحو الآتي:
- الفئة الأولى: اتفقت هذه الفئة على أن المتنبي كان قد ادعى النبوة فعلاً، ومن هؤلاء علماءٌ قدماء ومحدثين، أما القدماء فهم أمثال ابن خلكان، والخطيب البغدادي ، وأما المحدثين فأمثال سعيد الأفغاني.
- الفئة الثانية: تحفظّت هذه الفئة عن الادلاء برأيها ولم تجزم صحة ذلك الادعاء إلا أنها لم تنكره أيضاً، ومن هؤلاء علماءٌ قدماء أمثال الثعالبي، وعلماء محدثين أمثال عباس محمود العقاد .
- الفئة الثالثة: أنكرت هذه الفئة أن يكون المتنبي قد ادعى النبوة، ومن هؤلاء أبي العلاء المعري من العلماء القدامى، ومن المحدثين، طه حسين ، محمود شاكر، وعبد الوهاب عزام، ومحمد عبد الرحمن شعيب، وعبد الغني الملاح، وغيرهم، واتفق في ذلك معهم المستشرقين أمثال بلاشير، وبروكلمان، وماسينيون؛ حيث أنكروا ادعاء أبي الطيب للنبوة.
يبين الآتي بعض آراء العلماء المحدثين في مسألة ادعاء ابو الطيب للنبوة:
- بطرس البستاني: أشار إلى أن هناك أشياءً في ديوان المتنبي تدلُّ على أنه كان مُتألهاً؛ كتشبيه نفسه بالأنبياء، لكن هذا التأله في الشعر ليس دليلاً كافياً لإثبات ادعاءه النبوة.
- الدكتور عبد الوهاب عزام: أنكر هذا الادعاء.
- محمود شاكر: أنكر هذا الادعاء، وأنكر القرآن الذي كان قد نُسب للمتنبي، ورفض دخوله إلى السجن بسبب ادعاء النبوة، وفي رأيه أنه إنما دخل السجن بسب الدعوة العلوية.
- طه حسين: حسم أمره في هذه المسألة فقال: (وأنا لا أتردد في رفضي من أنه ادعى النبوة، وأحدث المعجزات أو زعم إحداثها، وضلل فريقاً من خاصة الناس أو عامتهم، كما لا أتردد في رفضي هذا السخف الذي يتنبأ أن المتنبي زعم أن قرآناً أنزل عليه).
- الدكتور مصطفى الشكعة: وقف موقف المحايد؛ إذ إنه لم ينفي التهمة عن أبي الطيب ولم يثبتها، وقال: (كنت صاحب ميل إلى أن المتنبي قد فعلها وتنبأ)، ولكنه عاد وقال إن هدفه ليس إثبات ذلك من عدمه، إنما هدفه وضع البراهين والأدلة التي لا تنفي هذه التهمة تماماً عن أبي الطيب.
- الدكتور عبد الله الطيب: لوحظ أنه لم يورد لفظة المتنبي في كتابه "مع أبي الطيب" وهذا إن دل على شيء فإنما يدلُّ على أن الطيب لم يرغب في الخوض في فكرة نبوة أبي الطيب، وأنه غير مؤمنٍ بهذه الفكرة.
- عبد الرحمن شعيب: أشار إلى أن المتنبي لم يدعي النبوة وأن هذه الدعوى كانت وشايةً أو أمراً سياسياً؛ وهو رغبة المتنبي في الاستيلاء على السيادة في البلد.