كيفية الغسل
ما هي كيفيّة الغُسل؟
يتحقّق غُسل الطهارة بطريقتَين، هما: الغُسل الواجب أو المُجزِئ، والغُسل الكامل، وبيانهما فيما يأتي:
الغُسل الواجب المُجزِئ
ويتحقّق بأن ينوي المُغتسل الطهارة، ثمّ يُعمّم الماء على كامل جسمه، مرّةً واحدةً.
الغُسل الكامل
ويتحقّق بأن ينوي المُغتسِل الغُسل للطهارة، ويغسل يديه ثلاث مرّاتٍ، ويُنظّف فَرْجه، ثمّ يتوضّأ وضوءاً كاملاً، ويغسل رأسه ثلاث مرّات، على أن يحرص على وصول الماء إلى جميع شَعْره؛ وذلك بتخليل الماء بينه.
ثمّ يغسل جسمه مرّةً واحدةً، بحيث يبدأ بغسل شِقّه الأيمن، ثمّ الأيسر، وعلى تدليك جسده، مع عدم الإسراف في الماء.
فرائض الغُسل وسُنَنه
يتحقّق الغُسل بتحقُّق أمرَين؛ فرائضه، وله أيضاً العديد من السُّنَن، بيان ذلك فيما يأتي:
- فرائض الغُسل: وهي على النحو الآتي:
- النيّة، ومَحلّها القلب، وبها تتميّز العبادة عن العادة، ولا يُشرَع التلفُّظ بها.
- تعميم الماء على جميع الجسم.
- سُنن الغُسل: وهي على النحو الآتي:
- غَسل اليدَين ثلاث مرّاتٍ.
- غَسل الفَرْج، وتنظيفه.
- الوضوء قبل الغُسْل وضوءاً كاملاً، ويجوز تأخير غَسْل القدمَين إلى حين الانتهاء من الاغتسال.
- تكرار غَسْل الرأس ثلاث مرّاتٍ، مع تخليل الماء بينه.
- تدليك كامل أعضاء الجسم.
- البدء بالعضو الأيمن، ثمّ الأيسر.
شروط الغُسل
تُشترَط في الغُسل عدّة أمورٍ لا بُدّ من تحقُّقها؛ فإمّا شروط وجوبٍ، أو صحّةٍ، أو وجوبٍ وصحّةٍ، بيانها وتفصيلها فيما يأتي:
- شروط الوجوب: وهي الشروط التي تُوجب الطهارة والغُسل، ولا تجب الطهارة بعدم تحقُّقها، وهي: البلوغ؛ فلا يجب الغُسْل على غير البالغ، إلّا أنّه إن توضّأ صحّ فِعله، كما تجب الطهارة في حقّ مَن وجب عليه فرضٌ، ومن شروط الوجوب أيضاً القدرة على استعمال الماء.
- شروط الصحّة: وهي الشروط التي لا يصحّ الغُسل بعدم تحقُّقها، وهي: طهارة الماء، وتمييز المُكلَّف؛ فلا يصحّ غُسْل غير المُميِّز، وعدم وجود مانعٍ من وصول الماء إلى الجسد، أو أيّ عُضوٍ من أعضائه، وألّا يتحقّق أيّ أمرٍ يُنافي الغُسْل والطهارة، كنَقْضِها أثناء الغُسل.
- شروط الوجوب والصحّة: وهي الشروط التي لا يجب الغُسل إلّا بتحقُّقها، وإن وقع في خلافها فإنّه لا يقع صحيحاً، وهي: العقل؛ فلا يجب الغُسْل على المجنون، أو المعتوه، أو المُصاب بالصَّرَع، وإن توضّأ غير العاقل، فوضوؤه غير صحيحٍ، ومن الشروط أيضاً سلامة المرأة من الحيض والنفاس، وغيرها.
ويجدر بالذكر أنّ هناك شروطاً أخرى تختلف بالغسل عن شروط الوضوء، كالإسلام؛ فلو تزوّج مسلمٌ من امرأة كتابيّة، فلا يجوز له أن يأتيَها ما لم تغتسل بعد انقضاء فترة حيضها أو نفاسها؛ فالغسل مشروعٌ في حقّها على الرغم من كونها غير مسلمة.
ويجدر التنبيه أيضاً إلى أنّ الشافعية والحنابلة فرّقوا بين شروطٍ أخرى في الغسل والوضوء؛ فلم يشترط الحنابلة الاستنجاء -أي إزالة الخارج من السبيلَين بالماء ونحوه- قبل الغسل، واشترطوه للوضوء، ولم يعتبر الشافعية أنّ التمييز شرطٌ للغسل، وقالوا بأنّه شرطٌ من شروط صحّة الوضوء لا الغسل.
مُوجبات الغُسل
يجب الغُسل بعدّة أمورٍ، بيان كلّ واحدٍ منها فيما يأتي:
خروج المني
أجمع العلماء على أنّ خروج المني مُوجبٌ من مُوجبات الغُسل؛ سواءً خرج من الرجل أو المرأة، في النوم أو الاستيقاظ.
ويُعرَّف المني بأنّه: ماءٌ غليظٌ يخرج دَفْقاً -ويُعرَف عند المرأة بأنّه أصفر رقيقٌ-؛ بسبب شهوةٍ، أو بسبب النَّظَر، أو التفكير بالجِماع، أو بالجِماع المباشر، أمّا المَذي والودي، فلا يُوجِبان الغُسل، والمذي هو: الماء الرقيق المائل إلى اللون الأبيض الخارج بسبب المداعبة.
أمّا الودي فهو: الماء الغليظ الخارج عقب البول، وقد ورد دليل الغُسل بسبب خروج المني في الكتاب، والسنّة النبويّة، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، والدليل من السنّة ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما المَاءُ مِنَ المَاءِ)
أي أنّ الغُسْل بالماء واجبٌ بسبب الماء؛ أي المني، وهناك مسائل فرعية متعلقة بالغسل بسبب خروج المني، ولأهل العلم فيها تفصيل، وبيانها فيما يأتي:
- مسألة وجوب الغُسل بسبب خروج المني دون شهوةٍ؛ حيث ذهب الحنفية، والمالكيّة، والحنابلة إلى القول بعدم وجوبه، أمّا الشافعيّ فقد قال بوجوب الغُسل بخروج المني مُطلَقاً؛ سواءً بشهوةٍ، أم بدونها، كأن يخرج بسبب المرض، أو البرد.
- مسألة وجوب الغُسل في حال عدم خروج المني مع انتقاله وتحرّكه داخل الجسم؛ حيث ذهب الحنابلة بوجوبه؛ لأنّ المني بَعُدَ من مكانه فأصبح جُنباً، أمّا الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة فقد قالوا بعدم وجوبه، وهو ما ذهب إليه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية.
- يجب الغُسل بسبب الاحتلام أثناء النوم مع خروج المني، أو بخروجه فقط دون تذكُّر الاحتلام، ولا يجب بالاحتلام دون خروج المني.
ودليل ما سبق ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا رَأَتِ المَاءَ فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وجْهَهَا، وقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا ولَدُهَا).
- يجب الغُسل برؤية بللٍ، والتأكُّد من أنّه منيٌ؛ سواءً تمّ تذكُّر الاحتلام، أم لا، ولا يجب الغُسل في حال التأكُّد من أنّ البلل ليس بمنيٍ، إلّا أنّه لا بُدّ من تطهير مَحلّه، وإن وقع جهلٌ في تحديد البَلل؛ فإمّا أن يغتسل احتياطاً وجوباً، أو لا يغتسل؛ لأنّ الأصل الطهارة.
- يجب الغُسل إن خرج المني بشهوة بعد غُسلٍ ما، أمّا إن خرج دون شهوةٍ، فلا يجب الغُسل بسببه، إلّا أنّه يجب تطهير المَحلّ، والوضوء.
التقاء الختانَين
إذ يجب الغُسل بالتقاء الختانَين، ووقوع الدخول؛ سواءً رافق ذلك إنزالٌ، أم لا، استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَها، فقَدْ وجَبَ عليه الغُسْلُ. وفي حَديثِ مَطَرٍ: وإنْ لَمْ يُنْزِلْ. قالَ زُهَيْرٌ: مِن بَيْنِهِمْ بيْنَ أشْعُبِها الأرْبَعِ. وفي رواية: ثُمَّ اجْتَهَدَ ولَمْ يَقُلْ: وإنْ لَمْ يُنْزِلْ).
وتجدر الإشارة إلى أنّ للعلماء ثلاثة أقوالٍ في مسألة التقاء الختانَين بوجود حائلٍ، إذ رُوِيت في ذلك ثلاثة أقوالٍ؛ الأوّل: عدم وجوب الغُسل؛ بسبب التقاء الختانَين بوجود حائلٍ، والثاني: وجوب الغُسل مع وجود حائلٍ، والثالث: وجوب الغُسل إن كان الحائل رقيقاً، وعدم وجوبه إن كان غليظاً، وقِيل بوجوب الغسل احتياطاً.
الحيض والنفاس
يجب الغُسل بانتهاء الحيض، أو انتهاء النفاس كما ثبت في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع العلماء؛ فمن القرآن الكريم قول الله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
ومن السنّة النبويّة ما أخرجه الإمام البخاريّ من قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي)، وقد أجمع العلماء على وجوب الغُسل من الحيض والنفاس.
الموت
إذ يجب على المسلمين غُسل مَن مات منهم؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ).
أمّا الجنين الميّت، فيُنظَر في عُمره؛ فإن نُفِخت رُوحه، فيُغسَّل، ويُكفَّن، ويُصلّى عليه، أمّا الشهيد في المعركة فلا يُغسَّل بإجماع العلماء؛ استدلالاً بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في شهداء غزوة أُحد: (ادْفِنُوهُمْ في دِمَائِهِمْ).
مكروهات الغُسل
تُكرَه في الغُسل عدّة أمورٍ، ويُعرَّف المكروه بأنّه: ما ورد النّهي في الشرع عنه إلّا أنّ النهي غير جازمٍ؛ بحيث يُثاب تاركه إن تركه بنيّة الامتثال لأوامر الله، ولا يُعاقَب تاركه، وفيما يأتي استعراض لخلاصة آراء المذاهب الفقهية الأربعة في مكروهات الغُسل:
مكروهات الغُسل عند الشافعيّة
قالوا بكراهة كلٍّ من الإسراف والتبذير في استعمال الماء، واستعمال الماء الراكد في الغُسل؛ لِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا يَغْتَسِلْ أحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ وهو جُنُبٌ. فَقالَ: كيفَ يَفْعَلُ يا أبا هُرَيْرَةَ؟ قالَ: يَتَناوَلُهُ تَناوُلًا).
ويُكرَه أيضاً الأكل، والشُّرب، والنوم، والجِماع قبل غسل الفرج والوضوء إن وجبت الطهارة؛ بسبب الجنابة، أو الحيض، أو النفاس، والزيادة على ثلاث مرّاتٍ، وعدم المضمضة أو الاستنشاق.
مكروهات الغُسل عند الحنفيّة
قالوا بأنّ مكروهات الغُسل هي مكروهات الوضوء ذاتها، وتتمثّل بالإسراف والتبذير في الماء؛ لِقول الله -سبحانه-: (وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ).
بالإضافة إلى كراهة التقتير في استعمال الماء، وعدم استخدام الكمّية الكافية منه في تحقيق الطهارة، وضَرب الوجه ضرباً حين غسله، والتّحدّث أو الاستعانة بأحد دون حاجةٍ أو عذرٍ، والدعاء أثناءه.
مكروهات الغُسل عند المالكيّة
قالوا بكراهة خمسة أمورٍ في الغُسل، وهي: الإسراف في استعمال الماء؛ لِما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغْسِلُ، أوْ كانَ يَغْتَسِلُ، بالصَّاعِ إلى خَمْسَةِ أمْدَادٍ، ويَتَوَضَّأُ بالمُدِّ)، وصَبّه دون حاجةٍ إليه، والبدء بأعمال الغُسل الأخيرة، وتكرار مرّات الغسل دون حاجةٍ، والتحدُّث بغير ذِكر الله، والاغتسال في مكانٍ مكشوفٍ، أو في الخلاء.
مكروهات الغُسل عند الحنابلة
قالوا بكراهة الإسراف في الماء ولو كان المُغتسل على نهرٍ، وإعادة الوضوء بعد الغُسل إن تمّ قبله، إلّا إن انتقض الوضوء، وتُكرَه أيضاً عند الحنابلة إعادة الوطء دون الوضوء، دون كراهة الغُسل.
إلّا أنّ الغسل عند إرادة الوطء مرّةً أخرى أفضل؛ لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ).
مشروعيّة الغُسل
ثبتت مشروعيّة الغُسل في الكتاب، والسنّة، والإجماع، بيان ذلك فيما يأتي:
- القرآن الكريم: قال الله -سبحانه- :(إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وقال -سبحانه-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وقال أيضاً: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).
- السنّة النبويّة: وردت عدّة أحاديث تدلّ على مشروعيّة الغُسْل، منها قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (حَقٌّ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فيه رَأْسَهُ وجَسَدَهُ).
- الإجماع: أجمع العلماء على استحباب الغُسل للنظافة، ووجوبه للعبادة والتقرُّب من الله.
الحِكمة من مشروعيّة الغُسل
تكمُن الحِكمة من مشروعيّة الغُسل في العديد من الأمور، يُذكَر منها: نَيل الأجر والثواب من الله -سبحانه-، إذ إنّ الطهارة عبادةٌ، كما أنّ في التطهُّر امتثالاً لأوامر الله -عزّ وجلّ-، ويُحقّق الغُسل النظافة التي يجدر بالمسلم التحلّي بها، بالإضافة إلى التطيُّب، وتجنُّب الروائح الكريهة، وعدم إلحاق أيّ أذىً بغيره جرّاء ذلك.