لماذا حرم على الرجال لبس الذهب؟
التسليم لأوامر الله تعالى
أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتسليم الخالص له، والانقياد لأوامره ونواهيه، وجعل ذلك ركيزة من ركائز الإسلام وثابتاً ملازماً له، قال تعالى في ذلك: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، والتسليم لله هو الخضوع لأمره وشرعه والإذعان في عبادته وفق ما أمر في سائر أحوال الإنسان، والتسليم يتطلب من المسلم الرّضى بشرع الله وأوامره، واليقين بأن الخير كلّه فيما شرع الله له، وهذا يستلزم من المسلم أن يُحسن الظنّ بالله تبارك وتعالى ، ويعلم أنّه العالم بما يصلح للإنسان وما ينفعه، فيلتزم بذلك أوامر الله عز وجل ويسلّم لها دون أن يجد في صدره انزاعجاً من ذلك، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وقد جعل الله الأحكام الشرعيّة على قسمين؛ قسم معقول المعنى، يمكن للإنسان معرفة الحكمة منه إمّا بإخبار الشرع عنها، وإمّا باستنباط العلماء لها، وذلك كإخبار القرآن عن الحكمة من الصلاة حين قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، أو كاستناط العلماء للحكمة من إفطار المسافر حين قالوا إنّ الحكمة من ذلك دفع المشقّة المترتبة عليه، والقسم الثاني من الأحكام والتكاليف الشرعية ما كان غير معقول المعنى، فلا يستطيع الإنسان التوصّل إلى حكمة هذا النوع والسبب الدّاعي له، ومثاله عدد الصلوات وعدد الركعات في كلّ صلاة، وعدد الجمرات التي يرميها الحاج ونحو ذلك، والحكمة الداعية لوجود مثل هذه الأحكام والتكاليف الشرعية غير معقولة المعنى هي ابتلاء الناس، ومعرفة مقدار تسليم كلٍّ منهم لله سبحانه وتعالى وامتثاله لأمره، إلا أنّ معظم ما جاءت به الشريعة من تكاليف وأحكام، إنّما هي من النوع الأول معقول المعنى.
والواقع أنّ الإنسان إن امتلأ قلبه استجابةً لله وتسليماً لأوامره ظهر ذلك على جوارحه بالامتثال الكامل، والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى، وحينها يحصل له انشراح الصدر، والرضى بالأحكام، والقناعة بقدر الله، فلا تحوم حوله الشكوك أو تؤثّر به الشبهات، وعلى العكس تماماً فإن كان الإنسان ضعيف التسليم لله، غير موقن بحكمته، فلا يكون للأحكام عنده وزن، ولا يعظّمها أو يمتثل لها، ويصير كثير الحيرة والشكوك، ممّا يؤدي به إلى الضّلال.
الحِكمة من تحريم لبس الذهب للرجال
يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بكلّ ما يصلح أحوالهم ويدفع عنهم مضرّة الدنيا والآخرة، وقد يستبين الإنسان الحِكمة من بعض الأحكام الشرعية ولا يستبينها في غيرها، والواجب عليه في كل الأحوال التسليم لله والإذعان لتشريعه، ومن الأحكام التي جاءت بها الشريعة تحريم لبس الذهب على الرجل؛ فقد خلق الله تبارك وتعالى الرجل والمرأة وجعل لكلٍّ منهما خصائص يتميّز بها عن الآخر، وتتناسب هذه الخصائص لكل منهما مع الوظيفة التي خلقه الله لأدائها، فالرجل له وظائف لا تستطيع المرأة القيام بها، وكذلك المرأة لديها مهامّ ووظائف لا يستطيع الرجل الإتيان بها.
والذهب في عمومه يُستعمَل للزينة والتجمل، ويتّخذ منه الإنسان حُليّاً يلبسها، والرجل زينته في رجولته، فهو غير محتاج لما يتجمّل به وليس من خصائصه السّعي للتزين والتجمّل، وليس من طبعه التجمّل حتى تتعلق رغبة شخص آخر به، أمّا المرأة فعلى خلافه؛ تحتاج التجمّل، ولا بدّ لها منه حتى يكون ذلك مدعاةً للعشرة بينها وبين زوجها، ولذلك فإن المرأة حين تتزيّن يميل إليها الرجل وتتعلق رغبته بها، ممّا يدفعه لطلب الزواج، فيتحقق بذلك مُراد الله من التزاوج بين الناس للحفاظ على مقاصد الزواج كبقاء الجنس البشري وغيره، وهكذا فقد أجاز الله للمرأة أن تطلب الزينة بالذهب وغيره، فكان ذلك لائقاً بها مرغوباً فيها، أمّا الرجل فكان هذا من المذامّ والمعايب فيه، كما أنّ الذهب بمناسبته للمرأة وموافقته لطبعها ووظيفتها كان جائزاً لها، فلا يجوز للرّجل أن يتشبّه بالمرأة بلبسه أيضاً.
حِكمة تحريم لبس الحرير للرجال
كما جاءت الشريعة بتحريم لبس الذهب للرجل، فقد جاءت بتحريم لبس الحرير له أيضاً، وقد ذكر العلماء في الحِكمة من ذلك التحريم أقوالاً عدّة، بيانها فيما يأتي:
- إنّ الله إنما حّرمه على الرجال حتى يتركوا لبسه طاعةً له؛ فيُثابوا على ذلك.
- إنّ مفسدة تشبّه الرجال بالنساء متحقّقة فيه؛ لأنّ الأصل في الحرير أنّه من ملابس النساء، لا يجوز للرجل ارتادؤه حتى لا يكون متشبهاً بهنّ.
- إنّ في الحرير مظّنة العُجب والخيلاء والكِبر، فيجدر بالرجل تركه لذلك.
- إنّ ملامسة الحرير للجسد تورثه صفاتٍ أنثويّةً، فلا يجوز للرجل أن يلبسه حتى لو كان من أكثر الرجال شهامةً ورجولةً، فلا بدّ أن يكتسب قلبه شيئاً من صفات الإناث بارتداء الحرير.
شروط اللباس الشرعي للرجال
جعل الله سبحانه وتعالى للباس الرّجل عامّةً شروطاً معيّنةً، إذا تحققت في الملابس جاز له أن يرتديها، وفيما يأتي بيان هذه الشروط:
- أن يكون اللباس شاملاً لعورة الرجل ساتراً لها، وهي ما بين سرّته وركبته.
- ألا يكون اللباس شفافاً، يُرى منه لون الجسد والعورة.
- ألا يكون اللباس ضيّقاً؛ فيصف بضيقه عورة الرجل.
- ألا يكون اللباس فيه تشبّه بالمرأة ولباسها.
- ألا يكون في اللباس تشبّه بالكافرين .
- ألا يكون اللباس مصنوعاً من الحرير.
- ألا يحتوي اللباس في نفسه على أمر محظور شرعاً، مثل: الإسبال، ولبس المعصفر، وما إلى ذلك.
- ألا يكون اللباس لباس شهرة.