كيف أكتب وصية شرعية
الوصية الشرعية
جاء الأمر لكلّ مسلمٍ ومسلمة ألّا ينام إلّا ووصيّته مكتوبة؛ فقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه، يبيتُ ثلاثَ ليالٍ إلّا ووصيّتُه عنده مكتوبةٌ)، لذا فعلى كلّ مسلم أن يحرص على كتابة وصيّته، والجدير بالذِّكر أنّ كتابة الوصيّة ليست حِكراً على المرضى، أو كبار السنّ والعجزة، إنّما ينبغي على كلّ مسلم أن يلجأ إلى كتابتها؛ تنفيذاً لأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صحيحاً كان أم سقيماً، فما هي طريقة كتابة الوصيّة؟
معنى الوصية الشرعيّة
لبيان ما هي الوصيّة الشرعيّة وكيف تُكتَب، فلا بدّ من بيان المعنى اللغويّ والاصطلاحيّ لها على النحو الآتي:
- الوصية لغةً: مفرد، وجمعها: وَصِيّات ووَصَايَا، والوصيّة هي: ما يُوصَى به، بحيث لا يزيد عن الثلث، ولا تكون لوارِث.
- الوصية اصطلاحاً: هي فعل يفعله الموصى له، ولا يقع هذا الفعل إلّا بعد موت الموصي أو غيابه، وهو تمليكٌ من باب التبرع المحض، وقد تكون الوصيّة في الأعيان كالأراضي والعقارات والأموال، أو في المنافع كاستغلال منفعة منزل دون تملّكه، أو منفعة كتاب، أو منفعة طريق، إلى غير ذلك من المنافع.
كيفيّة كتابة الوصية الشرعية
ينبغي لمن أراد أن يكتُب وصيةً شرعيةً أن يُراعي عدداً من الأمور الواجب توفّرها فيها، وأن يكتبها بطريقة معينة، وبيان ذلك فيما يأتي:
شروط الوصية الشرعية
إنّ للوصية الشرعيّة شروطاً يجب أن تتحقق عند كتابتها، وإن خالفت الوصيّة شرطاً من هذه الشروط فلا تصحّ، وشروطها هي ما يأتي:
- أن تبلغ الوصيّة ثلث تركة الموصي بالحدّ الأعلى، فلا يجوز أن تزيد عن الثلث.
- ألا تكون الوصيّة لوارث ممّن جاء نصيبه مُقدّراً شرعاً بأمر الله تعالى، فقد جاء عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنّ اللهَ قد أَعطَى كلَّ ذي حقٍّ حقّهُ، فلا وصية لوارثٍ).
- أن تكون الوصيّة بما لا يخالف شريعة الله تعالى ، فإن جاء فيها ما يُخالف شرع الله تعالى، تُعدّ باطلةً ولا يتم تنفيذها.
- أن يُشهِد الموصي على وصيّته اثنين من الرجال الثِّقات.
مثال على الوصية الشرعيّة
فيما يأتي مثال عمليّ على كيفية كتابة الوصيّة الشرعيّة، مع الأخذ بالشروط التي يبنغي توفّرها فيها:
- يحمَد الموصي الله -سبحانه وتعالى- ويُثني عليه، ويصلّي على الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- ويُثني عليه.
- يقول الموصي: (هذا ما أوصى به فلان بن فلان، ويشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النار حقّ، وأنّ الساعة لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور).
- يقول الموصي أيضاً: (أوصي أولادي وأهلي وأقاربي وجميع المسلمين بتقوى الله عزّ وجلّ).
- يوصي الموصي بسداد الدَّين الذي عليه إن كان مَديناً، ويذكر اسم الدّائن.
- يقول الموصي إن أراد أن يوصي بشيء من ماله: (أوصي بمقدار كذا من مالي لفلان، أو صدقة جارية).
- يختم الموصي وصيّته بالدعاء بنيل رحمة الله تعالى، ومغفرته، ودخول جنانه.
مشروعيّة الوصيّة الشرعيّة
الوصيّة مشروعة وجائزة، وقد جاء الدليل على مشروعيّتها وجوازها في العديد من النصوص الشرعيّة، في القرآن الكريم ، وسنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، منها ما يأتي:
- أدلّة مشروعية الوصية من القرآن الكريم: جاءت العديد من الآيات في كتاب الله تدلّ صراحةً على جواز الوصيّة، منها ما يأتي:
- قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، فقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قول الله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا)؛ أي إن ترك مالاً لوَرَثته، وإلى ذلك ذهب الإمام القرطبي رحمه الله، ويُقصَد بحضور الموت ؛ أي ظهرت أسبابه وعلاماته، ممّا يدلّ على اقترابه من الإنسان، كأن يكون المرء مُصاباً بشيءٍ من الأمراض التي تؤدّي غالباً إلى الوفاة، فلا يُقصَد من ذلك حضور الموت ذاته، لأنّه في تلك الحالة لن يقدر على كتابة وصيّة، أو إخبار أحدٍ بها.
- قال الله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، فقد أشارت الآية الكريمة إلى وجوب إخراج الوصيّة قبل توزيع التَّرِكة على مُستحقّيها، فتُؤدّى أولاً الديون لأصحابها، والوصايا لأهلها، ثمّ يُنتقَل إلى تقسيم التركة، وهذا دليلٌ ظاهرٌ على مشروعيّتها وجوازها.
- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ)، فدلّت الآية على جواز الإشهاد على الوصيّة، وبيان عدد الشهود، وفي ذلك دليل على جواز الوصيّة ومشروعيّتها.
- أدلة مشروعية الوصية من السُّنة النبويّة: ذكرت العديد من نصوص السُّنة النبويّة الشريفة مشروعيّة الوصيّة، منها ما يأتي:
- ما رُوِي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: (ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه، يبيتُ ثلاثَ ليالٍ إلّا ووصيتُه عنده مكتوبةٌ، قال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ: ما مرّت عليّ ليلةٌ منذ سمعتُ رسولَ اللهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال ذلك، إلّا وعندي وصيّتي)، وقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله- تعقيباً على الحديث: (ما الحزم والاحتياط للمسلم إلّا أن تكون وصيّته مكتوبةً عنده، إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه، لأنّه لا يدري متى تأتيه منيّته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك).
- ما رُوِي أنّ سعداً بن أبي وقاص -رضي الله عنه- مَرِض ذات مرّةٍ، فزاره النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال له سعد بن أبي وقاص: (أريد أن أوصيَ، وإنّما لي ابنةٌ، قُلت: أُوصي بالنِّصفِ؟ قال: النّصفُ كثيرٌ، قلت: فالثّلثُ؟ قال: الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ، أو كبيرٌ، قال: فأوصى الناسَ بالثُّلثِ، فجاز ذلك لهم).