كيف نتعامل مع غير المسلمين
حقوق غير المسلمين
نظّم الإسلام علاقة المسلمين ببعضهم، كما نظّم علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب وأتباع الديانات الأخرى، وقد اعتنى القرآن الكريم والسنّة النبوية ببيان أصول التعامل مع غير المسلمين وآدابه، وبيان حقوقهم، ومن هذه الحقوق:
- حقّ حفظ الكرامة الإنسانية: كرّم الله الإنسان بأن خلقه وسخّر له ما في الأرض جميعاً، ولم يكن هناك تمييز في هذا التكريم بين الناس، فقد ساوى بينهم بغض النظر عن لونهم أو جنسهم أو لغتهم، وجعل الله سبحانه هذا الاختلاف آية من آيات قدرته، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)، وقد أوجب على المسلمين أن يراعوا حقوق غيرهم من غير المسلمين في التعامل، ومراعاة مشاعرهم وعواطفهم.
- حق العدل والمساواة: فقد أقرّت الشريعة العدل وحرّمت الظلم، وأمرت المسلمين أن يعاملوا غير المسلمين بالقسط، قال -تعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وقد أعطاهم الإسلام حق العيش بأمان، وحرّم الاعتداء عليهم، وأعطاهم حرّية الاعتقاد والعبادة، كما حرّم إيذاء الجار ولو كان غير مسلم.
- حق الحماية والأمن: فمن حقوق غير المسلمين أن تضمن الدولة الإسلامية حمايتهم من الظلم الداخلي والخارجي.
- الحق في عصمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم: وقد اتّفق العلماء على هذا الحق، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، ولا يجوز إتلاف المال الخاصّ بهم، ومن حماية الدولة الإسلامية لعِرْض الذمي وكرامته أن حُرِّم سبّه واتّهامه بالباطل، واغتيابه والكذب عليه.
- الحق في العمل والتجارة: وقد تمثّل ذلك في حرية العمل والكسب وسائر صنوف المعاملات التجارية ونحوها؛ فلهم ما للمسلمين من حقوق، ويحرّم عليهم التعامل بالربا كما يحرّم على المسلمين، كما يشملهم ما يشمل المسلمين من آداب البيع والشراء، لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى).
- الحق في التأمين في حالات الفقر والعجز والكبر في السن: إذ تكفّلت لهم الدولة الإسلامية بالعيش الكريم الآمن ولمَن يعولونهم، حيث فرض عمر بن الخطاب معونة لأحد كبار السنّ وكان كتابيّاً، واعتبره من المساكين الداخلين في قوله -تعالى-: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)، ويؤكّد هذا السّمو الإنساني أنّ الحنابلة وأبا حنيفة ومالك، والشّافعي في أحد أقواله ذهبوا إلى سقوط الجزية عن كبير السنّ من أهل الذمّة، ومثله الأعمى والمريض مرضاً لا يُرجى برؤه، وإنْ كانوا موسرين، لأنّهم لا يُقاتِلون ولا يُقاتَلون؛ فقاسوا حكمهم على نساء وصبيان أهل الذّمة.
- الحقوق العقدية والفكرية: إذ تحقّ لهم ممارسة حقوقهم العقديّة والفكرية ولا يمنعون إلّا في حال الإضرار بالمجتمع، ومن هذه الحقوق:
- حرية الاعتقاد واعتناق ما يشاؤون من العقائد؛ إذ إنّ لغير المسلمين الحق في البقاء على دينهم، وعدم إكراههم للدخول في الإسلام، قال -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ). وللمعاهدين أن يمارسوا دينهم وعباداتهم في بيوتهم وفي المعابد الخاصة بهم.
- الحق في التعلّم والتعليم؛ إذ تُترك لهم حرية تعلّم دينهم وتعليمه لأولادهم، ولكن يُمنعون من تعليم دينهم للمسلمين، ولهم أن يُنشئوا مدارسهم من حسابهم الخاص وتكون تحت إشراف الدولة.
- الحق في التعبير وإبداء الرأي؛ إذ إنّ لهم الحق في إبداء وجهات نظرهم في أمور معيّنة، وإسداء النصيحة للناس.
أخلاقيات التعامل مع غير المسلمين
اهتمّ الإسلام بأدق التفاصيل في تنظيم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين وعلى الأخص أهل الكتاب؛ فقد أرسى قواعد مهمّة في معاملتهم؛ فنهى عن مجادلتهم في دينهم إلّا أن تكون المجادلة بالحُسنى، وذلك أدعى إلى عدم وقوع البُغض والطائفية والعداوة بين الناس، وحتى لا تتغير النفوس بسبب هذا الجدل، قال -تعالى-: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )، ومن المعاملات التي أباحها الشرع بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب:
- مؤاكلتهم؛ أي الأكل معهم، والأكل من ذبائحهم، قال -تعالى-: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ)..
- مصاهرتهم، والزواج من نسائهم بشرط الإحصان والعفّة.
- استعارة متاع البيت منهم، كالأواني.
الرحمة بغير المسلمين
يمتاز دين الله بالرحمة والإنسانيّة، ولم يستثنِ الدين الإسلاميّ غير المسلمين من ذلك؛ إذ أعطاهم حقوقاً كثيرة، فالله -سبحانه- هو الرحمن الرحيم اللطيف، وقد شملت رحمته المخلوقات كافّة، وهي ليست مُختَصّة بالمسلمين فقط، فقد أرسلَ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم-؛ رحمةً لكلّ الناس بدعوته، فكان يدعو إلى الرحمة دائماً، قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا يَرحمُ اللهُ مَن لا يرحَمُ النَّاسَ)، ولمّا تعرّض للأذى من المشركين في سبيل دعوته -عليه الصلاة والسلام-، لم يدعُ على من آذوه، بل قال: (إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً).
البِرّ والإحسان إلى غير المسلمين
لم ينهَ الإسلام عن القِسط والإحسان إلى غيرهم من المسالمين، وتقديم المعروف لهم، وإكرامهم، كما أنّ المسلم مأمور بصلة رحمه من أبويه وأقاربه حتى وإن كانوا غير مسلمين، ودليل ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر، إذ قالت: ( قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.).
الرفق بغير المسلمين
حفظ الإسلام للذميين حقهم في المعاملة الحسنة، فأمر بمعاملتهم بالحُسنى بلا سَبّ ولا تجريح ولا إهانة؛ لأنّ في ذلك أذىً لهم وهو محرّم شرعاً، ومن أدلّة ذلك وصيّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في إخباره للغيب بأنهم سيفتحون مصراً فيوصيهم بأهلها، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا).
جواز التهادي مع غير المسلمين
يجوز للمسلم أن يقبل هدية غير المسلم، كما يجوز له أن يُهدي إليه؛ ففي ذلك ترقيقٌ للقلب؛ سواءٌ كان مسلماً أم لم يكن، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية من الناس ويثني عليها، وقَبِل -صلى الله عليه وسلم- هدية ملك آيلة، وهدية أكيدر دومة الجندل وكان نصرانيّاً، وغيرها من الهدايا.
للمزيد من التفاصيل عن تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع غير المسلمين الاطّلاع على مقالة: (( تعامل الرسول مع غير المسلمين ))