كيف ندعو إلى الإسلام
الإسلام دين الفطرة
شاءت حكمة الله -سبحانه- أن يكون الدين الإسلامي الخاتم للديانات، والباقي إلى يوم القيامة بشرائعه وشعائره، فهو موافقٌ لفطرة الإنسان التي فطره عليها، لا يتعارض مع المنطق القويم والعقل السليم، وذلك حتّى لو لم يكن المرء معتنقاً الإسلام، فقد ميّز الله جميع الخلق بفطرة جعلها فيهم تحبّ الخير وتؤثره وتدفع صاحبها إليه، وتكره الشرّ وتنفر منه، قال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، ولقد عرض النبي -عليه السلام- الدليل على أنّ الدين الإسلاميّ دينٌ يتماشى مع الفطرة، ومع هوى الإنسان المستقيم حين سُئل عن البرّ والإثم فقال: (البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإثمُ ما حاك في صدرِك، وكرهتَ أن يطَّلِعَ عليه الناسُ). فجعل الإسلام علامة البرّ أو الإثم بحسب ما ينشرح لفعلها الصدر أو يغتمّ منه ويكره أن يُخبر عنه أحد، فذلك أبلغ دليلٍ أنّ الدين متماشٍ مع فطرة البشر التي خلقهم الله تعالى عليها.
وقد قيل إنّ من الفطرة التي فطر الله -تعالى- الناس عليها أن جعلهم مهيئين للإخلاص لله سبحانه، محبّين أن يتقرّبوا إليه. وقيل عن الفطرة أيضاً أنها ما ركبه الله -سبحانه- في نفس الإنسان من قوة على معرفة الإيمان. وفي تفسير أوضح للفطرة قال ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه ما فهم معنى الآية الكريمة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، حتى جاءه أعرابيّان يختصمان في ملكيّة بئر، فقال أحدهما أنا فطرت البئر، يقصد أنّه بدأها فأدرك ابن عباس مفهوم فاطر السماوات أي أنه بدأها وخلقها، فالفطرة هي الخلق وهي البداية، وهي بمجموع الحديث عنها أنّها الطبيعة الداخلية أو الاستعداد الداخلي الذي خلقه الله عز وجل في الإنسان لمعرفة الحق وقبوله ومعرفة الباطل ورفضه، وهي القائد إلى الإيمان بالله -سبحانه- وتوحيده والاستسلام له، وهذا هو مضمون القول أنّ الإسلام دين الفطرة.
كيفية الدعوة إلى الإسلام
كانت الفائدة من كون الإسلام دين الفطرة جمةً وعظيمة، فقد جعلت الدين قويّاً متيناً، وقريباً من القلوب والنفوس، ولذلك يُلاحظ إقبال الناس عليه حتّى من غير العرب، حيث يرجعون إلى فطرتهم الأولى التي أنشأهم الله عليها. وكلّ ذلك تيسيراً من الله -سبحانه- لعباده ليحملوا مسؤولية نشر هذا الدين والدّعوة إليه، فالله -تعالى- جعل الدعوة إليه واجبةً على كلّ مسلم ومسلمة، ولقد ذكر الله -سبحانه- ذلك في كتابه الكريم أكثر من مرة إذ قال موجّهاً النداء لنبيّه أولاً: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ثمّ ذكّر أن المسلمين من بعد نبيهم شركاء له في هذا الطريق فقال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وإذا كان الأمر بالوجوب على المسلمين في تبليغ رسالة الله إلى الناس، فعليهم أن يتعلّموا كيفية الدعوة السليمة وإلى ماذا يدعون حتّى يجنوا بذلك أفضل الثمار. وفيما يأتي ذكرٌ لكيفية دعوة المسلم الناس إلى الإسلام:
- دعوة الناس إلى ما ترضاه النفوس وتستحسنه العقول بالدعوة إلى العدل والإحسان والحق والخير.
- دعوة إلى الإيمان بالله -سبحانه- وكلّ ما ثبت له من أسماء وصفات عن طريق الكتاب والسنة، والاعتقاد الجازم بذلك دون أي شك.
- دعوة الناس إلى الطريق المستقيم الذي وصّى به الله سبحانه، وذلك بقطع البدع والانتهاء عن الخرافات والترّهات التي انتشرت بين المسلمين.
- دعوة الناس إلى مكارم الأخلاق، وحفظ الحقوق وحسن التعامل فيما بينهم، وإقامة العدل وتحقيق الأخوة والتعاون.
- الدعوة بالوسائل العديدة التي يمكن من خلالها تحقيق الهدف والغاية من الدعوة، ومنها:
- الحديث المباشر مع المدعوّ.
- التواصل غير المباشر مع المدعوّ أو المدعوّين كاستخدام وسائل التواصل بالصوت والصورة.
- الكتابة، كتأليف الكتب، أو الكتابة في المجلات والصحف وغير ذلك.
صفات الداعي إلى الله
يُستحبّ أن يتحلّى الداعي إلى الله بالعديد من الصفات التي تعينه في دعوته إلى الله سبحانه، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصّلٍ:
- الإخلاص لله سبحانه في عمله، فعلى الداعية أن يبقى مستذكراً أنّ كل ما يقوم به هو لله -سبحانه- يرجو أجره ورضاه وتوفيقه له، فالشافعيّ -رحمه الله- كان يقول: (وددت أنّ الناس تعلموا هذا العلم، ولم ينسب إلي منه شيءٌ).
- التزوّد بالعلم الشرعي الذي يحقّق الاستجابة للدعوة، كما أنّ في ذلك اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
- الحرص على الزهد فيما في أيدي الناس أثناء دعوتهم، وعدم قبول الأجر من الناس، وانتظار الأجر والثواب من الله تعالى.
- الصبر على صعوبة الطريق، وتأخر النتائج خلالها، وهكذا كان حال الصحابة -رضي الله عنهم- في طريقهم لدعوة الناس إلى التوحيد، حيث صبروا وطالت مدّة جهادهم حتّى فتح الله -تعالى- لهم البلاد، يقول الله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ).
- العلم أنّ هذه الدعوة هي ميراث الأنبياء في الأرض، وعلى المسلم أن يتصدّى لهذه الدعوة ويبلّغها مهما شعر أنّها يسيرة، فالدعوة إلى الإسلام لا بدّ أن تكون دعوة عالمية تبلغ جميع الناس، ولذلك قال النبي -عليه السلام- مشجعاً المسلمين على الدعوة مهما كانت يسيرة: (بلغوا عني ولو آيةً).