كيف يكون الرضا بالله رباً
كيف يكون الرضا بالله ربا
يتحقَّق رضا العبد بالله -تعالى- ربَّاً بتوحيده، والابتعاد عن التَّوجُّه إلى غيره وسؤال مَن سواه، والالتجاء إليه وعبادته وحده لا شريك له، حيث قال -تعالى-: (قُل أَغَيرَ اللَّـهِ أَبغي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ)، وكذلك بالاحتكام إليه عند الخلاف، من خلال الرُّجوع إلى القرآن الكريم الذي جعله مبيِّناً مفصِّلاً موضِّحاً، والرِّضا بهذا الحكم، والعمل به عن قناعةٍ تامَّةٍ، والاكتفاء به عن غيره، والسَّير على هدي الإسلام وفق منهاجه، واتّباع ما أخبر به رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- وتلقّي أقدار الله بالرضى في جميع الأحوال النِّعمة منها والنِّقمة، ولا يكون هذا الرِّضا إلَّا للمؤمن.
ويكون الرضا بالله ربّاً من خلال الإيمان الجازم بالله -تعالى- والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، والإقرار والتَّسليم بربوبيته وألوهيته، والتَّوكل عليه حقَّ التَّوكل، والخوف منه ورجائه، والصَّبر على طاعته، والبعد عن معصيته، والشُّكر على نعمه، والرِّضا بقضائه وقدره الذي يعدُّ أصلاً من أصول الرِّضا به ربَّاً، ويشمل الإقرار بأنَّ الله هو ربُّ العالمين جميعا الاعتراف بأنَّه مالك هذا الكون، المتصرِّف فيه، المدبِّر لأمره، المنعم على مخلوقاته بما يصلح أحوالهم في كلِّ زمان ومكان.
أهميَّة الرِّضا بالله
يستشعر الراضي بالله ربَّا بطعم الإيمان وحلاوته في قلبه، فيطمئن قلبه وتسكن روحه، وتعمل جوارحه نتيجةً لذلك، فيُقبل على طاعة مولاه والقيام بما أمره به، ومتى سكن القلب فقد تفرَّغ العبد للعبادة مقبلاً على خالقه فرحاً به، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا).
والرّضا بالله يستدعي قبول الله -تعالى- لأعمال الإنسان، ذلك أنَّ رضاه هذا قائمٌ على توحيد الله -تعالى- الذي يعدُّ باب قبول الأعمال ، والرّضا بالله ربّاً فرضٌ من الفروض الواجبة، وعليه يقوم الإسلام، فيوحِّد العبد خالقه وينفي عنه كلّ شريكٍ، ويجعل الله -تعالى- أحبَّ الأشياء وأولاها بالتَّعظيم والطَّاعة في قلبه، وتأتي تبعاً لذلك محبَّةً مَن سواه من محبَّته، فهو المحبوب الأوَّل والمُطاع الأوَّل، فإن فعل ذلك كان موحِّداً لله راضياً به ربَّاً.
ذكر "رضيت الله ربا" وفضله
صحّ عن سعيد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ)، فالحديث يدلُّ على قول الدُّعاء عند سماع المسلم للشَّهادتين في الأذان، ويمكن أن يقوله بعد الانتهاء من الأذان كي يكسب التَّرديد بعد المؤذن، وفي هذا الذّكر إقرارٌ بوحدانيَّة الله -تعالى-، والإيمان بأنَّه مالك هذا الكون المتصرِّف فيه، وكذلك الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشرِّه، والقيام بأركان الإسلام التي فرضها على عباده حقّ َالقيام.
ويشمل الذّكر أيضاً الرّضا بالرَّسول رسولاً وبالإسلام ديناً، رضاً وخضوعاً واستسلاماً، وعدم ابتغاء غير طريق الإسلام طريقاً يسير فيه المسلم اتِّباعاً لنهج النبيِّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فمن أقرَّ بذلك فقد وعده الله -تعالى- بمغفرة صغائر ذنوبه جميعها. وقد وعد الله -تعالى- من يرضى به ربَّاً بأن يرضيه يوم القيامة بالثَّواب الجزيل الذي سيمنحه إياه، وذلك من فضل الله -تعالى- وكرمه.