كيف كان يستقبل الصحابة عيد الفطر؟
كيف كان يستقبل الصحابة عيد الفطر
يمكن بيان أهم ملامح استقبال عيد الفطر لدى الصحابة رضوان الله عليهم من خلال الآتي:
إخراج زكاة الفطر
تعتبر عملية إخراج زكاة الفطر أحد أهم الأعمال التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يستقبلوا عيد الفطر من خلالها، حيث يروي أبو سعيد الخدري قوله: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن أقِطٍ، أوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ).
وممّا لا شك فيه أن ذلك يتطلب منهم رضوان الله عليهم الخروج لتتبع الفقراء والمحتاجين من المسلمين؛ ليتم إخراج زكاة الفطر لهم، من هنا فإن مثل هذا العمل إنما ينعكس على توطيد أواصر المحبة والأخوة بين المسلمين، ويزيد من شعور المسؤولية الاجتماعية لدى من يخرج زكاة الفطر، فضلاً عن كونه ينعكس بالفرح والسرور على من تُخرج لهم زكاة الفطر، وهم في صدد التحضر لعيد الفطر.
التكبير
كان الصحابة رضوان الله عليهم يستقبلوا عيد الفطر بالتكبير، انطلاقاً من قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وفيما يتصل بالوقت الذي كان يشرع فيه الصحابة رضوان الله عليهم بالتكبير "فإن أوله من رؤية الهلال وآخره انقضاء العيد، وهو فراغ الإمام من الخطبة".
ويجدر القول بأن امتثال التكبير من قبل الأفراد المسلمين قبيل عيد الفطر إنما ينعكس على الفرد بالسرور والفرح والشعور بالإنجاز؛ نظراً لانقضاء شهر رمضان، وقد أدى المسلم صيامه وقيامه لوجه الله تعالى، وعليه فإن لعيد الفطر هيئة محددة الألفاظ والمعالم، فقد وضع الله تعالى الإطار الشرعي والمنهجي للفرح والابتهاج، ما يقود إلى إيجاد علاقة ترابطية تؤكد على أن الفرح في العيد إنما يكون لأجل الله تعالى وحده.
تحضير الملابس
ويقصد بذلك أن الصحابة رضوان الله عليه إنما كانوا يتهيؤوا لاستقبال العيد من خلال تحضير الملابس الراقية والأنيقة قبل يوم العيد، ليتم ارتدائها والتوجه إلى أداء صلاة العيد بها، ومما لا شك فيه أن مثل هذا السلوك إنما كان يأتي امتثالاً لسلوك النبي صلى الله عليه وسلم بالتجمل في اللباس في العيدين؛ حيث أنه عليه الصلاة والسلام قد كان له جبة يلبسها في العيدين.
وبصورة تربوية فإن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده رضوان الله عليهم بتخير أفضل الملابس ليوم العيد؛ إنما تستدعي من المربي التهيئة والتحضير المظهري لأسرته، وذلك عبر اختيار وشراء أفضل الملابس لنفسه وأبناءه؛ ليتم الفرح بها يوم العيد، ما أمكن ذلك.
تهيئة مقومات الترفيه
ويقصد بذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم إنما كانوا يتوجهوا الأعياد بعامة، وعيد الفطر بخاصة للترفيه والترويح عن أنفسهم، فلا حرج في الترفيه ما كان في حدود الضوابط الإسلامية المشروعة، بل إن الترفيه وتخير الأسباب والمقومات المناسبة لتحقيق الترفيه إنما يجسد عبادة جليلة إذا ما وجهها العبد المسلم لوجه الله تعالى.
ويستنبط ذلك مما روته السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (دَخَلَ أبو بَكْرٍ وعِندِي جَارِيَتَانِ مِن جَوَارِي الأنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بما تَقَاوَلَتِ الأنْصَارُ يَومَ بُعَاثَ، قالَتْ: وليسَتَا بمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ: أمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وذلكَ في يَومِ عِيدٍ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنَا).
وعليه فيتجلى من الحديث السابق ظهور مقومات الترفيه والترويح النفسي لدى السيدة عائشة رضي الله عنها، من هنا فإن الفطنة التربوية إنما تستدعي التحضير المدروس لملامح ومقومات الفرح والترفيه قبل العيد.
الإعداد النفسي للتواصل الاجتماعي
ويقصد بذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا نموذجاً في الوعي الفكري، والرقي الحضاري، حيث كان يستفهم كل منهم عن أمور دينه ودنياهم، ومن ذلك سؤالهم عن كيفية التواصل الاجتماعي، وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي يصلح الاستمرار بها والمبادرة لإحيائها في الأعياد.
ويتجلى ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: (أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ).
وعليه فيتجسد التأهيل والدعم النفسي للصحابي من قبل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكي يستمر في التفاعل الاجتماعي، والمبادرة إلى الوصل، والإحسان في هذه العلاقات، ومن أهم ملامح هذا الإحسان هو التوجه بالتهنئة في العيد.