كيفية استقبال شهر رمضان
كيفيّة استقبال شهر رمضان
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستقبل شهر رمضان بصورةٍ خاصّةٍ؛ فلم يكن استقباله كاستقبال سائر الشهور، بل كانت له مكانةٌ خاصّةٌ عند النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعند الصحابة -رضي الله عنهم-، وكان -صلّى الله عليه وسلّم- يُبشّرهم بقدومه؛ فقد رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يقول: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)، وممّا يدلّ على عِظَم مكانة شهر رمضان المبارك في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم كانوا يدعون الله -سبحانه وتعالى- ستّة أشهرٍ أن يُبلّغهم رمضان، ويدعونه ستّة أشهرٍ أخرى أن يتقّبل أعمالهم فيه، وقد كان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدّون لاستقبال شهر رمضان بالدعاء، والتضرُّع إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا سيّما أنّ شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، وهو شهر القرآن الكريم ، وفَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين، ومن فضائل شهر رمضان العظيم أنّه شهر الصيام، والتهجُّد، والجهاد، والصبر، والدعاء؛ ولذلك ينبغي لكلّ مسلمٍ الاستعداد لاستقبال الشهر المبارك، واستغلاله بالطاعات، والعبادات، ويُمكن بيان بعض الأعمال التي يُستقبَل بها شهر رمضان المبارك، وذلك على النحو الآتي:
- الفرح والسرور بقدوم شهر رمضان المبارك: وذلك لأنّ العبد الصالح يستقبل مواسم الخير والطاعات بالفرح والاستبشار؛ قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هـذِهِ إيمانًا فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَزادَتهُم إيمانًا وَهُم يَستَبشِرونَ)، وشهر رمضان المبارك يُعَدّ من الأزمنة المباركة التي يعود فيها العباد إلى ربّهم، ويتوب العُصاة من ذنوبهم، ويُقبل العباد على المساجد التي تمتلئ بالمُصلّين في الأوقات جميعها؛ فتفرح القلوب المؤمنة، وتستبشر الأرواح الطاهرة بالقُرْب من ربّها -عزّ وجلّ-.
- استقبال شهر رمضان بالحَمْد والشُّكر لله -سبحانه وتعالى-: إذ إنّ بلوغ شهر رمضان المبارك، وصيامه من أعظم النِّعم التي مَنّ بها الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ ولذلك ينبغي للعبد الإكثار من حَمْد الله، وشُكره، وممّا يدلّ على فَضْل صيام رمضان ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (كان رجلانِ من بَلِيٍّ حَيٍّ من قُضاعةَ أسلَما مع النبيِّ صلَى اللهُ عَليهِ وسلمَ، واستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخَرُ سَنَةً، قال طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: فأُريتُ الجَنَّةَ، فرأيْتُ المؤخَّرَ منهما، أُدخل قبل الشهيدِ، فتعجبتُ لذلك، فأصبحْتُ، فذكرْتُ ذلكَ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أو ذُكر ذلِك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى ستةَ آلافِ ركعةٍ، أو كذا وكذا ركعةً صلاةَ السَّنَةِ).
- إخلاص النيّة لله -سبحانه وتعالى-: فلا بُدّ من استقبال شهر رمضان بتجديد النيّة ، وعَقْد العزم على استغلال الأوقات المُباركة؛ وذلك بالتزام الطاعات، واجتناب المعاصي والسيّئات، وتطهير القلوب، والتوبة الصادقة، لا سيّما أنّ الله -سبحانه وتعالى- يجزي العبد على نيّته؛ إذ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).
- الاستعداد المُسبَق لقدوم شهر رمضان: وذلك من خلال تربية النفس، وتعويدها على الطاعات، كقيام الليل ، والصيام، وتلاوة القرآن الكريم؛ حتى يتمّ الاستعداد النفسيّ لأداء الطاعات في رمضان من غير كُلفةٍ، أو مَشقّةٍ؛ فقد ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يصوم أغلب شهر شعبان؛ استعداداً لاستقبال رمضان، فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا).
- التوبة الصادقة: على الرغم من وجوب التوبة في كلّ وقتٍ وحينٍ، ومن أيّ ذنبٍ قد يقترفه العبد، إلّا أنّها تُعَدّ في شهر رمضان المبارك أوجب؛ إذ إنّه موسمٌ من مواسم الخير والطاعات، وفي الحقيقة فإنّ المعاصي والذنوب تُعَدّ سبباً لعدم التوفيق إلى الطاعات والعبادات، وقد يُحرَم المرء بسببها لَذّة القُرب من الله، والالتزام بأوامره، فقد كان يُقال للحسن: "لا نستطيع قيام الليل"، فيقول: "قيّدتك خطاياك"، وكان بعض السَّلف يقولون: "حُرمت قيام الليل سنةً؛ بذنبٍ عملته"، وقال الفضيل بن عيّاض -رحمه الله-: "إذا كنت لا تستطيع قيام الليل، وصيام النهار؛ فاعلم أنّك محبوسٌ، قد قيّدتك ذنوبك"، ولذلك ينبغي استقبال شهر رمضان المبارك؛ بتجديد التوبة، ومراعاة شروطها، وهي: الندم، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وإعادة الحقوق إلى أهلها، بالإضافة إلى كثرة الاستغفار ، وسؤال الله -سبحانه وتعالى- القبول.
- معرفة قيمة الوقت: إذ إنّ الكثير من الأوقات الثمينة تضيع بسبب الجهل بقيمتها؛ ولذلك لا بدّ للمسلم من اغتنام كلّ دقيقةٍ في الأعمال الصالحة، والقُربات، قال ابن الجوزيّ -رحمه الله-: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته؛ فلا يضيّع فيه لحظةً في غير قُربةٍ"، وتجدر الإشارة إلى أنّ شهر رمضان المبارك من أثمن اللحظات، فقد قَال الله -سبحانه وتعالى- واصفاً شهر رمضان: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)، وفي الآية إشارةٌ إلى أنّ موسم رمضان العظيم أيّامه قليلةٌ سريعة الذهاب، فلا بُدّ من الاستعداد لاغتنامها؛ حتى لا يقع الندم على تضييعها بعد فوات الأوان.
- التقليل من الطعام: إذ إنّ الإفراط في تناول الطعام يُؤدّي إلى التكاسل في أداء الطاعات، وعدم الخشوع عند الوقوف بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، كما أنّ تقليل الطعام من مقاصد الصيام، وممّا يدلّ على أنّ الإفراط في الأكل مذمومٌ، ما رُوِي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال لرجلٍ تجشّأ عنده: (كُفَّ جشاءَكَ عنَّا فإنَّ أطولَكم جوعًا يومَ القيامةِ أَكثرُكم شبعًا في دارِ الدُّنيا)، وكان سلمة بن سعيد -رحمه الله- يقول: "إن كان الرجل ليُعيّر بالبطن، كما يُعيّر بالذنب يعمله".
- تعلُّم أحكام الصيام: فقد ذهب أهل العلم إلى وجوب تعلُّم أحكام الصيام على كلّ مَن وجب عليه الصيام؛ إذ إنّ الجهل بأحكام الصيام، وآدابه، وشروطه من الأسباب التي قد تحرم المسلم من الأجر والثواب، ولَرُبّما صام من لديه عُذرٌ شرعيٌّ يُوجب إفطاره، ولرُبَّما صام العبد ولم يَنل من صيامه إلّا الجوع والعطش؛ لجَهله بأحكام الصيام.
رمضان فرصةٌ للتغيير
مَنّ الله -سبحانه وتعالى- على عباده الصالحين بأزمنةٍ مباركةٍ تتضاعف فيها الأُجور، وتنتشر فيها الأجواء الإيمانيّة، وتسمو فيها الأرواح، ومن تلك الأزمنة شهر رمضان المبارك الذي يُعدّ فُرصةً لا تُعوّض للتوبة، والإقلاع عن الذنوب، وتجديد الإيمان في القلوب، وينبغي للمسلم الاستعداد النفسيّ لاستقبال رمضان؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: "اللهمّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغّنا رمضان"، حتى إذا دخل شهر رمضان المبارك، استقبلوه بقلبٍ حيٍّ، ونفسٍ مُشرقةٍ، وتجديد العهد مع الله -سبحانه وتعالى-؛ بالمحافظة على الطاعات، واجتناب المُنكَرات، وقد رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (رغِمَ أنفُ رجلٍ ذكرتُ عنده، فلم يُصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ، ثم انسلخ قبل أن يُغفَرَ له، ورغِمَ أنفُ رجلٍ أدرك عنده أبواه الكِبَرَ، فلم يُدخِلاه الجنَّةَ)، فلا بُدّ من استغلال تلك الفُرصة العظيمة التي منحها الله -سبحانه وتعالى- للذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب؛ ليتوبوا، ويستغفروا ربّهم قبل أن يأتيَهم الموت، فيندموا على تفريطهم وتضييعهم لأمر الله -سبحانه وتعالى-، قال الله -عزّ وجلّ-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ).
الاستعداد لرمضان في رجب وشعبان
الاستعداد لرمضان في رجب
لم يكن استعداد السَّلَف الصالح -رحمهم الله- لاستقبال شهر رمضان المبارك في شهر شعبان فحسب، بل كانوا يستعدّون لشهر رمضان في شهر رجب أيضاً، وكان بعضهم يقول: "رجب شهر الغَرْس، وشعبان شهر السَّقي، ورمضان شهر جَنْي الثمار، فإذا أردت جَنْي الثمار في رمضان؛ فلا بدّ من الغَرْس في رجب، وسَقْي ذلك الغرس في شعبان"، وقد شبه السَّرِيُّ السَّقْطِي -رحمه الله- العام بالشجرة، والشهور بالفروع، والأيّام بالأغصان، والساعات بالأوراق، وأنفاس العبد بالثمار، وبيّن أنّ شهر رجب أيّام توريقها، وشعبان أيّام تفريعها، ورمضان أيّام قَطفها؛ ولذلك ينبغي الاستعداد بغَرْس الأعمال الصالحة في رجب، والاستمرار والمواظبة عليها في شهر شعبان؛ لقَطْف الثمار، والشعور بلَذّة العبادة في رمضان.
الاستعداد لرمضان في شعبان
يُعَدّ شهر شعبان من مواسم الخير والطاعات التي مَنّ الله -سبحانه وتعالى- بها على عباده المؤمنين، لا سيّما أنّ شهر شعبان يسبق شهر رمضان المبارك؛ ولذلك ينبغي الاستعداد لاستقبال شهر رمضان في شعبان، كما أنّ شهر شعبان بابٌ للوفاء بعهود المؤمنين مع الله؛ من صلاةٍ، وذِكرٍ، وطاعاتٍ، وفيما يأتي بيان بعض الأعمال التي يُمكن أداؤها في شهر شعبان:
- صيام شعبان: فحَريٌّ بالمؤمنين أن يقتدوا برسولهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلّم- في صيام شهر شعبان؛ إذ كان -عليه الصلاة والسلام- يصوم شعبان كلّه، فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ يصومُ حتَّى نَقولَ: قد صامَ. ويفطرُ حتَّى نقولَ قد أفطرَ، ولم يَكُن يصومُ شَهْرًا، أَكْثرَ من شعبانَ كانَ يصومُ شعبانَ إلَّا قليلًا، كانَ يصومُ شعبانَ كُلَّهُ)، والجدير بالبيان أنّ الشيطان قد يُوسوس للعبد بأنّ صوم شعبان سيُضعف هِمّته لصيام رمضان، والصحيح أنّ من صام شعبان؛ احتساباً للأجر من الله -سبحانه وتعالى-؛ ليغفرَ ذنبه، فإنّ الله يُعينه على صيام الشهرَين؛ فإذا فتح الله للعبد باب الطاعة، هيّأ الأسباب لها، وإذا فتح باب المغفرة، هيّأ الأسباب لها، والأصل أن يَهُمّ المسلم بالطاعة دون التفكير في العواقب؛ فالعاقبة بِيَد الله -سبحانه وتعالى-، وهي بالتأكيد محمودةٌ.
- تعمير أوقات الغفلة بالطاعة: فقد يغفل الكثير من المسلمين عن الطاعات في شهر شعبان، وقد حذّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المؤمنين من ذلك؛ فمن يريد الآخرة، فإنّه لا يهتمّ لغفلة الناس، ولا يكون مثلهم، فله شأنه، ولهم شأنهم، فيُقبل على الله -سبحانه وتعالى-، ويهتدي بهداه، ويتقرّب إليه؛ بالذِّكر، والطاعات، والدعاء ، والتضرُّع، والانكسار له، ومن فوائد تعمير أوقات الغفلة بالطاعة:
- نَيل مَحبّة الله -عزّ وجلّ-، لا سيّما أنّ الله يحبّ عباده الذين يذكرونه حينما يغفل الآخرون عن ذِكره.
- دَفع البلاء؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).
- مضاعفة الأُجور؛ فالطاعة وقت غفلة الناس أصعب وأشقّ ممّا هي عليه عند تذكُّرهم؛ ولذلك فإنّ الأجور تكون مُضاعفةٌ في تلك الأوقات.
- مجاهدة النفس على الطاعات: ينبغي لكلّ من ابتُلِي بقسوة القلب، والغفلة عن طاعة الله -عزّ وجلّ-، وقدَّم الشهوات على أوامره -سبحانه-، أن يُجاهد نفسه على الطاعات؛ فتلك سبيل الاستقامة على الحقّ والهدى، وحَريّ بالعبد استذكار أنّ الله -سبحانه وتعالى- يتقرّب من عباده الذين يتقرّبون منه، وإذا أقبل الله -سبحانه وتعالى- على عبده، وفَّقَه، وحَفِظه، وسدّد خُطاه، وأعطاه الخير الكثير، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).
- أداء أفضل الأعمال لرَفعها إلى ربّ العالَمين: ينبغي للعبد اغتنام شهر شعبان بأداء أفضل الأعمال ؛ إذ إنّ الأعمال تُعرَض على الله -سبحانه وتعالى- في شهر شعبان؛ فقد رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال عن شعبان: (ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).
- الإخلاص: فأيّام الغفلة هي من أكثر الأيّام التي يُقوّي العبد فيها إخلاصه لله -سبحانه وتعالى-؛ فلا يُنافي باطنُه ما يبدو على ظاهره، فتتربّى النفس على الطاعة؛ ابتغاء نَيْل مرضاة الله -سبحانه وتعالى-، والإخلاص في العبادات في شعبان، فيُدرك العبد حاله، ويُصحّح من أعماله قبل دخول رمضان؛ حتى لا يخرج من رمضان كما دخله.
- نَيْل مغفرة الله في ليلة النصف من شعبان: فإنّ من أوجه الاستعداد الصحيح لرمضان نَيْل مغفرة الله -سبحانه-، وقد استحبّ عددٌ من العلماء إحياء ليلة النّصف من شعبان؛ طمعاً في نَيْل تلك المغفرة، وبذلك تظهر آثار المغفرة في ما تبقّى من شعبان، فيحلّ شهر رمضان والعبد مغفورٌ له، مُقبلٌ على الله -سبحانه- بما يُرضيه.
- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم: فينبغي الإكثار في شهر شعبان من قراءة القرآن الكريم، وتدبُّر آياته؛ وذلك استعداداً لاستقبال شهر رمضان؛ شهر القرآن الكريم، قال الله -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، ومَن داوم على تلاوة القرآن الكريم في شعبان، وجد حلاوة تلاوته في رمضان.
- التهجُّد وطول القيام: فالأصل أن يعتاد المسلم على طول القيام والتهجُّد في شعبان؛ حتى لا يمضي رمضان وهو لم يَعتد على ذلك بعد، والجدير بالذكر أنّ قيام الليل من أفضل الطاعات عند الله -سبحانه وتعالى-، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ ، فإنِ استطعتَ أن تكونَ ممَّن يذكرُ اللهَ في تلكَ الساعةِ فكنْ).
حال السَّلَف في الاستعداد لرمضان
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المثل الأعلى للسَّلَف الصالح في كافّة جوانب الحياة؛ في المعاملات، والعبادات، والصلاة ، والصيام، وغيرها من صالح الأعمال، وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يستعدّ لشهر رمضان المبارك بالأعمال الصالحة، ومنها الصيام؛ فقد ثبت أنّه كان يصوم شهر شعبان؛ استعداداً لقدوم شهر رمضان؛ رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا)، وقد وضّح ابن رجب -رحمه الله- في كتابه (لطائف المعارف) أنّ صيام شعبان يُعَدّ تمريناً على الصيام في رمضان؛ وذلك حتى لا يشعر الصائم بالتعب والمَشقّة أثناء صيامه رمضان، بالإضافة إلى أنّ الصائم يجد حلاوة الصيام في شعبان، فيبدأ صيام رمضان بنشاطٍ وقوةٍ، ومن صور استعداد السلف الصالح -رحمهم الله- لاستقبال رمضان أنّهم كانوا يقضون ما عليهم من صيامٍ قبل دخول رمضان؛ فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا في شَعْبَانَ)، وثبت أيضاً أنّهم كانوا يستعدّون لاستقبال شهر رمضان المبارك بالدعاء، كما قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "كان من دعائهم: اللهمّ سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلّمه مِني متقبّلاً".
وكان السَّلَف الصالح يفرحون لقدوم شهر رمضان المبارك فرحاً شديداً؛ وذلك لأنّ صيامه رُكنٌ من أركان الإسلام ؛ إذ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)، ومن أحوال السلف الصالح -رحمهم الله- في رمضان: أنّهم كانوا يُعوّدون أنفسهم خلاله على صيام النافلة فيما بعد؛ وذلك لأنّ الصيام سبب لاجتناب عذاب جهنّم؛ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)، وكانوا يُدرّبون أنفسهم على قيام الليل، قال سعيد بن المُسيِّب: "إنّ الرجل ليصلّي بالليل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبّه عليه كلّ مسلمٍ، فيراه من لم يره قطّ، فيقول: إنّي لأحبُّ هذا الرجل"، ومن هديهم في رمضان الإكثار من تلاوة القرآن الكريم؛ فقد رُوِي أنّ محمّداً بن إسماعيل البخاريّ -رحمه الله- كان يختم القرآن الكريم في رمضان كلّ يومٍ، وكان سفيان الثوريّ يترك الأعمال كلّها في رمضان، ويُقبِل على تلاوة القرآن الكريم.