كيفية تربية الأبناء في الإسلام
كيفيّة تربية الأبناء في الإسلام
على العقيدة
يكون تثبيت العقيدة في قلب الابن بتعليمه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ومقتضياتها ومعانيها، وتحبيب الطفل بالله -تعالى- بذكر صفاته ونعمه على البشر، والأفضل أن يبتعد المربّي عن ربط ذكر الله -سبحانه- بالنار والعذاب والعقاب، وتعليمه أنّ الله -تعالى- مطّلع عليه في كل وقت وحين، وعليه مراقبة الله -تعالى- في أفعاله وأقواله.
على العبادة
يبدأ المربّي المسلم بتعويد الطفل على العبادات منذ الصغر، وإنّ زراعة حبّ الطاعة وكره المنكر في الطفل وهو صغير يكبر معه؛ وقد حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الوالدين على أمر الأطفال بالطاعات وتعوديهم عليها رويداً رويداً وذلك في الحديث الشريف قال: (مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبعِ سنينَ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشْرٍ، وفَرِّقوا بينَهم في المضاجِع)، ومن ذلك أيضاً تحبيب الأولاد بالصيام وتدريبهم عليه لفترات قصيرة، وتقديمهم للإمامة في الصلاة مع أقرانهم.
وتكون تربية الابن من الناحية العباديّة بتعليمه أوّلاً أركان الإسلام الخمس، ثم تعليمه كيفيّة الوضوء والصلاة، وحثّه عليها وتحبيبه بها واصطحابه إلى المسجد.
على الأخلاق
يكون زرع الخلق الحسن في قلب الابن بالحبّ والبعد عن القسوة والعنف، والشعور بالأمن من جهة الوالدين، ثمّ بالقدوة، فحين يرى الطفل أبواه صادقين مثلا يتعلّم منهما ذلك، كما ويُمدح الطفل إن فعل سلوكاً حسناً.
وتعليم الطفل السلوكيّات الحسنة بالقدوة؛ فيحرص الأب على إلقاء السلام على أولاده، والتستّر أمامهم، والإحسان إلى الجيران، وبرّ الوالدين وطاعتهما وغير ذلك من السلوكيّات الحسنة.
الاهتمام بالبناء العام له
يشمل البناء نواحي عديدة، بيانها فيما يأتي:
- الاهتمام بالبناء الجسدي للطفل؛ يحتاج الأطفال إلى اللعب والمرح، ويمكن دمج ذلك مع الرياضة لتقوية أجسادهم، ويكون ذلك بإتاحة وقت كافٍ للعب، وتعليم الطفل السباحة والجري وبعض الألعاب البدنيّة، وتغذيته بغذاء صحّي متوازن.
- الاهتمام بالبناء النفسي للطفل؛ يكون بالانصات للطفل، وتخصيص وقت للكلام والمناقشة معه، والبعد عن التهديد والتخويف المستمر، واحترام ذات الابن وشكره حين يُحسن.
- الاهتمام بالبناء الاجتماعي للطفل؛ يكون ذلك بجعل الطفل ينخرط مع من حوله من الأطفال، وتسجيله في المراكز الصيفيّة وحلقات تحفيظ القرآن، كما ويمكن أيضاً إعطاء الطفل مسؤوليّة معيّنة؛ كإكرام الضيف والقيام بضيافته.
- الاهتمام بالبناء الصحي للطفل؛ يكون ذلك بالاهتمام بغذائهم ومطاعيمهم الصحّية، ورقيتهم بالرقية الشرعية ، وتعويدهم على النوم والاستيقاظ المبكّرين.
- الاهتمام بالبناء الثقافي للطقل؛ يكون ذلك بتعويد الأطفال على القراءة وتشجيعهم عليها، وحلّ الألغاز والألعاب الفكريّة، والقراءة معهم، وتدريبهم على الإلقاء والخطابة.
التربية غير المباشرة للطفل
الجانب الآخر من التربية هو الجانب غير المباشر مع الأبناء، ويكون ذلك بما يأتي:
- الدعاء لهم بصلاح الحال والهداية قبل أن يولدوا وبعد ولادتهم.
- اختيار الاسم الطيّب للابن وتعليمه معنى اسمه.
- العدل بين الأبناء في المعاملة، وذلك ليبعد عنهم البغض والحسد.
- معاملتهم بالرفق واللين والرحمة، ولا ضير بالشدّة في بعض الأوقات، لكن دون غلظة وجفاء.
- توجيه الأب ابنه في الاتّجاه الصحيح ويبعده عن الخطأ، وينصحه ويعلّمه، ويحرص على اختيار الرفقة الصالحة لأبناءه وإبعادهم عن الرفقة السيئة.
- اتّباع أسلوب المكافأة دائماً، والمعاقبة أحياناً، والتنويع في أسلوب العقاب دون الضرب، إنّما بالزجر والنظرة الغاضبة، والقصاص.
عدم تكلفة الطفل ما لا طاقة له به
إحدى أهم أساليب التربية التي يجب على المربي أن يأخدها بعين الاعتبار هي ألّا يكلف الطفل أو اليافع ما لا طاقة له به، حيث يعود ذلك بأثر عكسي على سلوكه، كما ويعفو المربّي عن الطفل إن أخطأ، ويحرص على تكليفه بما يستطيع فعله.
وحين يكلّف المربّي ما يستطيع الأبناء فعله؛ الأفضل أن يترك المربّي لهم حرية التصرّف واتخاذ القرار، وهذا سبب في تقوية الاستقلالية عند الطفل وشعوره بأنّ هناك من يعتمد عليه ويثق به، ولا يغضب المربي إن سمع من ابنه كلمة لا؛ فهذا دليل على أن الولد لا يطيع طاعة عمياء إنّما يستطيع أن يبيّن ما يحب ويكره.
تتفرّع الاتّجاهات التي يجب على الوالدين أن يعتنوا بتربية أبنائهم عليها، وهذه الاتّجاهات؛ تربية الأطفال على العقيدة وعلى العبادة والأخلاق الحسنة، والاهتمام بالبناء النفسي والجسدي والصحي للطفل.
كيفية تربية البنات في الإسلام
كانت تربية النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبناته مليئة بالرحمة والرقة واللطف؛ وهو -عليه السلام- قدوة لجميع الآباء في ذلك؛ فقد كان -عليه السلام- يفرح ويستبشر عندما يرزق ببنت، ومن جملة واجبات الأهل تجاه بناتهم ما يأتي:
- توفير احتياجاتهنّ الجسديّة والنفسيّة.
- تعليمهن مبادئ الإسلام، واللغة العربية، والقرآن الكريم، والحشمة والحياء.
- تعلميهنّ حقوق الله -تعالى- عليهنّ، وحقوق الرسول الكريم -عليه السلام-، وحسن الخلق، والقدرة على التصرّف.
- تعويد البنت على لبس الحجاب الشرعي.
- إعدادها لتكون أمّاً صالحة حانية مربيّة، وزوجة صالحة قانتة، وينبغي التدرّج في تعليم الفتاة ارتداء الحجاب قبل بلوغها المحيض، وتعويدها عليه، ومدحها إن لبسته، وإبعادها عن مجالس الرجال.
أوصى الإسلام بالبنات والإحسان إليهنّ في التربية، ومن ذلك؛ تعليمهنّ مبادئ الإسلام، وتعويدهنّ على ارتداء اللباس الشرعي، واختيار الأزواج الصالحين لهنّ.
كيفية تربية المراهقين في الإسلام
تربية المراهقين الإيمانية تكون بعدد من الطرق والأفكار، ومنها ما يأتي:
- العفويّة والبساطة أثناء نصح اليافع وتوجيهه، واستخدام الطرق غير المباشرة.
- المزج بين الخطاب العاطفي والخطاب العقلاني، واسمتالة اليافع من خلال الحبّ والتقدير؛ فاليافعون يمتازون بعقول منفتحة، وحيويّة ونشيطة، ويحبّون من يناقشهم ويحاورهم.
- البدء بتعليم اليافع وتعريفه بمرحلة البلوغ وما يصاحبها من تغيّرات، وذلك يجعله مستعدّاً لها.
- تدريب اليافع على التفكّر والنظر والتأمّل.
- توجيه اليافع إلى اللجوء إلى الله -تعالى- في حالات الألم والشدائد، حيث تكون نفسيته في تلك المرحلة ضعيفة هشة، ويحتاج إلى من يدعمه ويوجّهه.
- الدمج بين الجانب النظري والعمليّ في التعليم، ويكون ذلك بتعليم المراهق الأمور الأساسيّة نظرياً، وجعله يطبّق ذلك على أرض الواقع.
- تجديد وتنويع أساليب التربية المتّبعة، حيث لا يشعر اليافع بالملل، وتصل إليه المعاني بطريقة سلسة.
اهتم الإسلام بالمراهقين وتربيتهم وإعدادهم إعداداً يؤهلهم لتقبل هذه المرحلة وتجاوزها؛ ومن ذلك: أن يمزج المربي بين الخطاب العاطفي والعقلاني في تعامله معهم، وأن يدفعهم للتوجه إلى الله تعالى، وأن يجدد وينوّع في أساليب التربية كي لا يمل اليافع.
نصائح للمربي لإعانته في تربية أبنائه
اغتنام الغرائز الفطرية التي زرعها الله في الطفل
اغتنام الغرائز الفطرية التي زرعها الله -تعالى- في الطفل، ومنها إشباع حب الطفل للاستقلاليّة والتجريب والشجاعة، ومنها اللعب؛ وله عدّة أشكال ووسائل، ومنها اللعب الجماعي وألعاب العقل والألعاب الفرديّة أو الدمج بينها، ومنها إشعال حبّ التنافس، وذلك بانخراط الطفال بالألعاب الجماعيّة مع مراعاة القيم والفروق العمريّة، ويحذر المربي أن يكون التنافس سبباً في التشاحن والحسد بين الأطفال، ومن هذه الغرائز كون الطفل كائن اجتماعي، وتغتنم هذه النقطة بجعل الطفل ينخرط في النشاطات الاجتماعيّة؛ كالأكل الجماعي، والزيارات، وصلاة الجماعة ونحوها.
تحرّي البيئة الصالحة التي يختلط بها الأبناء
سواءً في البيت أو الشارع او المدرسة، والأفضل وضع الأولاد في بيئات تعظّم الدين وشعائر الإسلام، وتغرس فيهم قيم الحشمة والحياء، واختيار مجموعة من الرفاق الذين يرافقون الطفل إلى المناطق التربويّة والدينيّة آمنة؛ فيكونون نعم العون له في الطاعة، وإن كان هناك رفيق لا يرتاح له المربّي فلا يجب أن يظهر العداء له، إنّما يحاول أن يبيّن للولد أن سلوك رفيقه سيء وينبغي الابتعاد عنه.
إبعاد الأولاد قدر المستطاع عن الشاشات الرقميّة
إبعاد الأولاد قدر المستطاع عن الشاشات الرقميّة بلا فائدة، وإيجاد بدائل مناسبة ومسلية؛ كالمسابح، والمخيّمات الكشفية، والملاهي، ومن طرق التقليل من جلوس الأبناء أمام الهاتف أو التلفاز أو الحاسوب أن ينظّم المربّي هذا الوقت؛ فيكون محدوداً لا مفتوحاً، كما ويمكن استخدام هذه الوسائل في تقوية جوانب معينة عند الأطفال؛ كالاكتشاف، والتعلّم، والحفظ ونحوها.
يُنصح بأن يتّبع المربي عدداً من الوسائل التي تعين على تربيته لأبنائه تربية صالحة؛ مثل أن يغتنم الغرائز الطبيعية في الطفل والعمل على استثمارها، وأن يتحرّى البيئة الصالحة لابنه في البيت والمدرسة والشارع، وأن يبعده قدر المستطاع عن الشاشات الرقمية.
مكانة الأبناء في الإسلام
تتعدّد مسؤوليات الوالدين في الأسرة، وإحدى هذه المسؤوليّات الرئيسة المنوطة بهم هي تربية الأولاد؛ وهي من الواجبات التي أمر الله -تعالى- بها الوالدين وأمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فيقول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وفي تفسير الإمام الطبري لقوله -تعالى-: (قُوا أَنفُسَكُمْ)؛ أي علّموا من تعرفونه ما يقيه من نار جهنم من طاعةٍ لله -تعالى- ورسوله، وعلّموا أنفسكم أيضاً من الطاعات ما تقون به أنفسكم.
وقال في تفسير قوله -تعالى-: (وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)؛ أي علّموا أهل بيتكم ما يقيهم من نار جهنم من أعمال يطيعون بها الله -تعالى-، وأولى الناس في نصيحة ودعوة المسلم هم أهل بيته، وهم أقرب شيء له وأولاهم ببره، ثم الأبعد فالأبعد، وقد كلّف الله -تعالى- نبيّه أن يبدأ أهل بيته بالدعوة إلى الإسلام فقال -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
وردت في السنّة النبويّة أيضاً نصوص تبيّن إلقاء مسؤوليّة تربية الأولاد ورعايتهم على الوالدين، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ قالَ: - وحَسِبْتُ أنْ قدْ قالَ - والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ)، ومن واجب الأب والأم أن يجتهدوا في تربية أبنائهم على طاعة الله -تعالى- وحب الله ورسوله -عليه السلام- وعلى حبّ الإسلام، والتوق إلى الجنّة، والخوف من النار.
حرص الإسلام على تربية الأبناء حرصاً شديدداً؛ فأوصى الله أن يتقي المؤمنين وأهليهم النار وهذا لا يحصل إلا بتعليمهم الطاعة والعبادة، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ الراعي مسؤول عن رعيته، وهذا من شأنه أن يرفع في نفوس الآباء والأمهات عظم شأن التربية.