كيف نزل الوحي على الرسول
الرؤيا الصادقة
عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ؛ فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ...)، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لا يرى في منامه شيئاً إلا قد تحقق.
وتكون دقة تحقق الرؤيا وتصديقها كما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تماماً، ففي ذلك تهيئة لرسول الله حتى ينزل عليه القرآن وهو مستيقظ حاضر القلب، فلم ينزل شيء من القرآن بطريق الرؤيا الصالحة، وكانت قد استمرت هذه الفترة من مرحلة الوحي مدة ستة أشهر، فتعتبر الرؤيا الصادقة من مقدمات نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أول ما بدأ من الوحي هو الرؤيا الصادقة.
حضور الوحي بهيئة رجل
الطريقة الثانية من طرق نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، فقد كان ينزل جبريل -عليه السلام-، على صورة الصحابي الجميل دحيّة الكلبيّ، وكانت هيئة الصحابي دحيّة الكلبي، جميلة، فكان جسيمًا أبيضًا، ففي قول بأن دحيّة الكلبي يشبه جبريل -عليه السلام-.
فكان جبريل عليه السلام حينما ينزل بالصورة البشريّة، يرونه من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بصورة دحيّة الكلبي، ومما ورد في ذلك؛ عن الصحابي الجليل أسامة -رضي الله عنه- قال: (أنَّ جِبْرِيلَ، أتَى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَن هذا؟ أوْ كما قالَ، قالَتْ: هذا دِحْيَةُ، فَلَمَّا قَامَ، قالَتْ: واللَّهِ ما حَسِبْتُهُ إلَّا إيَّاهُ، حتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ، أوْ كما قالَ).
يعلم من هذا الشكل من أشكال الوحي بأنّ الملائكة تتشكل بصورة الإنسان.
تصديق علامات النبوة
حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عدة أمور، تعد علامة على نبوّته، ومن هذه العلامات ما يأتي:
- توقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمواقيت مكانية، لبلاد لم تكن قد فتحت بعد: كتوقيت الجحفة بأنّها ميقات بلاد الشام، وتوقيت ذات عرق لأهل المشرق، وتحققت هذه المواقيت فيما بعد.
- كرامة أصله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (أَن اللهَ خلق الخلقَ فجعلني في خيرِهم، ثُمَّ جعلهم فرقتَينِ فجعلني في خيرِهم، ثم جعلهم قبائلَ فجعلني في خيرِهم، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرِهم بيتًا، فأنا خيرُهم بيتًا وخيركُم نفسًا).
- شرح صدره عليه السلام: ففي وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، أنه رأى رجلان لم يكن قد رآهما من قبل، فأضجعاه، فشرحا صدره بلا ألم ولا دم، وأخرجا من صدره علقة سوداء، وأخرجا الغل والحسد، وأدخلا الرأفة واللين ليه، وغسلا قلبه بما بَرَد، وختما عليه بخاتم النبوّة.
- خبر نبوته عند أهل الكتاب: فخبر نبوته -عليه السلام- موجود في التوراة، إضافة لصفته وصفة أمّته.
- إخبار الذئب بنبوّته: وحدث هذا عندما أخبر ذئبٌ أعرابيًّا بخبر محمد -صلى الله عليه وسلّم-، فذهب الأعرابي لرسول الله فقصّ عليه ما حدث، فأجاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (والَّذي نفسي بيدِهِ لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تُكلِّمَ السِّباعُ الإنسَ، وحتَّى يكلِّمَ الرَّجلَ عذبةُ سوطِهِ، وشراكُ نعلِهِ، وتخبرَهُ فخِذُهُ بما أحدثَ أَهلُهُ بعدَهِ).
- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن بدء الخلق، حتى دخول أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (قَامَ فِينَا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مَقَامًا، فأخْبَرَنَا عن بَدْءِ الخَلْقِ، حتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذلكَ مَن حَفِظَهُ، ونَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ).
- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الاحداث الماضية، مما لم يرد في القرآن ولم يرد في كتب أخرى، وقصص الأنبياء خير مثال على ذلك.
- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن أحداث ستحدث، وقد حدثت في حياته أو في حياة أصحابه - رضي الله عنهم- وهذا القسم منه ما أخبر القرآن عنه، ومنه ما أخبرت السنة النبوية عنه ولم يتعرض لها القرآن ومنها هجرته إلى المدينة وإخباره -صلى الله عليه وسلم- بانتشار الدين الإسلامي وظهوره.
- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن خوارج آخر الزمان.
إن هناك علامات حدثت ودلت على صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
رؤية النبي للملك بهيئته الملائكيّة التي خلقه الله عليها
لقد ثبت في القرآن الكريم رؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لجبريل -عليه السلام- بالهيئة الملائكية، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ)، وذلك حينما كان بالأفق الأعلى من السماء، فلم تكن الرؤية إلّا حقيقة ومعاينة.
وقد رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- مرتان، المرة الأولى حينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، وحينها نزل جبريل بصورته الملائكيّة وحينها سدّ الأفق بجناحه، إذا أن له ستمائة جناح، والمرة الثانية في ليلة الإسراء والمعراج، حينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في السماء.
يُعلم مما سبق بأن علامات النبوة مختلفة عن المعجزة، لضابط الإعجاز، وطلب الإتيان بالمثل، وما هذا العلامات إلا إشارة بأن رسول الله فيما صدر عنه او لصفة فيه، بأنه مرسل صادق فيما يخبر به عن الله.
صلصلة الجرس
مرتبة من مراتب الوحي، كانت أشدّها على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، فقيل في هذه الهيئة، بأنه ينزل مخاطبًا له -صلى الله عليه وسلّم-، وقيل الصلصلة؛ أنّها صوت الملك بالوحي، وهو صوت متدارك، لا ينتبه أول ما يسمعه، فيفهمه بعد ذلك، وفي رأي آخر بأنّه صوت خفيف، وفي الحكمة من ذلك ليفرّغ رسول الله سمعه لما سيلقى إليه من كلام الله -تعالى-.
وفي سبب شدة هذه الحالة على رسول الله قيل لأنّه يوحى ليه كما يوحى إلى الملائكة، ولأن الفهم من الكلام أشد وأصعب على الإنسان من التخاطب المعهود والفائدة من المشقّة الأجر المترتب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (أحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي وقدْ وعَيْتُ عنْه ما قالَ).
يعلم مما سبق بأن جميع أشكال الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت شديدة على الرسول، لكنّ أشدها كان صلصلة الحرس.
الإلهام
شكل من أشكال الوحي غير الصريح، ودليله في القرآن؛ قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين)، ويأتي معنى الإلهام بأن يقذف الله -تعالى- في قلب النبي، بلا واسطة ملك.
يستفاد مما سبق بأن الإلهام عام، غير خاص بالانبياء، فقد ي حى إلى الصالحين، والجمادات، والأنبياء.
الكلام من وراء حجاب
هو أن يسمع الموحى إليه كلام الله -تعالى- بحيث أنّه لا يراه، كما حدث مع نبي الله -تعالى- موسى -عليه السلام-، قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، وفي الدليل الشرعي على ثبوت الوحي بالكلام من وراء حجاب؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).
يستفاد مما سبق ثبوت كلام الله -تعالى- مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما حدث مع كليم الله موسى -عليه السلام-.
أهمية الوحي ومكانته
فيما يأتي أهمية الوحي، ودوره في حياة البشر، وما له من مكانة:
- إدراك الإيمان بالغيب وما يتبعه من الإيمان بأسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته، وما يتبعه من الإيمان بالملائكة والأعمال الموكلة لها.
- إدراك فكرة البعث بعد الموت وضرورة الإيمان بها وما يتبعها من حياة البرزخ، والحساب، والجنة والنار.
- إدراك الحدود الموضحة للتشريعات الربانية؛ للابتعاد عن أي طريق للهوى والاراء في الأمور التعبدية.
- إدراك السعادة الدنيوية بفعل ما يرضى الله، لوصول الإنسان إلى السعادة الأخروية.
يستفاد مما سبق الأهمية المفصلية للوحي، فبفضله علم بني الإنسان البعث والحساب والجنة والنار، فهو عنوان النجاة في الحياة الدنيا، وسبب السعادة في الحياة الآخرة.