كيف يقع الطلاق شرعاً
كيف يقع الطلاق شرعاً
يقع الطلاق عن طريق اللّفظ بطريقتين، وهُما الصّريح، والكِنائيّ، وفيما يأتي بيانهما:
وقوع الطلاق باللّفظ
وقوع الطلاق باللّفظ الصّريح
يُعرف اللّفظ الصّريح بأنّه الكلام الذي يُفهم منه الطلاق عندما يتلفّظ به الرّجل، ولا يحتمل معنى غير الطلاق، وذلك كقول الرّجل لزوجته: أنتِ طالق، أو طلّقتُك، وقد استُعمل هذا اللّفظ في القرآن في العديد من الآيات الكريمة، كقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، وكقولهِ -تعالى-: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وللفقهاء أقوالٌ عديدة فيما يُعَدّ من صيغ وألفاظ الطّلاق الصّريحة، وفيما يأتي بيان هذه الصّيغ:
- الشّافعيّة والظّاهرية: يرون أنّ الطلاق الصريح يكون بثلاثة ألفاظٍ فقط، وهي: الطّلاق، والفراق، والسّراح، وذلك لورود هذه الألفاظ الثلاثة في القُرآن الكريم بمعنى الطلاق، كقولهِ -تعالى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، وقولهِ -تعالى-: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
- الحنفيّة: يرون أنّ الطلاق الصّريح يكون بلفظ الطلاق والألفاظ المُشتقّة منه، مثل: طلّقتك، وعليّ الطلاق ، وكذلك كقول الرّجل لزوجته: أنت عليّ حرام، أو حرّمتك، أو محرّمة؛ وذلك لأنّها من الألفاظ المُتعارف عليها في الطّلاق، وإن كانت هي في الأصل من ألفاظ الكناية.
- الحنابلة: يكون الطلاق الصّريح بلفظ الطلاق ومُشتقّاته فقط.
- المالكيّة: يقع الطلاق الصّريح بلفظ الطلاق، وكذلك بألفاظ الكناية الظّاهرة، وهي الألفاظ التي جرى في العادة أو في الشرع أو في اللُّغة إطلاقها على الطلاق، كالتّسريح؛ لأنّ إطلاقها بعد الطلاق يكون بمعنى الإرسال، كما قال بذلك أغلبُ أهل العلم، وكذلك كلمة الفراق، وأيضاً قول الرّجل لزوجته: أنت بائن، أو بتة، أو بتلة، وما أشبه ذلك.
شروط وقوع الطلاق باللّفظ الصريح
يُشترط لِوقوع الطلاق الصّريح عدّة شُروط، وفيما يأتي بيانها:
- استعمال لفظٍ يُفيد معنى الطّلاق، سواءً كان ذلك في الاستعمال العُرفيّ أو اللُّغوي، أو بالكتابة، أو عن طريق الإشارة المُفهمة.
- استعمال لفظ الطلاق من قِبَل شخصٍ فاهمٍ لمعنى الطلاق، ولو كان ذلك اللّفظ بلغةٍ أجنبيّة، أمّا إذا لُقِّن الرّجل صيغة الطلاق بلغةٍ لا يعرفها فتلفّظ بها وهو لا يدري معناها، فلا يقع عليه شيءٌ حينها.
- إضافة الطلاق إلى الزّوجة، سواءً كان ذلك عن طريق التّعيين؛ كوصفها، أو ذكر اسمها، أو كان ذلك عن طريق الإشارة إليها، كقول الرجل: امرأتي طالق، أو فلانة طالق، أو هذه طالق، أو أنتِ طالق.
- استعمال الرجل للّفظ مع عدم شكّهِ في عدد الطلاق أو في لفظه، كما أنّ الطلاق يقع كذلك بالألفاظ المُصحّفة، كقول الرّجل: طلاغ، وتلاغ، وطلاك، وتلاك، أو بأحرف الهجاء: ط، ا، ل، ق.
ويقع الطلاق باللّفظ الصّريح بمجرد التّلفُظِ به، ويترتب عليها أحكام وحقوق للزوجة والزوج، دون النّظر إلى نيّة المُطلِّق؛ لأنّه لفظٌ صريح فلا حاجةَ فيه إلى معرفة إرادة المُطلِّق، وقد انعقد الإجماع على ذلك. وحكم الطلاق باللّفظ الصريح أنّه يقع قضاءً، فلو قال الرّجل: لم أنوِ به الطلاق؛ لم يُقبل، ولو قال: أردت أنّها طالق من وثاق؛ لم يصدَّق في القضاء،
وقوع الطلاق باللفظ الكِنائي
يُعرف اللّفظ الكنائي بأنّه ما كان من الألفاظ التي تُطلق ويُحتمل منها الطلاق وغيره، كقول الرّجل لزوجته: أنت خلية، وبرية، وبائن ، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وغير ذلك من الألفاظ المشابهة، فالألفاظ الكنائية للطلاق تكون بِكُلِّ ما يُستعمل في الطلاق وغيره، فيكون المعنى مستوراً منه حتى ينويه أو يُعيّنهُ الشخص الذي أطلق اللّفظ، ويكون ذلك كقول الزّوج لزوجته: سرّحتُك، أنت مسرَّحة، فارقتك، أنت مفارقة، اعتدِّى، استبرئي رحمك، الحقي بأهلك، أنت خليَّة، أنت مُطْلَقة.
ومن الألفاظ الكنائية في الطلاق عند الشّافعيّة والحنابلة : أنت عليّ حرام، أو حرّمتك، وحصرها المالكيّة بالكناية المُحتملة، وهي: الحقي بأهلك، واذهبي، وابعدي عني، وما أشبه ذلك، وغير ذلك فهي من الألفاظ الصريحة عندهم في الطلاق، وقد تعدّدت أقوال الفُقهاء في حُكم الطلاق باللّفظ الكِنائيّ، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
- الحنفيّة والحنابلة: قالوا بعدم وُقوع الطلاق بهذه الألفاظ إلا بالنّية، أو بدلالة الحال على ذلك، كأن يكون الطلاق في حالة الغضب، وقد زاد الحنفيّة بأنّه في حال الرّضا المُجرّد وعدم مُذاكرة الطلاق؛ فإنّه لا يقع الطلاق حينها إلا بالنّية، وأمّا في حال الرّضا ومُذاكرة الطلاق؛ فإنّ الطلاق يقع من غير النّظر إلى النّية عندها، وذلك كلفظ: اعتدّي، وألفاظ: بائن، وبتة، وخلية، وبرية، وأمّا ألفاظ اذهبي، اخرجي، قومي، اغربي، تقنعي، فتحتاج هذه الألفاظ إلى نيّة، وأمّا في حال الغضب فيقع الطلاق بلفظ "اعتدّي" فقط من غير نية، وأمّا باقي الألفاظ فتحتاج إلى نيّة.
- المالكيّة والشّافعيّة: يقعُ الطلاق عندهم بمجرّد وجود النّية، وذلك من غير النّظر إلى دلالة الحال، فلا يقع الطلاقُ عندهم إلا بالنّية ، ويُقبل قول الرّجل الذي قال إنّه لم ينوِ الطلاق إذا أقسم باليمين أنّه لم يُرِد الطلاق، فإن لم يُقسم فإنّ الطلاق وقتها يقع، وقد اشترط الشّافعية في نيّة الكناية أن تقترن بكل اللّفظ، فلو قارنت أوّل اللّفظ ثم غابت عنه قبل آخره، فلا يقع الطلاق حينها.
وحُكم الطلاق بهذه الصّيغة أنّه لا يقع إلا بالنّية، فلو قال الشخص: لم أقصد به الطلاق، وإنّما قصدت شيئاً آخر؛ فيُصَدَّق قضاءً، ولا يقع طلاقه، وذلك لِما ورد عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في قوله لكعب بن مالك -رضي الله عنه-: (إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يأمرُكَ أن تعتزِلَ امرأتَك قالَ فقلتُ أطلِّقُها أم ماذا أفعلُ قالَ لا بلِ اعتزِلْها فلا تقربنَّها فقلتُ لامرأتي الحَقي بأَهلِكِ فَكوني عندَهم حتَّى يقضيَ اللَّهُ سبحانَهُ في هذا الأمرِ)؛ فبين الحديث الشريف أنّ هذه اللّفظة تكون طلاقا مع القصد، ولا تكون طلاقا مع عدمه.
أقسام الكناية في الطلاق عند المالكية والحنابلة
قام المالكيّة والحنابلة بتقسيم الكناية إلى نوعين، وفيما يأتي بيانهما:
- الكناية الظّاهرة: وهي الكناية التي من شأنها أن تُستعمل في الطلاق وحلّ العصمة، وذلك مثل قوله: أنت بتة، وحبلك على غاربك، ويقع بها ثلاث طلقات، دخل بها أم لم يدخل، ولها حكم الصّريح، ومن الكنايات الظّاهرة التي يقع بها ثلاث طلقات في المدخول بها ما لم ينو أقلّ من ذلك؛ هي ألفاظ: بائنة، وميتة، وخلية، وبرية، ووهبتك لأهلك، وأنت حرام، وخليت سبيلك، ووجهي من وجهك حرام أو على وجهك حرام.
- وإن قال: أنت طلاق، أنت الطلاق، أو أنت طالق طلاقاً، فيقع بها عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة طلقة واحدة رجعيّة في حال لم ينو شيئاً، فإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث طلقات، وهذه عندهم من الألفاظ الصّريحة، لأنّه صرّح بالمصدر، والمصدر يقع على القليل والكثير، وإنّه نوى بلفظه ما يحتمله، وذهب الشّافعيّة إلى أنها ليست من الألفاظ الصّريحة.
- الكناية الخفيّة: وهي التي تُستعمل في الطلاق وغيره، مثل لفظ: اعتدي، ويقع بها طلقة واحدة، إلا إذا نوى أكثر من ذلك في المدخول بها، ولا يقع بها طلاق إلا إذا نواه.
وقوع الطلاق بالكتابة
يقع الطلاق بالكتابة حتى وإن كان الشخص قادراً على الكلام، ويجوز للزوج أن يُطلّق بالكتابة كما يُطلّق باللّفظ، وهذا في حال كان الزّوج غائباً، وكتب إلى زوجته يُخبرها بالطلاق، فيقع الطلاق إذا نواه عند الأئمة الأربعة وغيرهم، واستدلّوا على ذلك بالعديد من الأدلة، منها حديث النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- : (عن فَاطِمَةَ بنْتِ قَيْسٍ، أنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا البَتَّةَ، وَهو غَائِبٌ، فأرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقالَ: وَاللَّهِ ما لَكِ عَلَيْنَا مِن شيءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ له، فَقالَ: ليسَ لَكِ عليه نَفَقَةٌ)، وقد قال إبراهيم النّخعيّ: "إذا خطّ الرّجل بيده الطلاق فهو طلاق".
ويقع الطلاق بالكتابة بالشُروط الآتية: أولاً: أن تكون الكتابة مُستبينة؛ أي واضحة، كالكتابة على الورق، فأمّا الكتابة على الهواء أو الماء فهي غيرُ مُستبية، ولا يقع الطلاق بها، وثانياً: أن تكون مرسومة، وعند الحنفيّة يقع الطلاق إذا كانت الكتابة مُستبينة وواضحة، من غير النّظر إلى النيّة، وأما إذا كانت الكتابة مُستبينة ولكنّها غير مرسومة، فلا يقع بها الطلاق إلا بالنيّة، وذهب المالكيّة إلى أنّه إن كان الطلاق مُجمعَاً عليه وناوياً له أو كتبه يقع. واتّفق الفُقهاء على وُقوع الطلاق بالكتابة على التّفصيل الآتي:
- الحنفيّة: يُقسّمونها إلى مُستبينة وغير مُستبينة، فالكتابة غير المُستبينة لا يقع بها الطلاق وإن نوى، والكتابة المُستبينة نوعان، إمّا أن تكون مرسومة؛ وهي التي تُكتب مُصدّرة ومُعنونة باسم الزّوجة، كقول الرّجل لزوجته: "إلى زوجتي فلانة، أمّا بعد، فأنت طالق"، وهذه حكمها حكم الصّريح إذا كان اللّفظ صريحاً، فيقع الطلاق ولو من غير نيّة، وأمّا الكتابة غير المرسومة؛ وهي التي لا تُكتب إلى عنوان الزوجة أو باسمها ولا توجّه إليها، كأن يكتب الرجل في ورقة: "زوجتي فلانة طالق"، وحكمها: حكم الكناية ولو كان اللّفظ صريحاً، ولا يقع بها الطلاق إلا بالنّية، وأمّا الطلاق عن طريق إرسال رسول؛ فيقع بها الطلاق كالطلاق الصّريح.
- المالكيّة: الطلاق بالكتابة مع العزم عليه يقع بمجرّد كتابة كلمة طالق، فإن لم يكُن عازماً فلا يقع حتى يَخْرُج الكتاب من يده ويصل للزوجة، وإن أخرجه غير عازم ولم يصل؛ فالأرجح عدم اللّزوم، ويقع الطلاق عند إرسال رسول.
- الشافعيّة والحنابلة: ذهب الشافعيّة والحنابلة لِما ذهب إليه المالكيّة، فقالوا العبرة بالنّية في كتابة الطلاق، فإذا كتب رجل طلاق امرأته بلفظٍ صريحٍ ولم ينوِه، فهو لغو لم يقع به الطلاق؛ لأنّ الكتابة تحتمل إيقاع الطلاق وتحتمل امتحان الخط، فلم يقع الطلاق بمجرّدها، وإن نوى الطلاق فالأظهر وقوعه، ولا يقع الطلاق بالكتابة إلا في حق الغائب، وإن علّق الطلاق على شرط بُلوغها الكتاب فلا تُطَلّق إلا بمجرد وُصول الكِتاب إليها.
وقوع الطلاق بالإشارة
أجاز الفُقهاء الطلاق بالإشارة للأبكم والمريض بما يقدر عليه من الصّوت أو الإشارة، لِقولهِ -تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقد ذهب جُمهور الفُقهاء إلى القول بعدم وقوع الطّلاق بالإشارة من الشخص القادر على الكلام، ويرى المالكيّة بأنّه يقع بإشارة القادر على الكلام كوقوعه من الأخرس، بشرط وُضوح الإشارة منه، وإن كانت غير مفهومة فلا يقع الطلاق، وذهب الشّافعيّة إلى أن الإشارة من الناطق كنايةً لحصول الإفهام بشكلٍ عام فتقع، وأمّا طلاق الأخرس؛ فقد قال الجُمهور بوُقوع طلاقه بالإشارة، وخصّص الحنفية ذلك بعدم قدرته على الكتابة، واتّفق الفُقهاء على وُقوع الطلاق بالإشارة إن كانت مُفهِمة لعدم القادر على الكلام، سواءً كانت باليد أو الرأس.
الحكمة من مشروعيّة الطلاق
شرع الله -تعالى- الطلاق للعديد من الحِكم، وفيما يأتي بيان عدد منها:
- المُحافظة على المرأة، ونقلها إلى مكانٍ آخر يُلائمها دون كسرها أو إهمالها.
- عند الوصول بين الزّوجين إلى مرحلةٍ لا يُمكن البقاء فيها مع بعضهم، وتعذُّر إقامة حُدود الله -تعالى- فيما بينهم، فيكون الطلاق حلاً لضمان عدم إلحاق الضرر بالزوجين أو بأحدهما.