كيف أضمن الجنة
نعيم الجنة
ذكر الله -تعالى- في كتابه الكريم، وورد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث الشريفة التي تصف جنّة الخلد؛ وفي ذلك ترغيبٌ للمسلم ليجتهد ويُقبل على طاعة الله ورضوانه؛ طمعاً في نيل هذ المنقلب الحسن العظيم، وممّا ورد في وصف الجنة في القرآن الكريم قول الله تعالى: (فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ*وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ*وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ*وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ*وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ*وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ*إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ)، وقال الله -تعالى- في موضعٍ آخرٍ: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً*فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ*فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ*وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ*وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ*وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ).
والجنّة كما ورد في السنة المطهّرة فيها ما لا يخطر على قلب بشرٍ من الوصف والتخيّل؛ لحُسنها وجمالها، يدخلها المؤمنون إذ يدخلون زمراً يمسك أحدهم بأخيه، وجوههم وضّاءةٌ على هيئة القمر ليلة البدر، يدخلون فيجدون الجنة مهيّئةً ومجمّلةً؛ فبناؤها لَبنة من ذهبٍ، ولَبنةٍ من فضةٍ، وملاطها المسك، الحصباء لؤلؤ ٌوياقوتٌ، والتراب من الزعفران، لا موت فيها ولا هرم، ولا مرض ولا تعب، ولا همٍ ولا حزن، الأنهار فيها جاريةٌ؛ نهرٌ من عسلٍ، ونهرٌ من خمرٍ، ونهر الكوثر، ونهر الماء، ونهر اللبن، الأشجار عظيمةٌ ظليلةٌ، يتقلّب فيها المؤمنون بنعيمٍ لا يفنى ولا يزول بالموت أو سواه، فإنّه بعد أن يحكم الله -تعالى- بين العباد يوم الحساب ، يُؤتى بالموت على هيئة كبشٍ أملحٍ، فيوضع على الصراط أمام المؤمنين والكافرين فيعرفونه، ثمّ يُذبح الكبش، ويُنادى على أهل الجنة بالخلود وعدم موت، وعلى أهل النار بالخلود وعدم الموت، فهذه من أعظم النعم التي يتنعم بها المؤمنون؛ دوام النعمة وعدم الخوف من فقدانها.
كيفية ضمان الجنة
حرص النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على تعليم أصحابه والمسلمين من بعدهم أقصر الطرق وأسرعها لضمان الجنة والتنعّم فيها، ولذلك فقد ورد عنه العديد من الأحاديث التي تعطي المستمع مفاتيح دخول الجنة بإذن الله تعالى، منها قوله: (اضْمَنُوا لي ستّاً منْ أنفسِكُمْ أضمَنُ لكمُ الجنةَ؛ اصْدُقوا إذا حدثْتُم، وأوْفُوا إذا وعدْتُم، وأدُّوا إذا ائتُمِنْتُم، واحْفَظوا فروجَكُمْ، وغُضُّوا أبصارَكمْ، وكُفُّوا أيديَكُم)، فقد ورد في هذا الحديث الصحيح ستة أمورٍ إذا أدّاها المسلم كما أراد الله -سبحانه- ضمن بذلك دخول الجنة، كما وعد النبيّ عليه السلام، وفيما يأتي شرحٌ يسيرٌ لكلّ عمل من تلك الأعمال:
- الصدق ؛ فيجب على الإنسان أن يتحرّى الصدق في أقواله وأفعاله؛ لأنّه من شيم أهل الدين والإيمان والبرّ، وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حديثٍ آخر عن الصدق: (إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقاً).
- الوفاء بالعهود؛ وذاك من صفات المؤمنين المتقين كذلك، والوفاء بالعهود يشمل سائر شؤون الحياة، في العلاقات الاجتماعية، والكلام، والمعاملات بعمومها.
- أداء الأمانة؛ وهي كذلك من صفات المؤمنين، وتعدّ معياراً لكمال الدين وحُسنه عند المرء، ولقد امتدح الله أهل هذا الخلق الرفيع في كتابه العزيز.
- حفظ الفرج؛ فلا يعرف المسلم طريق الحرام في علاقاته ونكاحه، بل يحفظ نفسه ونسله ومجتمعه طاهراً رفيع الخلق.
- غضّ البصر؛ فلا ينظر المسلم إلى حرام حرّمه الله تعالى، وقد جاء الأمر بغض البصر للرجال والنساء في القرآن الكريم لأهميته، فقال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)، وقال أيضاً: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ).
- الكفّ عمّا يؤذي الناس؛ فإنّ الله -تعالى- وجميع الناس يمقتون من يؤذي غيره ويعتدي عليهم، وتلك علامة سوء الأدب ووالأخلاق، ولقد رفع الله -تعالى- قدر من يدفع الأذى عن طريق الناس حتى أدخل الجنة رجلاً في غصن شجرةٍ رفعه عن الطريق كان يؤذي الناس.
صفات أهل الجنة
إنّ من تمام الحديث في وصف الجنة وصف أهلها وساكنيها، وفي ذلك ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في بيان الحال التي يدخل فيها أهل الجنة إلى الجنة: (أولُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجنةَ صورتهم على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، لا يبصقونَ فيها ولا يمتخطونَ ولا يتغوَّطونَ، آنيتهم فيها الذهبُ، أمشاطهم من الذهبِ والفضةِ، ومجامرهم الأُلُوَّةُ، ورشحهمُ المسكُ، ولكلِّ واحدٍ منهم زوجتانِ، يُرَى مُخُّ سوقهما من وراءِ اللحمِ من الحُسْنِ، ولا اختلافَ بينهم ولا تباغضَ، قلوبهم قلبُ رجلٍ واحد، يُسبحونَ اللهَ بكرةً وعشيّاً)، وعندما سمع رجلٌ من اليهود قول النبيّ -عليه السلام- أنّ المؤمنين لا يتغوّطون في الجنة سأله مستنكراً عن كيفية أكل الإنسان وعدم حاجته أن يصرّف بعض ما أكل، فأجاب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أهل الجنة تُقضى حاجتهم بعرق يُرشح من جلودهم ريحه مسك، تضمر معه البطون، وقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في وصفٍ آخرٍ في جمال أهل الجنة، وذلك في قوله: (يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكحَّلين بَنيِّ ثلاثٍ وثلاثين)، ومعنى قول النبي جرداً مرداً؛ أي ليس في لحاهم ولا أجسادهم شعراً، كما أنّ المتقين يتميّزون بنعيمهم في الجنة، بسبب إحسانهم في أحوال العسر واليسر، والشدّة والرخاء، والكفّ عن أذى الناس، وكظم غيظهم، والعفو عن الناس ومسامحتهم، وإذا صدر منهم أي فعلٍ قبيحٍ قابلوه بذكر الله، والتوبة، والاستغفار، والندم، مع عدم إصرارهم عليه.