كيفية تيمم الغسل
كيفية تيمم الغُسل
ثبتت كيفية تيمم الغسل بما رواه البخاري عن عمّار بن ياسر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّما كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَفَّيْهِ الأرْضَ، ونَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بهِما وجْهَهُ وكَفَّيْهِ)، وقد كان سبب ورود هذا الحديث أنّ رجلاً سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الرخصة في التيمم بدل الغسل من الجنابة، إلّا أنّ عمر -رضي الله عنه- لم يكن يتيمم لذلك؛ فذكّره عمار بن ياسر -رضي الله عنه- بسفر قد جمعهما؛ فاحتلما وهما يفقدان الماء، ولم يكن هناك دليل شرعيّ يوجب التيمم في هذه الحالة ويوضّح كيفيته؛ فاجتهد كل منهما لإدراك الصلاة فلم يصلِّ عمر -رضي الله عنه-، وأمّا عمار -رضي الله عنه- فعمم بدنه بالتراب اجتهاداً منه أنّ صفة التيمم؛ كصفة الغسل في وجوب تعميم البدن بالتراب، فذكرا لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- ما حدث معهما؛ فأجابهما -بالحديث السابق ذكره-.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء اتفقوا على كيفية التيمم بدل الغسل تكون بمسح الوجه واليدين بالتراب سواءً تمّ ذلك بضربتَين أو أكثر، ويكون مسح اليد اليمنى بتمرير اليد اليسرى من فوق كف اليد اليمنى إلى المرفق، ثمّ نزولاً من باطن المرفق إلى الرسغ، ويمسح اليد اليسرى كما اليمنى، إلّا أنّهم اختلفوا في الحد الواجب مسحه من اليدين، وعدد الضربات المُجزأة عن التيمم على قولين، كما يأتي:
- الحنفية والشافعية: قالوا بأنّ الضربات المُجزأة عن التيمم ضربتان؛ فتكون الأولى للوجه والثانية لليدين على أن يتمّ مسحهما إلى المرفقين.
- المالكية والحنابلة: قالوا بأنّ الضربات المُجزأة عن التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين ولا يُشترط مسحهما إلى المرفقين؛ لأنّ إطلاق لفظ اليد لا يُراد به الذراع كإطلاق لفظ قطع اليد للسارق، إلا أنّ الأفضل والأكمل عندهم في كيفية تيمم االغسل أن يكون كالحال التي ذكرها الحنفية والشافعية.
حكم التيمم بدل الغسل
يجوز التيمم بدل الغسل من الحدث الأكبر من جماع أو نفاس أو حيض كجوازه للحدث الأصغر، وقد دلّت العديد من النصوص الشرعية على ذلك، ومنها ما ورد عن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنَّا في سَفَرٍ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَصَلَّى بالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِن صَلَاتِهِ إذَا هو برَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مع القَوْمِ، قالَ: ما مَنَعَكَ يا فُلَانُ أنْ تُصَلِّيَ مع القَوْمِ؟ قالَ: أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولَا مَاءَ، قالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ، فإنَّه يَكْفِيكَ)،
وتجدر الإشارة إلى أنّ التيمم بدل الغسل ينقسم إلى قسمَين أوّلهما التيمم المفروض وهو ما يكون عند أداء عبادة يُفترض لها الغسل؛ كالصلاة ومسّ المصحف لمَن كان جنباً أو كانت حائضاً أو نفساء، وثانيهما التيمم المندوب وهو ما يكون عند أداء عبادة يُندَب لها الغسل؛ كأداء صلاة الجمعة أو صلاة العيدَين.
شروط التيمم
تُشترَط لصحّة التيمم عدة شروط، ومنها ما يأتي:
- الإسلام: ذهب جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى اشتراط الإسلام لصحّة التيمم لكونه عبادة، ويترتب على ذلك عدم صحّة تيمم غير المسلم وإن قصد به الدخول في الإسلام.
- التمييز: اتّفق الفقهاء على اشتراط العقل والتمييز لصحّة التيمم؛ لكونه عبادة يُشترط لصحّتها التمييز، ولِوجوبها التمييز والبلوغ، ويترتب على ذلك عدم صحّة تيمم المجنون والصبي غير المُميّز؛ لفقدهما النيّة الصحيحة؛ إذ لا يُعتدّ في الشرع إلّا بقول العاقل الذي يعي ويفهم ما يقول كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية، أمّا الصبي المميّز الذي تعدّى سنّ الإدراك والتمييز فإنّ تيممه صحيح، لكن لا يجب عليه لأنّه ليس ببالغ.
- انقطاع الحدث الأكبر من حيض ونفاس: اتّفق الفقهاء على اشتراط انقطاع الحدث الأكبر من دم الحيض والنفاس لصحّة التيمم.
- إزالة كل ما يمنع المسح على الوجه واليدين: اشترط الفقهاء زوال كل ما يمنع المسح على عضوَيّ التيمم؛ كالدهن والشمع، لأنّ المسح يصبح على الحائل فلا يصل بشرة الوجه واليدين.
- دخول وقت الصلاة المُتيمّم لها: اختلف الفقهاء في اشتراط دخول وقت الصلاة المُتيمّم لها لصحّة التيمم على قولين، كما يأتي:
- الجمهور: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط دخول وقت الصلاة المُتيمّم لها لصحّة التيمم، فمَن تيمم قبل الوقت بَطُل تيمّمه.
- الحنفية: قالوا بصحّة التيمم قبل أو بعد دخول وقت الصلاة المُتيمّم لها؛ لأنّ جميع الأوقات وقت للتيمم.
- إعواز الماء بعد طلبه: اتفق الفقهاء على أنّ إعواز الماء بعد طلبه للمتيمم الذي كان يطمع في وجود الماء شرط في صحّة التيمم، وقد استدلوا على ذلك بقوله -تعالى-: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)، واستدلّوا كذلك بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الصعيدَ الطَّيِّبَ وُضوءُ المسلمِ ، و إنْ لَمِ تَجِدِ الماءَ عَشْرَ سِنينَ ، فإذا وجَدَ الماءَ فلْيَمَسَّهُ بَشَرَتَهُ ، فإنَّ ذلِكَ هو خَيرٌ).
- التيمم بالصعيد: اتفق العلماء على جواز التيمم بالتراب الطاهر؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا، إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ)، إلا أنّهم اختلفوا في جواز التيمم بغيره على ثلاثة أقوال، كما يأتي:
- الحنفية والمالكية ورواية للحنابلة: قالوا بجواز التيمم بكلّ ما يُعدّ من جنس الأرض وأجزائها من تراب، أو رمل، أوحجر بمختلف أنواعه من جصّ أو نورة أو زرنيخ، بشرط انتفاء وجود التراب في رواية الحنابلة، وجنس الأرض وأجزائها هو قيد يخرج به إجازة التيمم بما لم يكن من أجزائها؛ كالنبات والرماد.
- الشافعية والحنابلة: قالوا بعدم جواز التيمم إلّا بالتراب الطاهر الذي يكون له غبار يَثبَت ويظهر على اليد.
- رواية للحنابلة وقول أبي يوسف من الحنفية: قالوا بعدم جواز التيمم إلّا بالتراب والرمل.
ويكمن السبب في اختلاف الفقهاء في أمرين، بيانهما آتياً:
- الاختلاف في المراد من لفظ الصعيد الوارد في قول الله -تعالى-: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، وذلك لأنّه جاء في لسان العرب بمعنيين أوّلهما التراب فقط، وثانيهما أجزاء الأرض جميعها من تراب وغيره؛ فمَن قال إنّ لفظ الصعيد يفيد المعنى الأوّل قال بعدم جواز التيمم إلّا بالتراب، ومَن حمل المراد منه على المعنى الثاني قال بجواز التيمم بالتراب وغيره.
- الاختلاف في تخصيص أو تقييد قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا)، بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وجُعِلَتْ لنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا)، فمَن قال بتخصيص الحديث الأول لأنّه عام بالحديث الثاني، أو تقييد الحديث الأوّل لأنّه مطلق بالحديث الثاني قال بعدم جواز التيمم إلّا بالتراب، ومَن أبقى الحديث الأوّل على عمومه أو إطلاقه قال بجواز التيمم بالتراب وغيره.
مفهوم التيمم
شرع الدين الإسلامي الغُسل حفاظاً على الطهارة الظاهرة للمسلم ، ويُعرّف الغسل بأنّه استعمال الماء الطهور لسبب خاصّ في غسل البدن كلّه تعبداً لله -تعالى-، ويجب حال خروج المني من الرجل أو المرأة بالإستمناء أو الإحتلام، وحال الجماع سواء أنزل الرجل أم لم ينزل، وفي حال وفاة المسلم إلّا إذا كان شهيداً، كما ويشرع الغسل حال الدخول في الإسلام، وحال انتهاء فترة الحيض أو النفاس للمرأة، ولأنّ الإسلام دين اليسر؛ فقد شرع التيمم حال تعذّر استعمال الماء أو فقدانه تسهيلاً على المسلم، ويُعرّف التيمم بأنّه استعمال التراب الطهور لسبب خاص بمسح الوجه واليدين، وقد ثبتت مشرعيته في القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، كما وثبتت مشروعيّته بالسنة النبويّة؛ بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا).