كيف نفهم الإسلام
الإسلام
يُعرَّف الإسلام لغةً على أنه الخضوع، والذل، والانقياد، حيث يُقال أسلم واستسلم أي انقاد، كما في قول الله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، وأما تعريف الإسلام شرعاً فيَحْتمل معنيين، الأول الإسلام الكوني، ويعني استسلام الخلائق كلها لأوامر الله -عز وجل- الكونية القدرية، كما في قول الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، ومن الجدير بالذكر أن الإسلام بهذا المعنى يشترك فيه المؤمن ، والكافر، والطائع، والعاصي، والمخلوقات كلّها، ولا فضل فيه لأحد على الآخر، لا سيما أن كل المخلوقات مستسلمة لله عز وجل، ومُنقادة لأوامره الكونية القدرية، ومجبرة على ذلك سواء رضيت أم لم ترضَ، فلا مشيئة لمخلوق في موت، أو حياة، أو مرض، أو شفاء، أو فقر، أو غنى، ولذلك لا يترتب على الإسلام بهذا المعنى ثواب ولا عقاب.
والمعنى الثاني هو الإسلام الشرعي، وهو الاستسلام لله -تعالى- والانقياد لأوامره الشرعية، وتجدر الإشارة إلى انقسام الإسلام الشرعي إلى عام وخاص، فأما العام فهو الدين الذي جاء به الأنبياء جميعاً، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، وقوله -عز وجل-:(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، أما الخاص فهو الدين الذي بُعِث من أجله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المعنى الخاص للإسلام، وأكّد أنه الدين الذي جاء به، حيث قال: (الإسلامُ أن تشهَدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رمَضانَ، وتحُجَّ البيتَ، إن استطَعْتَ إليه سبيلًا)، وقد بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الإسلام قد بُني على هذه الأوامر الخمس، ولذلك فهي أركان الإسلام.
وفي الحقيقة أن الله -عز وجل- شرّف الأمة الإسلامية بأن سمّى أفرادها بالمسلمين، فاسم الإسلام لم يقتصر فقط على الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما كل ما دعا إليه أنبياء الله -تعالى- هو الإسلام، يقول تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، ولكن الله خصّ أتباع النبي بهذا الاسم لا بسمى آخر؛ كالنصرانية، والمسيحية وغيرها، وهذا شرف من الله يعتز به كل مسلم.
الفهم الصّحيح للإسلام
يُفهَم الإسلام بصورة واضحة عند فَهْم حقيقة كلمة التوحيد وما اشتملت عليه من مقتضيات ومعانٍ، وأن قول (لا إله إلا الله) ينبغي أن يكون قولاً وعملاً واعتقاداً، ويشمل الدين والدنيا، والأخلاق والعبادات، والسياسة، والاقتصاد، والآداب، والمعاملات، فهو قول يعني أن تثق الأمة بمنهج ربها -عز وجل- وتؤمن بصلاحيته الشاملة لكل مكان وزمان، واستحالة وصول مناهج البشر التي وضعوها بالاعتماد على عقولهم إلى رقي منهج رب العالمين وكماله ومثاليّته، وأن الحكم لله وحده لا للقوانين الغربية الوضعية، ويعني أن الحياة كلها لله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ولِفَهم الإسلام بشكل صحيح يجب أن تعلم الأمة الغاية التي خلق الله -تعالى- من أجلها الخلق، وتفهم المطلوب منها، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتعيد أمجادها كما سَاس أسلافها الدنيا بالحق والعدل، ونشروا فيها الأمن والسلام.
ولعلّ قصة ربعي بن عامر -رضي الله عنه- خير مثال على فهم سلف الأمة للإسلام، حيث ذكرت كتب التاريخ أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بعثه إلى رستم أمير الجيوش الفارسية، فلما وصل ربعي -رضي الله عنه- إلى قصر رستم وجد الفُرس قد زينوا المجالس بالحرير والنمارق، وقائدهم جالسٌ على سرير من ذهب، وعلى رأسه تاجٌ مُرصّع بالياقوت واللؤلؤ والجواهر العظيمة، فدخل ربعي بثيابه القديمة المهترئة، وفرسه القصيرة التي بقي يركبها حتى داس بها طرف البِساط، ثم نزل عنها وربطها ببعض الوسائد، وتوجه نحو الفُرس ومعه سلاحه، وترسه، وبيضته على رأسه، ولما طلبوا منه وضع سلاحه أرضاً قبل الدخول على رستم، رفض ذلك قائلاً: (إنِّي لَم آتِكم، وإنَّما جئتُكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا، وإلاَّ رجَعْت)، فأمرهم رستم بالسماح له، فدخل إليه وهو يتوكّأ على النمارق برمحه حتى خرق أغلبها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فأجابهم جواباً يدل على فهمه العميق للإسلام، حيث قال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا والآخرة إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).
أركان الإسلام
للإسلام خمسة أركان، يجب على كل مسلم الالتزام بها حتى يدين بالإسلام، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)، وفيما يأتي بيان كل ركن من أركان الإسلام ، وهي:
- الشهادتان: هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتُسمّى بعقيدة التوحيد، ومعنى لا إله إلا الله؛ أي: لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، ونفي الولد والزوجة والأنداد والشركاء عنه سبحانه وتعالى، وعلى الرغم من قصر سورة الإخلاص إلا أنها اشتملت على هذا المعنى العظيم، حيث قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ). حيث خاطب الله -تعالى- في السورة الكريمة محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يقول إن الله -تعالى- واحد متفرد بالألوهية، وأنه صمد أي الذي يُحتاج إليه ويُسأل ولا يحتاج لأحد، وأنه -عز وجل- لا يُجانس فليس له صاحبة، ولا ولد، ولا يماثله أحد، وأما شهادة أن محمداً رسول الله فتعني تصديقه في كل ما أخبر عنه، واتباعه فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه، والاعتقاد بأنه عبد الله ورسوله، من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
- الصلاة:هي الصلة بين العبد وربه عز وجل، وقد فرض الله -تعالى- أداء الصلاة على كل مسلم خمس مرات في اليوم والليلة، لتطهر نفسه من الآثام، وتحول بينه وبين المنكرات، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر).
- الزكاة: هي حق لفقراء المسلمين ومساكينهم من أموال أغنيائهم، حيث يؤخذ من أموال الأغنياء ربع العشر ويُنفق على الفقراء والمساكين، وفي الزكاة تطهير للقلوب وتأليف للنفوس، مصداقاً لقول الله -تعالى-:(خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها).
- صوم رمضان: يُعرَّف الصوم بأنه عبادة الله -تعالى- بالامتناع عن الطعام والشراب والجِماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن الجدير بالذكر أن الله -تعالى- خفف عن الأمة وعذر المريض، والمسافر، والحامل، والنفساء، والحائض، وللصوم فوائد عظيمة لا يتسع المجال لذكرها، ومنها تزكية النفس، وتعويدها على تقوى الله تعالى، والشعور بالفقراء والمساكين.
- الحج: وهو قصد بيت الله -تعالى- للتعبد وأداء الشعائر والمناسك في وقت محدد، وتظهر فيه وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها، وهو مدرسة يتعلم فيها المسلم الصبر، ويتذكّر الأنبياء وعِظم دعوتهم، وأخلاقهم، وعبادتهم، كما يتذكّر اليوم الآخر وأهواله، ويفتقر إلى الله تعالى، فهو الغني سبحانه، ونحن الفقراء إليه.