كيف كان يتعامل الرسول مع أصحابه
كيف كان يتعامل الرسول مع أصحابه
كانت محبّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عظيمة، فالأحاديث النبويّة تبيّن لطفه معهم، وتلك البشاشة التي كانت تملأ وجهه نوراً وسروراً وهو يسأل عن حالهم ويُطيّب خاطرهم؛ وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه الأحاديث التي تصوّر عِظم أخلاق النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في تعامله مع من حوله من الصحابة:
- قال جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-: (ما حَجَبَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إلَّا تَبَسَّمَ في وَجْهِي).
- قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كان إذا لقيَهُ أحدٌ مِنْ أصحابِهِ فقام معه، قام معه فلم ينصرِفْ حتى يكونَ الرجُلُ هو الذي ينصرِفُ عنه، وإذا لقِيَهُ أحدٌ من أصحابِهِ فتناول يَدَهُ ناوَلَهُ إيَّاها فَلَمْ ينزِعْ يَدَهُ منه حتى يكونَ الرَّجُلُ هوَ الذي ينزِعُ يدَهُ منه، وَإذا لقِيَ أحدًا مِنْ أصحابِهِ فتناول أُذُنَهُ، ناولَهُ إيَّاها، ثُمَّ لم ينزِعْها حتى يكونَ الرَّجُلُ هو الذي ينزِعُها عنه).
- قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ).
- قال عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-: (أنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُكْثرُ الذِّكرَ، ويُقلُّ اللَّغوَ، ويطيلُ الصَّلاةَ، ويقصِّرُ الخطبةَ، ولا يأنَفُ أن يمشيَ معَ الأرمَلةِ والمسكينِ، فيَقضيَ لَهُ الحاجةَ).
معرفة النبيّ لقدرات أصحابه ونفسيّاتهم
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم على بصيرةٍ في معرفة نفسيّات أصحابه وقابليّتهم للأمور، فيعرف ما يحبّونه وما يكرهونه، ويحْرِص على علاجِ ما يواجههم في حياتهم، كُلٌّ بحسب استعداده وطاقتِه، وكثيراً ما تتفاوت إجاباته عن سؤلاتهم وفق حالهم وحاجتهم، وقد يُحذّر أحدهم من أمرٍ، في حين يقدّم غيره إليه؛ لِما يراه من قدرة واستعداد أحدهم، وضعف الآخر عن أدائه.
وما كان ذلك إلا لأنّه وُلد وكبُر معهم، وعاش في بيئتهم وحياتهم، فأدرك مزاياهم الشخصيّة والنفسيّة، فكان يُكلّف كُلّاً منهم حسب حاله، فحققّوا أسمى غايات البطولة في تلك التكاليف بإتقانٍ وكفاءةٍ فائقةٍ، فقد استمال النبيّ المؤلفة قلوبهم في حُنَينٍ بالمال؛ إذ كانت المادّيّة تستولي على فكرهم، فلم يتشبّع الإيمان بحلاوته في قلوبهم بعد، ومنع الأنصار من الغنائم في حُنينٍ لعلمه بأنّ الحلاوة الإيمانيّة قد بلغت مبلغاً عظيماً في قلوبهم.
وفي يوم أُحدٍ سأل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه من يأخذ السيف منه، فقام عدّة رجال، واختار نبيّ الله أبا دجانة الأنصاريّ -رضي الله عنه-؛ لِما كان يعلمه من قوّته وشجاعته، حتّى فلقَ به هام المشركين، فواجبات الشجاعة يتولّاها من هو أهلٌ لها، ومن الصّحابة من لا يقوى على القتال فيُبقيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المدينة عند النساء؛ ك حسان بن ثابت مثلاً.
وذلك لأنه -صلّى الله عليه وسلّم- لا يحمّل أحداً فوق استطاعته، ويراعي قدرات من حوله؛ لذلك كانت سياسته القيادية الحكيمة أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فكان يبني الرجال في أماكنهم التي يتقنون فيها أدوارهم، والأهمّ من ذلك أنّه كان يُثني عليهم في مواقعهم بأفضل صفاتهم، ولا يلتفت لِما يعانونه من النقص البشريٍّ.
ثقة النبيّ بأصحابه وحبّه لهم
بلغت ثقة أصحاب النبيّ به مبلغاً عظيماً، كما كانت ثقته بهم كذلك، ومن ذلك في يوم الحديبية ، فلولا ثقتهم برسولهم لما كان الصّلح، في حين أنّ ثقته بأصحابه ظهرت في مواقف عدّةٍ، منها موقفه يوم بدرٍ و أُحُدٍ ، ولولا ذلك لما زجّ بهم إلى معارك ضاريةٍ يكون الأعداء فيها ثلاثةَ أضعافهم، وتظهر محبّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابه ومحبّة أصحابه له في كُلّ وقت؛ سلمٍ وحربٍ.
ومن ذلك موقف الصحابة يوم أُحد؛ عندما انهال المشركون على النبيّ بسهامهم، فاصطدّ المسلمون لها بأجسادهم يُحامون عنه -صلّى الله عليه وسلّم-، فها هي نُسيْبة الخزرجيّة استلّت دِرعها تدافع عنه -صلّى الله عليه وسلّم-، وأصيبت بجروح كثيرة، وفقدت وعيها من شدّة النزف.
وحينما أفاقت أخذت تسأل عن النبيّ وتطمئن عنه، وعند موته -صلّى الله عليه وسلّم- في يومه الأخير، كشف السّتار عن حجرته ونظر إلى أصحابه وهم يصطفّون ويؤمّهم أبو بكر الصديق عندئذٍ؛ فتبسّم ابتهاجاً واطمئناناً، وكاد الصحابة أن يخرجوا من صلاتهم فرحاً برؤيته.
مشاركة النبيّ لأصحابه واستشارتهم
إنّ ممّا يعظّم شخصيّة هذا النبيّ الخاتم هو مساواته لنفسه بأصحابه، بل أحياناً استئثاره نفسه دونهم بالوقوع في المشقّة والجهد، فها هو يحمل الحجارة لبناء المسجد وكأنّه فردٌ معهم، لا فرق بينه وبين أحدٍ من المسلمين، وفي يوم الخندق يحفر بيده ويتكلّف بعناءٍ حمل الأحجار على عاتقه الشريف، حيث قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَومَ الخَنْدَقِ، حتَّى أغْمَرَ بَطْنَهُ، أوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ).
وقد لاقى النبيّ أخطر المواقف والصّعاب ولم يدَع المكروه يُصيب أحداً من أصحابه، كما كان يشاركهم بحبٍّ في مأكلهم ومشربهم، وفي حزنهم وفرحهم، فكما سخّر نفسه لخدمة أمّته ودعوته والمسلمين، سخّر الصحابة طاقتهم لخدمة هذه الأمّة العظيمة تحت لواء قيادته.
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يهتمّ بالشورى، فمواقفه في استشارة أصحابه في الأمور العسكريّة وغيرها لها الأثر البالغ في مصالح الإسلام والمسلمين، حيث استشار أصحابه في جميع غزواته إلّا الحديببة؛ فقد أصرّ على بنود الصلح التي ستُحافظ على الأمن لانتشار الإسلام ، وكان رأيه في محلّه؛ فنتائج الصلح أثمرت الخير العظيم للأمّة الإسلاميّة، في حين كان رأي أصحابه النصر العاجل قبل حلول أوانه.
فالأمّة الإسلاميّة هي الأعلى والأعزّ على الدوام مهما حلّ بها من الأزمات؛ وذلك لارتباطها الإلزاميّ بالله -عزّ وجلّ-، وهذا الذي تمحور حوله القرآن الكريم وركّز على تثبيته في القلوب وغرسه في النفوسِ، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- جاء يُطبّق ذلك بحرصٍ وحبٍّ في تعامله مع أصحابه في وقت الشدائد والأزمات.
وقد كان الأمل لهم والدافع الأوّل في استنهاض هِمَمهم بعزمٍ ونشاطٍ وتفاؤلٍ، وكان يحرص على انتشال شعور الضعف واليأس والبؤس من صدورهم، ويبثّ الأمل فيهم باستمرار.
إنّ من صفات الداعية المربّي الحُلُم؛ وهذه الصفة العظيمة التي تحلّى بها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه، وقد كان النبي حريصٌ على مشورة أصحابه حتى في الأمور الصغيرة.
ومن ذلك ما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في صحيح البخاري : (أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثِيابٍ فيها خَمِيصَةٌ سَوْداءُ صَغِيرَةٌ، فقالَ: مَن تَرَوْنَ أنْ نَكْسُوَ هذِه؟ فَسَكَتَ القَوْمُ، قالَ: ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ، فَأُتِيَ بها تُحْمَلُ، فأخَذَ الخَمِيصَةَ بيَدِهِ فألْبَسَها، وقالَ: أبْلِي وأَخْلِقِي). فقد استشار النبيّ أصحابه وسألهم لمن يُعطي هذا الثوب.
شفقة النبيّ بأصحابه وإدخال السرور على قلوبهم
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحرص على تفقّد أصحابه والسؤال عنهم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لكَ عِلْمَهُ، فأتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا في بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: شَرٌّ، كانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وهو مِن أَهْلِ النَّارِ، فأتَى الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ أنَّهُ قالَ كَذَا وكَذَا، فَقالَ مُوسَى بنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ ببِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقالَ: اذْهَبْ إلَيْهِ، فَقُلْ له: إنَّكَ لَسْتَ مِن أَهْلِ النَّارِ، ولَكِنْ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ).
ومن هذا المثال يتّضح لنا بعمقٍ تأثّر الصحابة بالقرآن الكريم؛ فهم يُطبّقون أحكامه ويقفون عند حدوده، فما نهاهم عنه اجتنبوه، وما أمرهم به أتوا به بقدر استطاعتهم، ويظهر من الحديث شفقة النبي على صاحبه والحرص على إزالة الهمّ من قلبه، وتبشيره بما يُفرحه.
ومثاله أيضاً ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: (لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا} إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ، قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قالَ: ليسَ كما تَقُولونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ} بشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
مزاح النبيّ مع أصحابه
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- بسّاماً يحبّ إدخال الفرح والضحك على قلوب من حوله، وسنقف على جماليّات هذه الأخبار والأحاديث الواردة عنه -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها ما يأتي:
- مزاحه مع زاهر بن حرام -رضي الله عنه-، فقد جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يروي قصّة هذا الصحابيّ فقال: (كان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّه، وكان دَميمًا، فأَتاهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومًا، وهو يَبيعُ مَتاعَه، فاحْتَضَنَه مِن خَلفِه، وهو لا يُبصِرُه، فقال: أرسِلْني، مَن هذا؟ فالتَفَتَ، فعَرَفَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجعَلَ لا يَأْلو ما ألزَقَ ظَهرَه بصَدرِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ عَرَفَه، وجعَلَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: مَن يَشْتَري العَبدَ؟ فقال: يا رَسولَ اللهِ، إذَنْ واللهِ تَجِدُني كاسِدًا. فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لكِنْ عِندَ اللهِ لستَ بكاسِدٍ).
- مزاحه مع العجوز التي جاءت تطلب منه الدعاء، فقد ورد عن الحسن البصري أنه قال: (أنَّ امرأةً عجوزًا جاءتْهُ تقولُ لَهُ: يا رسولَ اللهِ، ادع اللهَ لي أنْ يدْخِلَني الجنةَ، فقال لَها: يا أمَّ فلانٍ، إِنَّ الجنَّةَ لا يدخلُها عجوزٌ، وانزعجَتِ المرأةُ وبكَتْ ظنًّا منها أنها لن تدخلَ الجنةَ، فلما رأى ذلِكَ منها؛ بيَّنَ لها غرضَهُ أنَّ العجوزَ لَنْ تدخُلَ الجنَّةَ عجوزًا، بل يُنشِئُها اللهُ خلقًا آخرَ، فتدخلُها شابَّةً بكرًا، وتَلَا عليها قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا أَنشَأْناهُنَّ إِنشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكًارًا)).
- مزاحه مع أخي أنس بن مالك -رضي الله عنه- بسؤاله عن الطائر الصغير، فقد جاء عن أنس أنه قال: (كان لي أخٌ صغيرٌ، وكان له نُغَرٌ يَلعَبُ به، فمات، فدخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ فرآه حزينًا، فقال: ما شأنُ أبي عُمَيرٍ حزينًا؟ فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يَلعَبُ به يا رسولَ اللهِ، فقال: يا أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟ أبا عُمَيْر، ما فَعَلَ النُّغَيْر؟).
كيفية معاملة النبيّ لزوجاته
أثْنى الله -عز وجل- على زوجات النبيّ الكريم في مُحكم التنزيل، فقال الله -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا).
ونساء النبيّ أمّهاتٌ للمؤمنين جميعاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- زوجاً حسنَ العشرة، وطيّب الخُلق مع زوجاته -رضي الله عنهنّ-، وذلك في كافّة أحواله؛ في حزنه وفرحه، وفي غضبه ورضاه، فكان يكرمهنّ ويُحسن إليهنّ؛ ويظهر ذلك في عدّة مواقف، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
- كان النبيّ الحبيب زوجاً وفيّاً مُخلِصاً، يتحدّث عن زوجاته بكُلّ حبٍّ ومودّةٍ ورحمةٍ، ويُعلي من منزلتهنّ، ويرفع قدرهنّ، فقد وردت أقواله في نسائه -رضي الله عنهنّ- في عدّة أحاديثٍ نبويّةٍ، وممّا ورد في ذلك:
- قوله -صلّى الله عليه وسلّم- عن خديجة بنت خويلد : (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بنْتُ خُوَيْلِدٍ).
- قوله عن عائشة -رضي الله عنه-: (فَضْلَ عَائِشَةَ علَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سَائِرِ الطَّعَامِ).
- قوله عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: (أسرَعُكنَّ بي لحوقًا أطولُكنَّ يدًا، قالت: فكُنَّ يتطاوَلْنَ أيُّهنُ أطولُ يدًا قالت: فكان أطولَنا يدًا زينبُ لأنَّها كانت تعمَلُ بيدِها وتتصدَّقُ).
- كان النبيّ عدْلاً يساوي في الواجبات والحقوق بين زوجاته، ولم يكن يفرّق بينهنّ أبداً، رغم اختلافهنّ في خصالٍ عديدةٍ، كالجمال والسّنّ وغير ذلك، فكان يخصّص لكُلّ واحدةٍ ليلةً، وإذا زار واحدةً في غير ليلتها؛ طوّف عليهنّ جميعهنّ.
وقد ورد في الصحيح: (أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقالَ: إنَّه ليسَ بكِ علَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وإنْ سَبَّعْتُ لَكِ، سَبَّعْتُ لِنِسَائِي)، وكان يقرع بينهنّ في كل سفرٍ؛ فيأخذ كُلّ مرّةٍ واحدة أو أكثر بعد القُرعة بينهنّ.
- كان النبيّ غايةً في إعطاء الحقوق لزوجاته، فلم يتزوّج بواحدةٍ إلّا برضاها، وكان يصون لهنّ احتياجتهنّ على أكمل وجهٍ، ويشاورهنّ ويصبر عليهنّ، ويأخذ برأيهنّ في المواقف الصعبة، فلم يكن زوجاً يستبدّ برأيه ويراه هو الصواب لا سواه.
وإنّما كان حليماً رشيداً يناقش ويسمع ويأخذ بما فيه صلاحٌ للإسلام والمسلمين، كما في صلح الحديبية عندما استشار زوجته أمّ سلمة -رضي الله عنها-، وكان لهنّ نعم الشريك والزوج في الحياة، وكُنّ له نعم الشريكات والزوجات الصالحات، الناصحات، المُحبّات، رغم شقاء العيش أحياناً.
- كان النبيّ شديد الحرص على نظافته وأناقته في صورته الجسديّة وحياته العمليّة، وكان جميلاً في سائر معاملته معهنّ، كما كان مزّاحاً بسّاماً فَكِهاً مع نسائه، وكان يخدم نفسه في بيته، ويقوم بحاجته، ويخدم أهله، ويخصف نعله، ويرقّع ثوبه، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي).
- كان النبيّ زوجاً رفيقاً مع زوجاته؛ يُداعبهنّ، ويُضاحكهنّ، ويُلاعبهنّ، ومن ذلك ما روته عائشة -رضي الله عنها- عندما تسابق معها فسبقته، فلما كانت المرة الثانية سبقها وقال لها مازحاً: (هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ).
- كان النبيّ بصيراً بما جُبلت عليه النساء من الغيرة والتنافس في استئثار الزوج، فيصبر عليهنّ ويراعي مشاعرهنّ بحبٍّ، وممّا ورد في ذلك ما قالته عائشة -رضي الله عنها-: (ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قالَتْ: وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فيَقولُ: أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
- كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص على وصيّة الناس بالإحسان لزوجاتهم، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم)، وقال في الحديث: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا).
وفي آخر حياته في حجّة الوداع حرص على التذكير بوصيّته على النساء وحُسن التعامل معهنّ؛ فبعد حمده وثنائه على الله -تعالى- قال: (أَلَا واستَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُن عَوَانٌ عندكم، ليس تملكونَ منهن شيئًا غيرَ ذلك، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَّةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فَعَلْنَ فاهجُروهن في المَضاجِعِ، واضرِبوهن ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، فإن أَطَعْنَكم، فلا تَبْغُوا عليهِن سبيلًا، أَلَا وإنَّ لكم على نسائِكم حقًّا، ولنسائِكم عليكم حقًّا، فأمَّا حقُّكم على نسائِكم ؛ فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تَكْرَهون، ولا يَأْذَنَّ في بيوتِكم لِمَن تَكْرَهون، أَلَا وإنَّ حَقَّهُنَّ عليكم أن تُحْسِنوا إليهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وطعامِهِنَّ).
- كان نبيّنا الحبيب يحرص على مساعدة زوجاته، وممّا روته لنا أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).
- لم يكن النبيّ الكريم يهمل زوجاته رغم أعباء دعوته وانشغاله الدائم، فيحرص على مجالستهنّ، والحديث إليهنّ، والسّهر والسّمر معهنّ برفقٍ وحنانٍ وحبٍّ، وما روته لنا عائشة -رضي الله عنها- يؤكّد ذلك، إذ جلست برفقته تقصُّ عليه حديث النّسوة العشر في الجاهليّة، فلم يملّ منها، ولم يُبد لها شيئاً إلّا السّرور والانبساط بما تقول، وتفاعل معها بالحديث بكُلّ إصغاءٍ وتبسّمٍ.
فلم تكن عبادته ومشاقّ الجهاد الدعويّة وغيرها سبباً في تفريطه بحقّ أزواجه من مؤانستهنّ وتجاذب أطراف الحديث معهنّ، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وهو جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِن قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِن ثَلَاثِينَ - أوْ أرْبَعِينَ - آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وهو قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذلكَ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ: فإنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وإنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ).
ومن جمال لطفه -صلّى الله عليه وسلّم- ما حدث مع عائشة وهي تنظر إلى الأحباش الصِّغار وهم يلعبون في المسجد ، فقد أسندت رأسها على كتفه الشريف تنظر إليهم، ورسول الله واقفٌ معها، ولم يملّ من ذلك لطالما ما زالت تنظر إليهم، حيث قالت: (كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أنْظُرُ، فَما زِلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أنَا أنْصَرِفُ).
أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم
إنّ حُسْن الخُلقِ ممّا تميّز به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ؛ فقد كان أكمل النّاس خُلُقاً وخَلْقاً؛ إذ بُعِث متمِّماً ل لأخلاق الحسنة، والمكارم الفاضلة، وما أعظمَ حُسن الخلق! فبه ترتفع منزلة العبد عند ربّه -تعالى-، ويورثُه محبّته وجلاله، ولنا أن نتخيّل قدر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأخلاقِه التي ضربَ بها أروع وأنقى العبر والأمثال مع البشريّة جمعاء من البعيد والقريب، والعدوّ والحبيب، ومع أصدقائه وحتّى مع ألدّ أعدائِه.
وقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأسوة الحسنة التي ينبغي على المؤمنين جميعاً أن يتأسّوا ويقتدوا بها، فباتّباعه -صلّى الله عليه وسلّم- والتخلّق بأخلاقه الكريمة يرتقي المرء عند الله -تعالى-؛ فيجازِيه بحُسن خلقِه الرضوان، ويفوزَ بالجِنان.
فقد فاقَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- جميع البشر بحسنِ خُلقِه، وإنّ الوصف التشبيهيّ المثيل الذي جاء يُحاكي واقعه الخُلقيّ؛ لهو عظيمٌ جداً؛ فقد كان خُلقُه القُرآن ، وهذا من قولِ عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-؛ حيث قالت: (كان خُلُقُه القرآنَ).