كيف أكون صادقاً مع الله
علاقة العبد بربه
الإنسان يعدّ مدنيٌ بطبعه، أي أنّه يسعى لتحقيق العديد من الراوبط والعلاقات المتعدّدة والمختلفة، والزيادة في المعارف وتوطيد العلاقات والصداقات والروابط الاجتماعية، إلّا أنّ أهم علاقة يجب الحرص عليها وإقامتها بمختلف الطرق والوسائل والإماكانات العلاقة مع الله تعالى، وبذلك يتحقّق الفوز والفللاح في الدنيا والآخرة، كما تتحقّق أيضاً السعادة والدرجات العلا، ومن ذلك ما أوصت به أم المؤمنين عائشة معاوية عندما طلب منها أن تُوصيه، حيث قالت له: (سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)، ولذلك لا بدّ من المسلم أن يحرص على علاقته مع ربه، ومن الوسائل التي تُعين على ذلك الحرص على الفرائض من العبادات، فورد في الحديث القدسي الذي يرويه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربّه عزّ وجلّ: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه)، ومن الفرائض الواجبة على المسلمين: الصلاة، والزكاة، والحجّ للمستطيع، والصيام، والبر بالوالدين، وصلة الأرحام، وأداء الأمانات إلى أهلها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنّ القرب من الله يمكن أن يتحقّق بالحرص على أداء النوافل من العبادات، فقد قال النبي فيما يرويه عن ربه: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه)، فلا بدّ من المسلم أن يعمر أوقاته بمختلف النوافل من العبادات، من قراءة القرآن والتسبيح والذكر والصدقة والصلاة والصيام والإحسان، مع الحرص على تجنّب الوقوع في المعاصي والذنوب، والابتعاد عن الطرق الموصلة إليها.
الصدق مع الله
يعدّ الصدق مع الله تعالى من أعظم وأشرف أنواع الصدق، ولا يصل العبد بنفسه إلى الصدق مع الله تعالى إلّا بتحقيق الإيمان والاعتقاد الصحيح في النفس، مع الحرص على أداء الطاعات، والتخلّق بالأخلاق الحسنة الكريمة، ومن الآيات القرآنية التي تبيّن الصدق مع الله: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون)، فالصدق مع الله يكون بالصدق في اليقين، والصدق في النية والقصد، والصدق في الخوف من الله تعالى، والصدق في الإخلاص ، ويجب في العمل أن يكون العبد صادقاً فيه ظاهراً وباطناً، ومن الجدير بالذكر أنّ الصدق يكون على عدّة مراتبٍ، وأعلاها وأفضلها مرتبة الصديقية، وفي ذلك قال ابن القيم رحمه الله: (فأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصديقية وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص لله عزّ وجلّ)، والصديقية تكون بتحقيق الصدق في عدّة أمورٍ، فتكون بالصدق في الأقوال، والصدق في الأعمال، والصدق في سائر الأحوال بتحقيق الإخلاص في أعمال القلوب والجوارح، والحرص على ذلك، فالصديقية تعني الإخلاص الكامل والتام مع الانقياد والمتابعة في الأوامر ظاهراً وباطناً، وبذلك يضمن العبد الفوز والفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة ، وفي ذلك قال ابن القيم: (ليس للعبد شيءٌ أنفع من صدقه ربه في جميع أموره، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله تعالى أمر عباده بعباده، وتقواه وخشيته في السر والعلانية، والصدق معه في الأقوال والأفعال، وسائر أمورهم.
أهمية الصدق مع الله
امتدح الله تعالى بعض عباده ممن تخلّق منهم بالصدق، وأثنى عليهم، ومنهم نبيه إبراهيم عليه السلام، حيث قال فيه: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِبراهيمَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا)، وقال أيضاً في نبيه إسماعيل عليه السلام: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)، كما امتدح الله -عزّ وجلّ- جماعةً من المؤمنين بقوله فيهم: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، ومن القصص المروية التي تبيّن أثر الصدق مع الله، قصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- في غزوة تبوك عندما تخلّف عنها، وتكلّم إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالسبب الحقيقي الذي جعله يتقاعس عن المشاركة في الغزوة، وعلم أنّه صادقٌ، فتاب الله عليه من فعله ذاك، ممّا يدلّ على أنّ الصدق مع الله تعالى من أهم الأسباب التي تُنجي من الشدائد والصعوبات، ومن القصص التي تؤيد ذلك ما حصل مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وذلك حين فتنة المعتزلة بقولهم أنّ القرآن مخلوقٌ، ولكنّ الإمام أحمد ثبت على العقيدة الصحيحة السليمة، وصبر على تلك الفتنة، وثبت على القول الحقّ، وصدق مع الله تعالى، فنجّاه الله تعالى من تلك الفتنة، وترك أطيب الذكر على الألسنة، وأصبح يعرف بعد ذلك بإمام أهل السنة رغم وجود غيره من أئمة أهل السنة، ومن القصص أيضاً التي تدور حول الصدق مع الله صدق أنس بن النضر رضي الله عنه، فعندما علم بحلول غزوة بدر وأنّه لم يشارك فيها حزن حزناً شديداً، وعاهد نفسه على قتال المشركين والكافرين في المرات القادمة، فقاتلهم قتالاً شديداً عنيفاً في غزوة أحد ، وكان من الثابتن مع الرسول عليه الصلاة والسلام.