كيف تترك المعاصي
حقيقة المعصية
المعصية والعصيان هو خلاف الطاعة، ويُقال عصى العبد ربه؛ أي خالف أوامره، بحيث يكون قد ترك أحد أوامر الله -عز وجل- أو أوامر نبيّه صلى الله عليه وسلم، أو فعل ما نهاه عنه الشارع، يقول الله -عز وجل- في سورة الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).
وسائل تساعد على ترك المعاصي
ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطائينَ التوابونَ)، فالمعاصي لها شؤمٌ خطيرٌ، وعقابٌ كبيرٌ، فقد تُهلك النفوس، وتُقسّي القلوب، وهذا لا يعني أن يستسلم الإنسان لشهواته ورغباته، بل يجب عليه أن يتصدّى لها بكل الطرق والوسائل، وهذه بعض الوسائل التي تساعد الإنسان على ترك المعصية:
- العيش مع القرآن الكريم : فالقرآن هو الواقي الأساسي من الشهوات والشبهات، ويجب على الإنسان أن يعيش مع القرآن الكريم قراءةً وتدبّراً وفهماً للآيات، ففيه ما يكفي الإنسان أن ينقذه وينجيه من ملذّات الدنيا.
- الحرص على مجالس العلم: يقول عليه الصلاة والسلام: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ)، فمجالسة أهل العلم والصالحين وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل، ولها الكثير من الفضائل العظيمة؛ فمن خلالها يحبس الإنسان نفسه عن الذنوب، ويذكره الله -تعالى- فيمن عنده، وتحفّ المجلس الملائكة، وغير ذلك من الفضائل.
- الرفقة الصالحة: فالمرء على دين خليله، لِذا يجب عليه الحذر ممّن يرافق، لأن المرء يحتاج من يقوّيه على فعل الطاعات وترك المعاصي وليس العكس، فعلى المرء أن يكون حذراً بانتقاء من يصاحب.
- مفارقة دواعي المعصية: فعلى المرء أن يبتعد عن كل ما يقربّه من المعاصي، سواءً كان ذلك رفقة سوء، أو هاتفاً محمول، أو تلفازاً، فمن رغب بترك معصية معيّنة حرص على ترك دوافعها ومسبّباتها.
- عظمة الذنب: فلا ينظر المسلم لحجم المعصية، بل ينظر في حق من عصاه.
- تكرار التوبة: ينبغي على المسلم أن لا يتخاذل أو يتقاعس عن التوبة ، فتكرار المعصية يحتاج إلى تكرار التوبة النصوحة والتعجيل بها، فالذي يرتكب المعصية مرةً بعد مرة ذنبه مغفورٌ إن أعقب معصيته بتوبةٍ نصوحة، والدليل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قالَ عبدُ الأعْلَى: لا أَدْرِي أَقالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: اعْمَلْ ما شِئْتَ).
آثار الذنوب والمعاصي
إن مما يعين المرء على التوبة، أن يعلم أن للمعاصي أضراراً جسيمةً تلحق به، ومن أهم هذه الآثار ما يأتي:
- حرمان العلم: فالعلم نور يقذفه الله في قلب العبد، والمعصية كفيلة بأن تطفئ ذلك النور.
- وحشة في القلب: بحيث تبدأ بين العبد وربه، فيصبح العبد بعيداً عن الله، ومن ثم تمتد هذه الوحشة إلى ما بينه وبين عباد الله، فتراه لا يتأثّر بمجالس الخير، بل تؤثّر عليه مجالس الشر والشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.
- قلّة التوفيق وتعسّر الأمور: فأيّ نجاح يأمله العبد إذا قطع حبله مع الله عز وجل؟ فبالتأكيد سيشعر حينها بتعسّر الأمور، وأن الأبواب قد أُغلقت أمامه، وكيف لا وهو قد قطع ذلك الحبل المتين الذي بينه وبين الله، وترَك الطاعات، ولم يعد يشعر بلذّة التقوى.
- وهن البدن: فالمؤمن المطيع لربه قوّته بقلبه، وكلما قوي القلب قوي البدن.
- حرمان الرزق : فالرزق متّصلٌ مع التقوى، وترك التقوى يجلب الفقر والفاقة.
- حرمان الطاعة: حين يختار العبد الطريق المظلم؛ طريق المعاصي، فلن يستطيع أن يذوق حلاوة الطاعات وحلاوة ترك المعاصي.
- اعتياد الذنب: فإن المسلم قد يأتلف المعصية ولا يستقبحها، بل قد تصبح عادةً لديه، وفي بعض الأحيان قد يفتخر بفعلها.
أنواع الذنوب والمعاصي
إن الذنوب والمعاصي كلّها تخالف أمر الله -تعالى- وشرعه، ويتفاوت جرمها تفاوتاً كبيراً، حيث إن أقبح وأعظم ذنبٍ هو الشرك بالله سبحانه، ومن لقي ربه بهذا الذنب كان عذابه نار جهنم خالداً فيها، ويلي هذا الذنب العظيم البدع غير المكفرة، يقول الله عز وجل: (قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكوا بِاللَّـهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ)، ويليها من الذنوب المعاصي سواءً كانت قلبية كالحسد أو البغضاء، أو ظاهرية كالسرقة والزنا، وقد قسّم العلماء هذه الذنوب إلى قسمين، وفيما يأتي بيانهما.
كبائر الذنوب
عرّف العلماء الكبيرة بأنها "كل ذنب ترتّب عليه حد أو أُتبع بلعنةٍ أو غضبٍ أو نارٍ"، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن اللهُ الواصلةَ، و المستوصلةُ، و الواشمةُ، و المستوشِمةُ)، ومن أحكام الكبيرة أنه تجب التوبة النصوحة لتكفيرها.
صغائر الذنوب
وهي "ما لم يبلغ حد الكبيرة"، كالنظر إلى النساء، يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)، وهذا لا يعني أن يستهين العبد بهذه الذنوب، فالإصرار عليها، أو الجهر بها، أو حتى استصغارها، قد يكون سبباً في أن تنزل منزلة الكبيرة.
التوبة النصوحة
تعرّف التوبة بأنها: "الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته"، فالتوبة واجبةٌ على كل مسلمٍ، لأنها سببٌ في تكفير الذنوب والمعاصي، وللتوبة الصادقة شروطاً يجب على كل مسلمٍ أن يكون ملمّاً بها، وهي:
- الإخلاص لله تعالى.
- الإقلاع عن الذنب.
- الندم على فعل الذنب.
- العزم على عدم الرجوع إلى الذنب.
- التوبة قبل الغرغرة.
- إرجاع الحقوق إلى أصحابها إن كانت المعصية متعلّقة بالبشر وحقوق الغير، كالسرقة مثلاً.
التقرب إلى الله
منذ بداية حياة الإنسان وهو مهدّدٌ وأمامه الكثير من التحدّيات والصعوبات التي تبعده عن ربه جل جلاله، فالشيطان هو العدو اللّدود للإنسان، فعلى الإنسان أن يتقرّب إلى الله تعالى، ويكثر من فعل الطاعات ، ويتجنّب معصية الخالق، وعلى كل مسلمٍ أن يحافظ على الصلاة، فهي عمود الدين، وتقرّبه إلى الله سبحانه، فهي الصلة بين العبد وربّه، ومن عظيم شأنها أنها مليئة بالدعاء والتضرع إلى الله -تعالى- من أولها إلى آخرها، ومن يحرص على القرب من الله -تعالى- دائماً، يكن له عوناً وحفيظاً في كل أمر، والمقرّبون إليه يدخلون الجنان ويتنعّمون بنعيمها في الآخرة، ويفوزون بالدنيا بالتوفيق والفلاح والنصر والتمكّن في الأرض.