كيف نتعلم الصبر والهدوء
مفهوم الصبر
يعرّف مفهوم الصبر في اللغة بأنّه حبس النفس، أو الإكراه، والصبر الجراءة، وقال الجوهري: الصبر حبس النفس عند الجزع، وأمّا اصطلاحاً فهو معنىً عام يختلف باختلاف موقعه، فإن كان في حبس النفس لمصيبةٍ سمّيَ صبراً لا غير، وأمّا إن كان في الحرب سمّيَ شجاعةً، وإن كان في نائبة سمّيَ رحابة صدر، وإن كان في إمساك الكلام سمّيَ كتماناً، وإن كان في إمساك طعامٍ سمّيَ صياماً ؛ فكل ما يحتاج إلى ثباتٍ على شيء أو إمساكٍ عن شيء يسمى صبراً.
طرق تحصيل الصبر
من المعلوم أنّ الصبر طعمه مرٌّ، وهو صعبٌ على النفس البشرية، وفيما يأتي بيانٌ لجملةٍ من الأمور التي تساعد على تحصيل الصبر، وهي على النحو الآتي:
- معرفة طبيعة الحياة الدنيا: من أقرب الطرق التي تُعين على تحمّل الحياة؛ معرفةُ حقيقتها، فهي ليست الجنة أو الحياة الأبدية، إنّما هي دار ابتلاءٍ.
- اليقين بحسن الجزاء عند الله: يذكّرنا ربنا في أكثر من آيةٍ جزاءُ من صبر في هذه الحياة، فأجرهم عظيم، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ).
- معرفة الإنسان نفسه: يعيش الإنسان في هذه الدنيا بهبة الحياة من الله، كأنّها عاريةٌ يستردّها -سبحانه- متى شاء، فهي ملكٌ لله أولاً وآخراً، ومصير كل إنسانٍ الرجوع إلى مولاه، ليوفّيه حسابه.
- انتظار الفرج: فقد ورد الصبر في كتاب الله مقروناً بالفرج، ووعد الله حق، قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).
- الاستعانةُ: يشعر العبد بمعية الله معه، وعونه له، وهذا ما يعينه على السكينة.
- التأسّي بأهل الصبر والعزائم: المتأمّل بحال الصابرين على الشدائد وما ذاقوه من البلايا ، يطفئ نار المصيبة ببرد التأسّي.
- الإيمان بقضاء الله وقدره: فأمر الله نافذٌ لا محالة، وما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، رفُعت الأقلام وجفّت الصحف.
- استصغار المصيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها النَّاس أيُّما أحدٍ من النَّاس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعزَّ بمصيبته بي عنِ المصيبة التي تصيبه بغيري فإنَّ أحداً من أمَّتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشدَّ عليه من مُصيبتي).
- الحذر من الآفاتِ العائقة في الطريق: ومنها؛ الاستعجال، والغضب، والضيق، واليأس.
المعينات على الصبر
يُعين العبد على الصبر عدّة أشياء منها ما يأتي:
- العلم بأنّ الله خالق أفعال العباد وأعمالهم، وكل شيءٍ تحت إرادته؛ فهو المتصرّف في العالم والعباد، وما شاء ربّنا كان، وما لم يشأ لم يكن، حينها يستريح الإنسان من الهم والغم والحزن.
- معرفة أنّ ما أصابه إنّما هو بسبب ذنوبه، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، حينها تتغير نظرته للأمور، فيشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب.
- مقدار الثواب وعِظمه الذي أعدّه الله لمن عفى وصبر، قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )، حينها يسهل علي الإنسان الصبر والعفو.
- عندما يعفو الإنسان عن غيره فإن ذلك يزيد من سلامة قلبه لإخوانه، فيسلم القلب من أمراض الغش ، وطلب الانتقام، وإرادة الشر، وتحصل في قلبه حلاوة العفو، وهدوء النفسِ، مما يزيد لذّة الصبر.
- معرفة أن الانتقام يورث الذلَّ، والعفو يورث العزّة، وهذا ما أخبر به نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (و ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً).
- الجزاء من جنس العمل، فإذا عفا المسلم عن أخيه فإنّ الله يعفو عنه، ويسامحه، ويصفح عنه كما صفح عن أخيه، ويكفي العاقل هذه الفائدة.
- الاشتغال بالانتقام يضيع الزمان، ويفّوت مصالحه، ووقته الذي مضى لا يمكن أن يعيده أو يستدركه؛ وهذه مصيبة أعظم.
- قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو لم ينتقم لنفسه قط، وهو صاحب الخُلق العظيم، والشأن الجليل عند الله، فكيف ينتقم أحدنا لنفسه وهو يعلم ما فيها من العيوب والشرور.
- العلم أنّه إذا أوذيَ الإنسان في عملٍ يعمله لله فأجره على الله تعالى، وإن أوذيَ في معصيةٍ فليرجع باللوم على نفسه، وإن أوذيَ على حظٍ فليوطّن نفسه على الصبر، فحظوظ الدنيا لا تُنال إلا بالصبر.
- اليقين في القلب والعقل أنّ معية الله مع الإنسان إذا صبر، وأنّ الله يحبه، وهو يتولّاه، قال تعالى: (وَأَطيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ)، وقال تعالى: (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
- الإيمان يقيناً أنّ الصبر نصف الإيمان.
- العلم بأنّ الله -عز وجل- ناصرٌ ووكيلٌ لكل من صبر وأحال مظلمته لله رب العالمين، والله خير الناصرين.
- صبر الإنسان على أذية الغير يوجب على خصومه الندم والإعتذار، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
- اختيار الصبر يعتبر أخفّ الضررين، فمقابلة الإساءة بالإساءة تزيد الخصومة والأذيّة.
- الانتقام يوقع الإنسان في الظلم، فلا يقتصر على قدر العدل الواجب، فالغضب يخرج بصاحبه إلى حدٍ لا يعقل فيه ما يقول ويفعل.
- المظالم تكفيرٌ لسيئة، أو رفعٌ لدرجة؛ فإذا انتقم حُرِم الأجر.
- العفو والصبر أعظم الجنود للإنسان، فالناس لا يسكتون عن الخصم إن سكت هو.
- العلم بأنه من صبر، وصفح، وعفى ، كانت له حسنة، والحسنة تجلب الحسنة، والسيئةُ لا يجزى إلا بمثلها.
حكم الصبر وأهميته
أما حكم الصبر فهو واجب، والناس في تقبّل المصائب عند وقوعها على ثلاثة أحوال؛ الصبر، والرضا، والشكر؛ فأمّا الصبر فواجب، والرضا سنةّ، والشكر أفضل.
ومن الأمور التي تدلّ على أهمية الصبر:
- ذكر الله الصبر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعاً.
- اقترانه بالصلاة .
- كل مقامات الدين وأعماله مرتبطةٌ بالصبر.
- أقسم الله -تعالى- في سورة العصر على أن الإنسان في آخرته خاسراً، واستثنى من ذلك من تواصى بالصبر.
مجالات الصبر
إن للصبر في حياة الإنسان مجالاتٍ متعدّدة وفيما يأتي بيانٌ لبعضها:
- حبس النفس وضبطها عن الوقوع في الملل عند القيام بالأعمال التي تتطلّب المثابرة، والتي يراها الشخص أنّها تستغرقُ مدةً طويلة.
- حبس النفس عن الجزع والوقوع في الضجر عند حلول المصائب.
- ضبط النفس وحبسها عن الوقوع في العجلة عند تحقيق المطالب الدنيوية أو المعنوية.
- ضبط النفس وحبسها عن الوقوع في الغضب .
- ضبط النفس عند الخوف والفزع، وضرورة التحلّي بالشجاعة.
- ضبط النفس عن شهوات النفس؛ مثل الطمع.
- عدم الانجرار وراء الأهواء والغرائز.
- التحمّل الجسدي والنفسي، وتحمّل المتاعب والمشاقّ التي يحصل من ورائها الخير.
نماذج صابرة
ليعلم المبتلى أنّه في اختبارٍ وامتحانٍ كالسابقين، فليمشِ ما استطاع معهم، وها هو إمام المرسلين سيدنا محمد سيّد الصابرين، قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، فهو معذّبٌ من قومه، طرده المشركون من بلده حقداً وحسداً فصبر، ومن النماذج ابتلاء نبي الله أيوب ، فقد ابتُلي بالمرض وصبر، ومن الصحابة من ابتُليَ بفقد الولد، ومنهم من ابتُليَ بالصرع والمرض، والنماذج كثيرةٌ للمقتدين بهم، قال تعالى: (سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ).