لبيد بن ربيعة
لبيد بن ربيعة
هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الشاعر يكنى بأبي عَقيل، وهو من الشعراء العرب المخضرمين عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم قبل فتح مكة، وحسن إسلامه، وهو من أشراف الجاهلية والإسلام ومن أصحاب المعلقات .
اشتهر بالخطابة وفصاحة اللسان، وهو من الشعراء المعمرين حيث عاش في الجاهلية وقيل إنه مات في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقيل مات في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان .
نسبه وأهله
لم يختلف الرواة في اسمه ونسبه، كما أنّهم لم يختلفوا في كنيته، وسمي ربيعة المقترين لجوده وكرمه وسخائه،وأم لبيد هي تامرة بنت زنباع العبسية إحدى بنات جذيمة بن رواحة، تزوجت قبل والد لبيد قيس بن جزء بن خالد بن جعفر، فولدت له طفلاً هو أربد، وأربد هذا هو أخو لبيد الأكبر من أمه وكان فارساً مغواراً، كريماً، وقد انغمس في ملذات الخمر والميسر، لكنه كان عطوفاً على أخيه لبيد، وكان لبيد معجباً بشجاعة أخيه وكرمه.
ولبيد كان طفلاً لما مات والده فعاش في حجر أعمامه الذين عطفوا عليه وحموه، وقد افتخر بجدته أم البنين حيث قال: "نحن بنو أم البنين الأربعة" وهي ليلى بنت عمرو بن عامر فارس الضحياء.
إسلامه
وفد مع قومه على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبل الفتح، فأسلم معهم وحسن إسلامه، ومع أنّه كان من فحول الشعراء في الجاهلية إلا أنّه لم يقل الشعر في الإسلام وكان يقول: "أبدلني الله تعالى به القرآن" ولم يقل إلا بيتاً في الإسلام هو:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه
والمرء يصلحه القرين الصالح
وقد روى أبو هريرة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعرٌ هي كلمة لبيد: ألا كل ما خلا الله باطل"، وقد حفظ لبيد القرآن، وأرسل عمر بن الخطاب لعامله يطلب منه أن يسأل الشعراء عن شعرهم، فلما أتى لبيد، فأجاب لبيد إن شئت أنشدتك من الجاهلية، فقال بل من شعرك في الإسلام: فكتب سورة البقرة وأرسلها إليه وقال: أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر.
طائفة من أخباره وشعره
تفتقت قريحة لبيد الشعيرة منذ صغره وكان إذا هجى شخصاً وضعه، وإذا مدح شخصاً رفعه، وهو من أصحاب المعلقات السبع، لم يتكسب في شعره، وشعره كان مليئاً بالحكمة، وكان من أشراف الجاهلية والإسلام، ومن أخباره أنّه نفي مع قومه قاصدين أرض نجران ، وقد نفاهم جوَّاب بن عوف زعيم بني بكر، فقال متهكماً:
أَبَنِي كلابٍ كيف تُنْفَى جَعْفَرٌ
وَبَنُو ضبينةَ حاضِرُو الأحبَابِ
وكاد شمل بني عامر يتفرق في المنفى ويشير لبيد إلى أنّه كان السبب في لم شملهم حيث يقول:
ويوم منعت الحي أن يتفرقوا
بنجران فقري ذلك اليوم فاقر
وبعد فترةٍ هدأت نفس لبيد تجاه بني بكر وقد أرادوا مصالحتهم فقال لبيد مذكراً بأنّ الحفاظ على صلات القربى أجدى من الخصام:
فأبلغ بني بكر إذا ما لقيتها
على خير ما يلقى به من تَزَغَّما
أبونا أبوكم والأواصر بيننا
قريب، ولم نأمر منيعًا ليأثََمَا
فإن تقبلوا المعروف نصبر لحقِّكم
ولن يعدم المعروف خُفًّا ومَنْسِمًا
وعندما كان وليد بن عقبة والي الكوفة هبت رياح الصبا، فصعد على المنبر وقال: إنّ أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية، أن لا تهب صبًا إلا أطعم (أي أطعم الفقراء والمحتاجين)، وهذا يوم من أيامه وقد هبت صبًا فأعينوه وأنا أول من يفعل فنزل عن المنبر وأرسل للبيد مئة بَكْرَة (إبل)، وأرسل إليه بأبيات يقول فيها:
أرى الجزَّارَ يشحذ شفرتيه
إذا هبَّت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري
طويل الباع كالسيف الصقيل
وَفَى ابن الجعفري بحلفتيه
على العلات والمال القليل
بنحر الكُوم إذ سحبت عليه
ذيول صبًا تجاوب بالأصيل
وكان لبيد لا يقول الشعر في الإسلام فأمر ابنته أنّ تجيبه فقالت:
إذَا هبت رياح أبي عقيل
دعونا عند هبَّتِها الوليدا
أشم الأنف، أروع عبشميًّا
أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا
عليها من بني حام قُعُودا
أبا وهب جزاك الله خيرًا
نحرناها فأطعمنا الثريدا
فعد إنَّ الكريم له معاد
وظني لا أبا لك أن تعودا
فقال لها أبيها: قد أحسنت لولا أنك استطعمتيه (طلبتِ كرمه)، فقالت له: إن الملوك لا يستحيا من مسألتهم، فقال لها: والله إنك بهذه لأشعر.
ومن شعره في الحكمة:
واكذب النفس إذا حدثتها
إنَّ صدق النفس يُزري بالأمل
آراء بعض النقاد فيه ومعلقته
جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة وقال فيه: "وَكَانَ لبيد بن ربيعَة أَبُو عقيل فَارِسًا شَاعِرًا شجاعا وَكَانَ عذب الْمنطق رَقِيق حواشي الْكَلَام وَكَانَ مُسلما رجل صدق، وَكَانَ في الْجَاهِلِيَّة خير شَاعِر لِقَوْمِهِ يمدحهم ويرثيهم ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم."
قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما أحد أحبّ إليّ شعرًا من لبيد بن ربيعة لذكره الله عز وجل، ولإسلامه، ولذكره الدين والخير، ولكن شعره رحى بَزر" أما معلقته فلم يذكر السبب الذي قالها لأجله، وكانت مسبوكةً سبكًا متينًا، وحوت تشابيه لطيفة، ووصفًا رائعًا، وحماسة جميلة، وفيها أبياتٌ قليلةٌ من الحكمة الجليلة، وقد افتخر فيها بمآثر قومه، ومقدمتها:
عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا
بمنًى تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا
فمُدافعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُها
خَلَقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلَامُها
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بعدَ عَهْدِ أنِيسِهَا
حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وحَرَامُهَا
رُزِقَتْ مَرابيعَ النُّجُومِ وَصَابَهَا
وَدْقُ الرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُها
منْ كلِّ سَارِيَةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ
وَعَشِيَّةٍ مُتجاوبٍ إرْزامُهَا
فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ
بالجَلهَتين ظِبَاؤهَا ونَعَامُهَا
والعِينُ ساكِنَةٌ على أطْلائِهَا
عُوذاً تَأجَّلُ بالفضَاءِ بِهَامُها