كيف مات عنترة بن شداد
أربع روايات عن نهاية عنترة بن شداد
تُوفي عنترة بن شداد عام 600 م ، أي في عام 22 قبل الهجرة بناءً على رواية الزركلي، وقد بلغ من العمر 90 عامًا، أي أنّه عاش حياةً طويلة، ويُقال بأنّها امتدّت من 525-615 م، وقد وردت 4 روايات عن نهايته، لكن أرجح الروايات بأنّه قتل على يد رجل يُسمّى الأسد الرهيص ويُلقّب بوزر بن جابر بن سدوس النبهاني الطائي، ويُذكر أنّ الأسد الرهيص لم يُسلم رغم إدراكه للإسلام، فقد كان يقول: "لا يملك رقبتي عربي!"؛ أي أنّه لن يُصبح مملوكًا أو أسيرًا لدى عربي، ومات بعد أن حلق رأسه وتنصّر، وفيما يلي أشهر روايات نهاية عنترة:
رواية ابن حبيب وابن الكلبي وصاحب الأغاني
قال ابن حبيب وابن الكلبي وصاحب الأغاني في باب رواية ابن شداد: أن عنترة أغار على بني نبهان من طيء فطرد لهم طريدة وهو شيخ هرم كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول: ( حظ بني نبهان منها الأثلب... كأنّ آثارها لا تحجب آثار ظُلمان بقاعٍ محدث )؛ ويقصد عنترة في هذا البيت أن حظ بني نبهان من أخبث الحظوظ، ويُشبّه آثار أقدامهم أثناء مطاردتهم له بآثار أقدام ذكر النعام عندما يمشي على أرض سهلة، وكان الذي طارده وزر بن جابر النبهاني، الملقب بالأسد الرهيص كما ذُكر آنفًا، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه -ظهره-، ولكن عنترة تحامل بالرمية حتى أتى أهله وهو جريح، ويقول:
وإن ابن سلمى عنده فأعلموا دمي
- وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
إذا ما تمشي بين أجبال طيء
- مكان الثريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذم
- عشية حلوا بين نعفٍ ومخرم
وورد عن ابن الكلبي أيضًا أنّه قال: "وكان الذي قتله يُلقّب بالأسد الرهيص، أي الثابت في مكانه، والرهيص هو الحائط المبني".
رواية أبي عمرو الشيباني
كانت رواية أبي عمرو الشيباني في نهاية ابن شداد مختلفة عن الرواية السابقة، فقد قال: "أنّه غزا طيئًا مع قومه، فانهزمت عبس، فخرّ عنترة عن فرسه، ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلًا، أي شجر كثيف ملتف، وأبصره ربيئة طيء؛ أي طليعة الجيش الذي يقف في مكان عال لمراقبة الأعداء، فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيرًا، فرماه وقتله".
رواية أبي عبيدة
كانت رواية أبي عبيدة مختلفة عن الرواتين السابقتين أيضًا؛ إذ قال في رواية مقتل ابن شداد: "أنه كان قد أسنَّ واحتاج، وعجز بكبر سنه من الغارات، وكان له على رجل من غطفان بعير، فخرج يتقاضاه إياه، فهاجت عليه ريح من صيف وهو بين شرج وناظره، أي ماءان لبني عبس، فأصابته وقتلته".
رواية القصاص الشعبي
أمّا رواية القصاص الشعبي في مقتل عنترة فقد كان فيها خيالًا بارعًا وسحرًا، فكانت روايته أنّ عنترة أحسّ أنّه ميت بعد أن أصابه الرهيص بالسهم المسموم، وفي ذلك الوقت اتخذ خطة الليث المناضل؛ فبقي ممتطيًا صهوة جواده، ومرتكزًا أيضًا على رمحه يلتقط أنفاسه الأخيرة، ثم أمر الجيش بأن يتراجع حتى ينجو من الأعداء، وبقي حاميًا ظهر الجيش أثناء هروبهم أمام العدو، وبقي كذلك حتى هرب الجيش وتوفي عنترة، وعندما طال وقوفه شك العدو في أمره، فأُطلق إلى الجواد فرسًا تهيجه، في ذلك الحين هاج الجواد فسقط الفارس على الأرض بعدما قدّم روحه لحماية قومه.
كان عنترة ابن شداد من الشعراء النبلاء والذين يتصفون بصفات وخصال عديدة، وقد كان له العديد من الأعمال الفروسية ، ولقد اختلف في كيفية وفاته ونهايته في عدّة روايات، لكن الأرجح هي رواية ابن حبيب وابن الكلبي وصاحب الأغاني، والتي ترى أن وزر بن جابر بن سدوس الملقب بالأسد الرهيص هو من قتله.
خصال عنترة بن شداد
تميّز عنترة بن شداد بمجموعة من الصفات الحميدة ، ومن أبرزها ما يلي:
- الأنفة والزهد في الغنائم: فقد عُرف بالترفّع عن الأمور الدُنيا، وتجنب عن الطمع في القتال، فقد كان يترك الغنائم لصغار قومه.
- الحلم والرحمة: فقد كان الناس يحبون معايشته وحلمه عن الآخرين.
- السيطرة على الغرائز في مجتمع قبلي: فكان لا يؤتى اللذّة التي لا تتناسب مع الأعراف والتقاليد، ولا يسرف في شربه، وغيرها من الأمور التي تدل على نبله.
- الشجاعة وشدة البأس: جاء على لسان النضر بن عمرو عن الهيثم بن عدي أنّه قال: "قيل لعنترة: أنت أشجعُ العرب وأشدّه قال: لا. قيل: فبماذا شاع لك في هذا الناس قال: كنت أقدمُ إذا رأيت الإقدام عزْماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً ولا أدخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطيرُ لها قلب الشجاع فأثنّي عليه فأقتله".
كيف حصل عنترة على حريته ؟
نفى أبو شدّاد ابنه عنترة ذات مرة، ثم اعترف به وألحقه بنسبه، قال أبو الفرج: "كانت العرب تفعل ذلك، تستبعد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلا بقي عبداً"، وأمّا بالنسبة لكيفيّة إلحاقه بنسب أبيه، فقد روى ابن الكلبي: "وكان سبب ادّعاء أبي عنترة إياه أنّ بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلاً، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة يومئذ بينهم. فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكرّ، إنما يحسن الحلابَ والصرّ. فقال: كرّ وأنت حرّ فكرّ عنترة وهو يقول: أنا الهجينُ عنتَرَة، كلُّ امرئ يحمي حِرَهْ، أسودَه وأحمرَهْ، والشّعَراتِ المشعَرَهْ، الواردات مشفَرَه، ففي ذلك اليوم أبلى عنترة بلاءً حسناً فادّعاه أبوه بعدئذٍ وألحق به نسبه" وبذلك حصل على حريته.
ويقصد برواية ابن الكلبي أن قبيلة من قبائل العرب أغارت على بني عبس فأصابوا منهم الكثير، فتبعهم عنترة وبعض من بني عبس فقاتلوهم، فقال له أبوه كر؛ ومعنى كر أي انقض على العدو وهاجمه ، فأجابه عنترة أن العبد عمله حلب الأغنام وليس القتال فأجابه أبوه قاتل لتحصُل على حريتك فقاتل وأبلى بلاءً حسنًا ثم ألحقه والده بنسبه.
حصل عنترة على حريته بعد أن لاحظ أبوه بسالته في القتال والدفاع عن قومه ضد الأعداء، وذلك في إحدى المعارك التي خاضها ضد إحدى القبائل العربية التي أغارت على قومه، وعندها قرر أبوه إعتاقه وإلحاقه بنسبه.