كيفية التوبة من الاستهزاء بالآخرين
الندم
لقد شرع الله التوبة لعباده من جميع الذنوب والآثام كما قال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، وإنّ حقيقة التوبة النصوح تتحقق في أن يعلم المسلم عِظَمِ ذنبه، ويندم ندمًا قلبيًّا على كل ما فعله في الماضي من الذنوب والآثام، ولا يُصرّ على ذنبه ولا يرضى به، كما قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (النَّدمُ توبةٌ).
ويجب عليه أنْ يحزن ويستشعر قبح الذنب الذي فعله مع الآخرين من احتقار واستهزاء وغيبة وغيره، ولا يفرح ولا يشعر باللذّة إذا تذكّرها، ومن المهم عند التوبة والندم أنْ يكون لله -تعالى- ولا يقصد سمعةً أو رياءً ولا خوفا من أحد.
الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة
إنّ من أهم شروط التوبة الصادقة هي أنْ يُقلع المسلم عن ذنبه ويتركه، ولا تتحقّق التوبة إلّا بالترك، والترك لا يكون إلّا بعد معرفة الذنب ومعرفة كل ما يخالف أمر الله -تعالى- من فعل أو قول أو ترك.
ولا بدّ أنْ يعلم أنّ الاستهزاء بالآخرين واحتقارهم والإساءة إليهم من الذنوب الشنيعة التي نهى الله -تعالى- عنها في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .
وعندما يُقلع عن هذا الذنب في الوقت الحاضر يجب عليه أنْ يعزم ويعقد النيّة الصادقة والمُخلصة لله -تعالى- بأنْ لا يعود إليها أبدا في المستقبل كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وأنْ يحفظ لسانه من الغيبة والنميمة ومن الخوض في أعراض النّاس، وأن يبتعد عن أصدقاء السوء.
وأنْ يتذكّر أنّ إيذاء الآخرين هو مخالفة لأمر الله ويستحق صاحبه الإثم كما في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) .
التحلل من المظالم
إنّ التوبة من الذنوب المتعلّقة بحقوق الله يكفي فيها التّرك، وقد تكون في بعض الأمور القضاء و الكفّارة ، أمّا بالنسبة إلى حقوق العباد فلا تصحّ ولا تكتمل إلا بعد استيفاء حقوقهم إليهم سواء كانَ مالا أو غيره، وتعويضهم عن ما فُعِلَ بهم من سوءٍ وإيذاء؛ لأنّه إنْ لم يتم العَوَض في الدنيا فسيتم العوض في الآخرة.
كما قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه).
وإنْ كانت المظالم في الأعراض من غيبة ونميمة واستهزاء، وحتى لا يكون التائب مُفلسًا في الآخرة إذا استوفى المظلومون حقوقهم منه، ينبغي أنْ يفعل ما يأتي:
- الاعتذار من كل من أساء إليهم سواء بالقول أو الفعل وطلب العفو والسماح منهم، والإحسان إليهم، فإنْ عفا المظلوم عنه فقد سقط الذنب عنه وتمّت التوبة.
- الإكثار من الاستغفار والذكر.
- القيام بالأعمال الصالحة والتزوّد للآخرة، وإتباع السيئة الحسنة حتى تمحُها، قال -تعالى-: (إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ) .
- الابتعاد عن الصحبة السيئة التي تسحب المسلم إلى فعل المنكرات، وإحاطة النفس بالصحبة الصالحة.