كيف أبدأ حياة جديدة مع الله
الحياة الهانئة
إنّ البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأصولهم وأديانهم وعقائدهم يسعون إلى الوصول للسعادة في الحياة، وبعض الناس يظنّون أنّ السعادة تتحقّق بالمال ، والبعض يظنّ أنّها تتحصّل بالجاه والسلطة والسلطان، والبعض يعتقد أنّها تتحصّل بالذريّة والأولاد، إلّا أنّ كلّ ما سبق في الحقيقة لا يُوصل الإنسان إلى السعادة التي يطلبها، وقد أطلق الله تعالى وصف الحياة الطيبة على الحياة السعيدة في القرآن الكريم ، حيث قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفسّر الصحابي عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- الحياة الطيبة بالحياة السعيدة، وقد يعتقد البعض أنّ لحظات الفرح ذاتها لحظات السعادة، إلّا أنّهما في الحقيقة تختلفان عن بعضهما البعض، فالفرح من الأمور العابرة في حياة الإنسان، إلّا أنّ السعادة دائمةٌ في الحياة، وبعض الناس قد يسلكون الطرق الخاطئة في سبيل تحقيق السعادة، مثل: السعي في الحصول على المال، والإقبال على سماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، وتعاطي المشروبات المحرّمة؛ كالمسكرات والمخدرات، وغيرها من الطرق المحرّمة في الإسلام .
الحياة مع الله
يجب على العبد المسلم أن يكون مُستعيناً بالله تعالى، ومُتوكلاً عليه، ومفتقراً إليه، وطالباً العون منه على أداء العبادة، والوصول للهداية كذلك، كما يجب أن يكون العبد قبل كلّ ذلك مؤمناً، حيث قال الله تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، فالإيمان يجب أن يكون بالأفعال والسلوكات، وليس فقط بالأقوال والمظاهر الخارجيّة، مع الحرص على تنقية القلب من الشوائب والأمراض والأدران، وعدم تعلّقه بالأمور الماديّة، والشهوات والزلّات، وإنّما تعلّقه بالله تعالى، ومن الوسائل التي تُعين على ذلك قراءة القرآن الكريم بتدبرٍ وتمعّنٍ، والتفكّر في دلالات الآيات ومعانيها، والعمل بالأوامر التي نصّت عليها، فالقرآن الكريم دليل العبد للخروج من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى الحقّ، كما يجب على المسلم الاقتداء بالرسول عليه الصّلاة والسّلام، ومجاهدة النفس في سبيل تحقيق ذلك، والحرص على الاطلاع على سيرته، والسير على نهجه واتّباع سُنّته؛ ففي ذلك تحقيقٌ للأمن والطمأنينة والاستقرار، والاستشعار بمراقبة الله -عزّ وجلّ- في كلّ وقتٍ وحينٍ، والمداومة على ذكره وحمده وثنائه، وتذكّر نعمه على العباد، وربط كلّ الأفعال والأقوال به، وذلك بجعل الهدف من أيّ عملٍ؛ زيادة الصلة بين العبد وربّه وتقويتها، وطلب رضاه في الحياة الدنيا والآخرة ، ومن الطرق التي تحقّق للعبد الحياة السعيدة مع الله تعالى؛ معرفته الحقيقيّة به، ومعرفة الله تعالى لا يصل إليها العبد إلا بالعيش مع أسمائه وصفاته العليا، والحرص على تعلّمها، وتأمّلها، والتفكّر فيها، وتدبّر آثارها على الحياة، والإكثار من العبادات، وخاصّةً عبادة التفكّر، والعمل على القرب من الله تعالى بمختلف أنواع العبادة ، فالله تعالى يتعرّف على عبده بصفات ألوهيته وربوبّيته، فالواجب على العبد أن يحبّ الله تعالى حبّاً صادقاً، ويشتاق إلى لقائه، ويتنافس في القرب منه، ويتودّد إليه بطاعته، والالتجاء إليه، كما يجب على العبد العمل على تحقيق توحيد الربوبيّة لله تعالى، والتوكّل والاعتماد عليه، والذلّ والخضوع والاستسلام له والاستعانة به، والواجب على العبد أيضاً أن يستشعر عطاء الله تعالى في المنع، وحكمته في ما قدّر وقضى، وعطاءه في ستره ومغفرته، وحكمته فيما أمر به ونهى عنه.
التوبة
إنّ التوبة واجبةٌ على كلّ عبدٍ مسلمٍ ارتكب ذنباً، والتوبة واجبةٌ فوراً، فالله تعالى حثّ عليها العباد قبل الموت وفوات الفرصة، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، ولا تكون التوبة نصوحةً إلّا بتوفّر عددٍ من الشروط، وهي: إقلاع العبد عن الذنوب والمعاصي والخطايا، وندمه على ارتكابها، مع عزمه على عدم العودة إليها، كما بيّن بعض العلماء أنّه يجب على العبد إخلاص نيّة التوبة إلى الله تعالى، دون الخوف من أيّ سلطةٍ أو سلطانٍ، أو الحياء والخجل من الناس، فالغاية من التوبة يجب أن يكون متمثّلاً بالخوف من عقاب الله تعالى، وطلباً وسعياً في نيل الثواب الجزيل منه، ومن الجدير بالذكر أنّه يجب على العبد أداء حقوق العباد إن كان الذنب متعلّقاً بأيّ حقٍّ من حقوق العباد، كما يُشترط في التوبة أن تكون قبل الغرغرة، والمقصود بذلك أن تكون التوبة قبل حشرجة الروح في الصدر عند حضور الموت، حيث قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، كما يُشترط في التوبة أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من تاب قبل أن تطلُعَ الشمسُ من مغربِها، تاب اللهُ عليه)، ويُشترط أيضاً أن تكون التوبة قبل نزول وحلول العذاب من الله تعالى، وذلك إن كان القوم من العصاة الضالّين، فالأمم السابقة لم تقبل توبتهم بحلول العذاب عليهم، حيث قال الله تعالى مُخبراً عن حالهم: (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)، إلّا أنّ الله تعالى استثنى من الأمم السابقة قوم نوح عليه السّلام، وذلك لحكمةٍ إلهيّةٍ منه.