كم مدة القصر للمسافر
كم مدة القصر للمسافر
إنّ مسافة السفر التي يُباح بها للمسافر أن يترخّص بقصر الصلاة تُقدّر بواحد وثمانين كيلو متراً (81 كم)، وذلك بغض النّظر عن الوسيلة المستخدمة في السفر سواء كانت طائرة أو باخرةً أو سيارة، مع العلم أنَّه لا يجوز للمسافر القصر وهو لا يزال في بيته قبل الخروج للسفر، حتى إن نوى السّفر، بل لا بُد من الشّروع في السّفر والخروج من حدود البلد، لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: (صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- الظُّهْرَ بالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ معهُ العَصْرَ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ)، ويحقّ للمسافر أن يقصر الصلاة ما لم ينوِ الإقامة في البلد التي سيسافر إليها، أمّا بالنسبة للمدّة التي يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة فيها فبيان ذلك فيما يأتي:
- الحنفية: ذهب الحنفية وابن عباس وابن عمر إلى أنَّ المدّة التي يُشرع فيها قصر الصلاى للمسافر هي أقل من خمسة عشر يوماً، فإذا نوى أن يبقى في مكان سفره أكثر من هذه المدة فإنَّه يُعتبر مقيماً ولا يجوز له القصر، وإذا كان ينتظر شيئاً ومتردّداً في نيّته ولا يعرف متى سيرجع إلى بلده فإنَّه يقصر صلاته حتى لو طالت المدة.
- واستدلّ الحنفية على ذلك قياساً بمدّة الطهر من الحيض للمرأة، فكما أنَّ مدّة الحيض قُدِّرَت بخمسة عشر يوماً ثم يُعاد للأصل وهو الطّهر، وكذلك أقصى مدّة للسّفر تُقدر بخمسة عشر يوماً ثمَّ يعاد للأصل وهي الإقامة، واستدلوا على عدم تحديد مدّة القصر لمن ينتظر قضاء حاجة ولا يعلم متى سيرجع بما جاء عن جماعةٍ من الصحابة وعن ابن عمر أنَّه أقام بأذربيجان لمدة ستة أشهر، وظلّ يقصر الصلاة، وكذلك من كان في أرض حربٍ فإنَّه يقصر الصلاة حتى لو كان سيقيم أكثر من خمسة عشرة يوماً، وذلك لأنَّه لا يكون مستقراً فربما يُهزم فيفرّ، أو ينتصر فيستقرّ.
- المالكية والشافعية: ذهب المالكية والشافعية إلى أنَّ المدّة التي يُشرع فيها القصر للمسافر ثلاثة أيامٍ عدا يوميّ الدخول والخروج، لأنَّ يوم الدخول يرتّب به المسافر أمتعته، ويوم الخروج يجهّز فيه للرحيل، وكل ذلك يُعتبر من أشغال السفر، أما إذا نوى المسافر أن يُقيم في المكان الذي ذهب إليه أربعة أيامٍ فأكثر فإنَّه يُتمّ صلاته حال وصوله.
- واستدلّوا على ذلك لكون قصر الصلاة مشروطٌ بالضّرب في الأرض، أي عدم الإقامة، وقد بيّنت السنة النبوية ذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يُقِيمُ المُهَاجِرُ بمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا)، كما استدلّوا بفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عمرته، حيث بقي في مكة المكرمة مدة ثلاثة أيام وكان يقصر الصلاة.
- الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أنَّ المدة التي يُشرع فيها قصر الصلاة للمسافر أربعة أيام مع يومي الدخول والخروج، فقد ثبت في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: (قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مَكَّةَ صبيحةَ رابعةٍ مضت من ذي الحجَّةِ)، فأقام -عليه الصلاة والسلام- أربعة أيام في مكّة يقصر الصلاة؛ وهي الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم خرج من مكّة في يوم الخميس ذاهباً إلى منى.
ويجدر بالذكر أنّه إذا كان المسافر ينتظر قضاء حاجة في سفره دون أن ينوي الإقامة، بأن يكون متأهّبا للسفر في أي لحظة والرجوع إلى بلده دون تحديد يوم بعينه، فيجوز له قصر الصلاة مهما طالت هذه المدّة، وهو ما ذهب إليه المالكية والحنابلة، وإذا كان للمسافر حاجة وقد جزم أنا لن تتم في أربعة أيام فإنه يتمّ الصلاة عند الشافعية وإن لم ينوِ الإقامة، فإذا لم يجزم بمدّة قضاء حاجته فله أن يقصر الصلاة لمدّة ثمانية عشر يوماً.
مشروعيّة قصر الصلاة في السفر
شرع الله -تعالى- قصر الصلاة للمسافر، حيث فيها رفعٌ للحرج، ودفعٌ للمشقّة عن المسلمين، وللتسهيل والتيسير على المكلّفين، وهذا من سمات دين الله القويم، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، والأصل أنه يجوز القصر في حالة الأمن، حيث إن معظم أسفار النبي والمسلمين كان فيها الخوف من الفتنة والقتال، ودلّ على مشروعية قصر الصلاة حال الأمن أيضاً سؤال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قصر الصلاة، فقال النبيّ: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ)، ووقد ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: (صَحبت النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- حتى قُبِض فكان لا يزيدُ على ركعتينِ، وأبا بكر -رضيَ اللهُ عنهُ- حتى قُبِض فكان لا يزيدُ عليهما، وعمرَ وعثمانَ كذلك)، لذلك عدَّ معظم العلماء القصر سنّة ورخصة مع العلم أنَّه يجوز للمسافر أن يُتمّ صلاته، لكنَّ القصر سنّة لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أنْ تُؤْتى رُخَصُهُ، كما يَكرَهُ أنْ تُؤْتى مَعصيَتُهُ).
شروط قصر الصلاة للمسافر
هناك عدّة شروطٍ لقصر الصلاة في السفر، بيانها فيما يأتي:
- قطع المسافة المحدّدة: وقد تعدّدت آراء الفقهاء في تحديد هذه المدة على النحو الآتي:
- جمهور الفقهاء: يرى جمهور الفقهاء عدا الحنفية على أن مسافة السفر في الذهاب وحده ستة عشر فرسخاً، والفرسخ: يعادل ثلاثة أميال، والميل: يعادل ستة آلاف ذراعٍ بذراع اليد، وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً تقريباً، وتعادل بسير الإبل المُحَمّلة بالأثقال سيراً معتاداً مدة يومٍ وليلة، وليس شرطاً أن يقطع المسافر هذه المسافة بهذه المدّة، فلو قطعها بوقتٍ أقلّ كمن سافر بالطائرة صحّ منه القصر. واستثنى المالكيّة أهل مكة ومنى ومزدلفة من اشتراط قطع مسافة معينة لجواز قصر الصلاة إذا ذهبوا للوقوف بعرفة، فيُشرع لهم القصر في الذهاب والعودة إذا بقي عليهم عملٌ من مناسك الحجّ.
- الحنفية: قدر الحنفية المسافة التي تُجيز قصر الصلاة بالزمن، حيث قالوا إنَّ مسافة القصر لا تُقدَّر بالمسافة، وإنما بالمسير لمدة ثلاثة أيام من أقصر أيام السّنة من الصبح إلى الزّوال مشياً على الأقدام بشكلٍ متوسطٍ كمشي الإبل أيضاً، ولا يصح عندهم القصر بأقل من هذه المسافة، وقدّرها بعض علماء الحنفية بالفراسخ وقسّموها إلى ثلاثة مراحل، وقدروا المسافة بأربعة وعشرين فرسخاً.
- نيّة السفر: اتّفق الفقهاء على اشتراط وجود نيّة السفر لصحة القصر، واشترطوا لها أمران هما:
- أن ينوي المسافر قطع المسافة المحدّدة المُجيزة للقصر من أوّل سفره، فلو خرج المسافر دون أن ينوي قطع هذه المسافة فلا يجوز له القصر، وكذلك لا يقصر إذا غيّر نيّته أثناء سفره ونوى الإقامة. واشترط ذلك كل من الشافعية والحنابلة، بينما يرى المالكية أنّه يكفي نيّة القصر عند أول صلاةٍ يقصرها المسافر في سفره، ولا يلزمه تجديدها في كل صلاةٍ يُصلّيها، وقال الحنفية إنه لا تلزمه النيّة مطلقاً، لأنَّه بمجرد سفرة أصبح الفرض في حقّه ركعتين.
- أن يكون المسافر مستقلاً برأيه، فلا تصح نيّة التابع دون نيّة متبوعه، كالخادم مع السيد، والجندي مع الأمير، والزوجة مع الزوج ، حيث لا تصح منهم نيّة القصر دون نيّة متبوعهم عند جمهور الفقهاء عدا الشافعية، وأضاف الحنفية شرطاً ثالثاً؛ وهو أن تكون النيّة في السفر من شخصٍ بالغٍ ، فلا تجوز من الصبي، ولم يشترط الفقهاء الثلاثة ذلك.
- عدم الاقتداء بمقيمٍ مُتمٍّ: فإذا اقتدى المسافر بشخصٍ مقيم وجب عليه إتمام الصلاة معه أربعاً.
- إباحة السفر: بمعنى أن يكون السفر الذي يريد المسافر فيه القصر سفراً مباحاً غير محرّمٍ أو مكروهٍ، فمن سافر لسرقة مالٍ أو قطع طريقٍ فلا يقصر، ولو قصر لا تنعقد صلاته عند الشافعية والحنابلة، لكنّها تنعقد وتصح عند الحنفية ويأثم الشخص على المحرّم الذي فعله، ويصحّ عند المالكية القصر مع الإثم، أما السفر المكروه فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز القصر فيه، أما المالكية فقالوا يُكره القصر، أما الحنابلة فقد ذهبوا إلى عدم جواز القصر في السفر المكروه، ولو قصر لا تنعقد صلاته كالسفر المحرّم، أما إذا كان السفر مباحاً وارتكب المسافر فيه معصية فلا يُمنع من القصر.
- الخروج من العمران: اشترط الفقهاء الأربعة مجاوزة المسافر للأبنية والبيوت الموجودة في مكان الإقامة من الجانب الذي خرج منه، أما إذا كان هناك بيوت على الجانب الآخر فإنها لا تضرّ، حيث إن المعتبر جانب خروج المسافر، قال ابن المنذر -رحمه الله-: إنَّه لم يعلم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قصر قبل أن يخرج من المدينة، وللفقهاء تفصيلٌ في هذا الشرط على النحو الآتي:
- الحنفية: اشترط الحنفية مجاوزة البيوت والمساكن والقرى المتّصلة بالبلد، وحتى الساحات التي تخدم البلد كالمقابر ، وأماكن ركض الدّواب، وإلقاء التراب، أما البساتين والبيوت الخربة فلم يشترطوا مجاوزتها، وذلك لأنها لا تعتبر من العمران، ولم يشترطوا أن تغيب البيوت عن بصر المسافر، ومن يسكن في الخيام أو عند الماء أو المحتطب فلا بدّ من أن يتجاوزها.
- المالكية: فرَّقَ المالكية بين المسافر الحضري والبدوي والجبلي، فقالوا: إن كان المسافر حضرياً؛ أي يسكن قرية أو بلد أو مدينة، فلا يقصر الصلاة إلا إذا جاوز أبنيتها والساحات والبساتين المتصلة بها، أما المنفصلة فلا يُشترط مجاوزتها، أما البدوي؛ وهو الذي يسكن الخيام أو البادية، فإنَّه لا يقصر الصلاة إلا إذا جاوز الحيّ أو الدار الذي يسكن به، وهو الذي يشمل بيوت القبيلة والقبائل المتعاونة فيما بينها، أما الجبلي؛ أي الذي يسكن الجبل، فإنَّه يقصر الصلاة إذا جاوز مكانه ومحله، وأما بالنسبة لساكن البساتين؛ فإنَّه يقصر الصلاة بمجرد انفصاله عن مسكنه، ولا فرق إن كانت البساتين منفصله عن البلد أو متّصله به، أما ساكن القرية التي لا يوجد بها بساتين مسكونة، فإنَّه يقصر الصلاة إذا جاوز بيوت القرية والأبنية التي تكون في طرفها.
- الشافعية: ميَّز الشافعية بين البلد التي لها سور والتي ليس لها سور، فإن كان للبلد سورٌ فإنَّ المسافر يقصر الصلاة عند مجاوزته إيّاه، حتى وإن كان بعده عمران، أما البلد التي ليس لها سور فيبدأ المسافر بالقصر بعد مجاوزة آخر العمران والمقابر المتصلة بالبلد، أمَّا البساتين والمَزارع والبيوت الخربة فلا يُشترط مجاوزتها، أمَّا سكان الخيام فيقصروا إذا جاوزوا البيوت التي يجتمعون فيها للسمر، وإذا جاوزوا مرافق الخيام كمرابط الخيل، وملاعب الأطفال، أمَّا الشخص الذي لا يسكن أبنيةً ولا خياماً فيبدأ بالقصر عندما يفارق مكان سكنه والمرافق التي تخدمه، وكل ما سبق يكون في سفر البر، أمَّا في سفر البحر فالعبرة في مفارقة السفينة للأبنية المحاذية لها في نفس البلد.
- الحنابلة: اعتمد الحنابلة في تحديد مفارقة البلد وإباحة القصر على العرف، سواء فارق المسافر بيوت قريته العامرة، أو الخيام، وسواء كانت داخل السور أو خارجها، ولا يقصر إلا إذا فارق البيوت الخربة التي يتصل بها عمارات وبساتين مسكونة، وإذا كان هناك قريتان متقاربتان وبناؤهما متّصل فتعتبران كالمدينة الواحدة، فلا يقصر المسافر حتى يتجاوزهما، والمَلَّاح الذي يتّخذ سفينته مسكناً بحيث يسكن بها هو وأهله ويضع بها حاجاته لا يباح له الترخّص بأحكام السفر ؛ لأنَّه يعتبر مقيماً بها.
حكم قصر الصلاة في السفر
اتفق الفقهاء على مشروعية قصر الصلاة في السفر، وتعدّدت آراؤهم في حكمه كما يأتي:
- الشافعية والحنابلة: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ قصر الصلاة في السفر من الأمور الجائزة شرعاً من باب التخفيف على المسافر، بسبب ما يشعر به من مشقّة السفر عادةً، ولأنَّه هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره بركعتين.
- المالكية: ذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أنَّ قصر الصلاة في السفر سنّة مؤكدة.
- الحنفية: ذهب الحنفية إلى أنَّ قصر الصلاة في السفر فرض، فلا يجوز للمسافر أن يُتم صلاته الرباعية في سفره، وقد استدلوا على هذا الرأي بحديث عائشة -رضي الله عنها-: (فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ).
وقت انتهاء رخصة القصر للمسافر
ينتهي حكم السفر بثلاثة أمور، وبناءً عليها لا يجوز قصر الصلاة، وهي فيما يأتي:
- أن ينوي المسافر الإقامة في البلد الذاهب إليه مدّة محدّدة كما تمّ تفصيله في عنوان مدة القصر للمسافر.
- أن يرجع المسافر إلى المكان الذي بدأ السفر منه.
- أن ينوي المسافر الرجوع إلى المكان الذي سافر منه إذا لم يقطع مسافة السفر.