كيفية تقسيم لحم العقيقة
كيفيّة توزيع لحم العقيقة
اتّفق العلماء على أنّ كيفيّة توزيع لحم العقيقة لا تختلف عن كيفيّة توزيع لحم الأُضحية؛ إذ إنّهما يتمثّلان بإراقة دمٍ واحدٍ يُحكم عليه بالاستحباب، وكما أنّ العقيقة لا تختلف عن الأُضحية في الصفة والشروط، فهي لا تختلف عنها أيضاً في كيفيّة توزيع اللحم، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في تحديد الوجوه والمصارف التي يُؤدّى إليها اللحم، وذهبوا في خِلافهم إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها آتياً:
القول الأوّل
ذهب المالكيّة إلى استحباب الجَمع في لحم العقيقة؛ بين الأكل، والإطعام، والصدقة، دون تقدير أيٍّ منها بقَدرٍ مُعيّنٍ؛ واستدلّوا على ذلك بقول الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، وقوله أيضاً: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، ويُستدلّ من ذلك على أنّ الأكل والإطعام ذُكِرا بصورةٍ مُطلقةٍ دون تقييدٍ؛ ممّا يعني أنّ الأكل أو الإطعام يُحقّقان المشروع.
القول الثاني
قال الحنفيّة، والحنابلة باستحباب تقسيم لحم العقيقة إلى أثلاثٍ؛ ثلث للصدقة، وثلث للإهداء، وثلث للأكل؛ واستدلّوا على ذلك بقول الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)؛ والذي يُستدلّ منه على أنّ مصارف الهدي ثلاثة أصنافٍ، فكذلك العقيقة.
القول الثالث
ذهب الشافعيّة إلى القول بأنّ لحم العقيقة يُقسَم إلى نصفين: نصف للمُضحّي، ونصف للصدقة؛ وقد استدلّوا على قولهم بقول الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)؛ ووجه الاستدلال من الآية السابقة أنّ العقيقة كالهدي؛ تأخذ الحُكم ذاته، وقد ذكر الله في الآية صنفيَن، هما: المُضحّي، والفقير؛ ممّا يعني أنّ لحم العقيقة يُقسَم بينهما مُناصَفة.
حُكم طبخ العقيقة
تعددت أقوال العلماء في بيان حُكم طبخ لحم العقيقة، وذهبوا في ذلك الى قولَين، فيما يأتي بيانهما:
- القول الأوّل: قال جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة باستحباب طبخ لحم العقيقة جميعه، وما سيتمّ التصدُّق به، وما سيتمّ إعطاؤه للفقراء، وقالوا بكراهة إرسال اللحم نيّئاً.
- القول الثاني: قال الحنفيّة بجواز طبخ العقيقة، أو جَعْلها نيّئةً، سواءً في الأحوال جميعها؛ إن كانت للأكل، أو التصدُّق، أو الإهداء.
وتجدر الإشارة إلى استحباب عدّة أمورٍ وردت في السنّة النبويّة عند طبخ العقيقة، بيان البعض منها آتياً:
- يُسَنّ أن تطبَخ العقيقة بشيءٍ حُلوٍ؛ لِما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ والعَسَلُ).
- يُسَنّ طبخ الشاة دون رِجلها؛ إذ يُسَنّ إعطاء الرِّجل للقابلة، كما فعلت فاطمة -رضي الله عنها- بأمرٍ من الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.
- يُسَنّ ألّا يُكسَر عَظم الشاة، بل يتمّ قَطعه من مِفصَلِه.
حُكم الوليمة في العقيقة
تعددت آراء العلماء في حُكم جَعْل العقيقة وليمةً؛ بحيث يُطبخ اللحم، ويُدعى الناس إليه، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
القول الأوّل
ذهب المالكيّة إلى كراهة جَعْل العقيقة وليمةً؛ إذ لم يرِد ذلك الفِعل عن السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم-، وتجنُّباً للتفاخر والمُباهاة، ورد في مذهب الإمام مالك: "ويُكره جَعْلها وليمةً، ويدعو لها الناس كما يفعله الناس، وإنّما كُرٍه لمخالفته لفعل السلف، وخوف المباهاة والمفاخرة".
القول الثاني
ذهب كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة إلى القول بجواز الوليمة في العقيقة، واستحبّ الشافعيّة الإرسال إلى الفقراء على سبيل الهدية، واشترط الحنابلة في الوليمة ألّا تُؤدّي إلى العُجب والفخر.
التفضيل بين العقيقة والتصدُّق بثمنها
بيّن العلماء أنّ العقيقة أفضل من التصدُّق بثمنها وإن كانت قيمة الصدقة أكثر من العقيقة ذاتها؛ إذ إنّ المقصود من العقيقة يتمثّل بالذبح، ولم يُفضّل أحدٌ من العلماء التصدُّق بالقيمة على أداء العقيقة؛ إذ إنّها السنّة النبويّة المُتَّبعة التي قُرِنت بالصلاة في قول الله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
كما بيّن ذلك الإمام ابن القيِّم -رحمه الله-، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: "والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك".
هل يجوز تخزين لحم العقيقة؟
سُئِلَ الإمام مالك عن ادخار لحم العقيقة، أي تخزينه بإحدى طرق الحفظ، فقال: "أن لا بأس بذلك، وهذا شأن الناس في أكلها".
وقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (كلُوا وأطعِمُوا، وتصَدَّقُوا وادَّخِرُوا)، وهذا في لحم الأضحية، والأمر هنا من باب الاستحباب وليس الوجوب على المُضحِّي، وقياساً على الأضحية فيجوز ادّخار لحم العقيقة.
هل يجوز شوي لحم العقيقة؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب طبخ لحم العقيقة كلّه، حتى الذي يتصدّق به، وعند الحنفية يجوز توزيعها نيّئة أو مطبوخة، وطبخ اللحم في عصرنا هذا له عدّة أشكال؛ كالطبخ بالشواء، وعليه فإنّه يجوز شواء لحم العقيقة.
هل يجوز تقسيم العقيقة على مرتين؟
ذهب الفقهاء إلى أنَّ تطبيق السنة في موعد العقيقة أن يكون في اليوم السابع للمولود، أو الرابع عشر، أو الحادي والعشرين، ولا بأس من ذبحها على مرتين أو بوقتين مختلفين، متى تيسر ذلك.
هل يجوز أكل العقيقة كاملةً وعدم التصدّق منها بشيء؟
اتّفق جمهور من العلماء على أنَّ العقيقة حالها كحال الأضحية، فالسّنة في تقسيمها يكون على ثلاثة أقسام، يأكل المرء منها ويتصدَّق ويهدي، أو يوزع منها على من يشاء، ورأى الشافعي وغيره من أهل العلم بجواز التصرُّف بلحمها كيف شاء، وأمّا الإمام أحمد فرأى أنَّ الأفضل التصدُّق بجزء منها ولكنّه لم يمانع أن يفعل الشخص بها كيفما أراد.
خلاصة المقال: عرض المقال الأحكام المتعلقة بالعقيقة، من حيث حكم طبخها، وكيفية توزيعها، وما هي طريقة تخزينها، وما هو حكم شواءها؟، وهل يجوز عدم التصدق من لحمها؟