كم كان عدد المسلمين في غزوة أحد
عدد المسلمين والمشركين في غزوة أحد
بلغ عدد المسلمين في غزوة أحد ألف مقاتلٍ، وقيل كان عددهم تسعمئة، لكن قبل أن يدخل رسول الله وجيشه إلى أرض المعركة انسحب منهم ثلاثمئةٍ من المنافقين بقيادة عبد الله بن أُبيّ سلول، فأصبح عددهم ما يُقارب السبعمئة، وقيل إن رسول الله هو الذي أمرهم بالانسحاب والعودة بسبب كفرهم ونفاقهم، وسار رسول الله بجيشه بعيداً عن المدينة المنورة نحو ثلاثة كيلو متر، حتى وصل إلى أُحد، فنظّم الجيش، وجعل خلف ظهرهم جبل أحد، وأمر أصحابه بعدم مباشرة القتال حتى يشير لهم رسول الله بذلك، وجعل منهم خمسين من الرُّماة وأميرهم عبد الله بن جبير، وأمرهم بالتزام أماكنهم وعدم مغادرتها حتى لو رأوا النصر بأعينهم، ولبس النبيّ دِرعين.
وجعل مُهمّة الرُّماة رمي المشركين بالنّبال من أجل حماية المسلمين من الخلف، ومنْع المشركين من الاقتراب منهم، وجعل قائد إحدى الجانبين في الجيش الزبير بن العوام ، وعلى الجانب الآخر المنذر بن عمرو، أمّا جيش المشركين فتكوّن في غزوة أحد من ثلاثة آلاف مقاتل، حيث جمعت قريش كل من كان معها من بني كنانة وأهل تهامة، ومعهم مئتي فرس، وثمانية من النساء.
أسباب غزوة أحد
أراد مشركو قريش أن يُطفِئوا نار غيظهم وينتقموا للهزيمة التي أصابتهم في غزوة بدر، فبدأوا بالاستعداد لخوض غِمار المعركة ضدّ المسلمين، والتي تمثّلت في غزوة أُحد، وقد كان على رأس قريش؛ عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أُميّة، وأبو سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة، فقاموا باحتجاز العير التي كانت سبباً لغزوة بدر، وطلبوا من أصحاب الأموال التي في العير معاونتهم في حربهم ضدّ المسلمين والأخذ بثأرهم، فاستجابوا لهم.
والسبب الذي كان دافعاً لهم؛ هو سيطرة المسلمين على الطُّرق التي كانت تَسير منها قوافل تجارتهم إلى الشام، فرأوا أنّ في ذلك تدهوراً لتجارتهم التي تقوم عليها معيشتهم؛ لأنّ المسلمين قد غزو جميع الطُّرق، فعلمت قريش حينها أن قوّة المسلمين أصبحت شديدة، ولن تقدر على مواجهتهم أيّة قوّة، وأن القبائل المتحالفة معهم لا تستطيع مواجهة المسلمين، وفي المقابل من ذلك رأت قُريش أنّ الوثنيين واليهود وعرب البادية يشاركونهم في عداوة الإسلام، فاجتمعوا على ذلك الهدف ضدّ الإسلام والمسلمين من أجل القضاء عليهم.
وتوجّهت هذه الجموع قريباً من أحد في مكانٍ اسمه عينَين، وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة، فلمّا علم رسول الله ذلك استشار أصحابه بالخروج من المدينة ومواجهة العدوّ خارجها، أم المكوث في المدينة والتحصُّن بها، ومقاتلتهم على أزقّتها ومن فوق البيوت حين وصولهم إليها؟ وكان رأي النبي أن يبقوا في المدينة، ولكن أشار عليه مجموعةٌ من الصحابة ممّن لم يشهدوا بدراً أن يخرج من المدينة، فقام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى بيته ولبس درعه، وقال: (ما يَنْبَغِي لنبيٍّ لَبِسَ لَأْمَتَهُ أن يَضَعَها حتى يُحَكِّمَ اللهَ بينَه وبينَ عَدُوِّهِ).
أحداث غزوة أحد
استعداد المسلمين لمواجهة المشركين
رأى رسول الله في منامه رؤيا تتعلّق بغزوة أحد، فقال: (رَأَيْتُ في رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هو ما أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أحْسَنَ ما كَانَ، فَإِذَا هو ما جَاءَ به اللَّهُ مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، ورَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، واللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَومَ أُحُدٍ)، فلمّا علِم بمجيء قريش وبعد استشارة الصحابة، كان الرأي الخروج لمواجهتهم وعدم البقاء في المدينة، فخرج المسلمون رافعين رايةً سوداء، وثلاثة ألوية؛ لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولما رأى المسلمون جيش المشركين انسحب عبد الله بن أُبيّ بن سلول ومجموعةٌ من المنافقين شكّلوا ثلث الجيش.
وبعد أن وصلوا إلى أرض المعركة صفّ رسول الله الصفوف، وجعل ظهر الجيش نحو جبل أحد، ووجهه نحو المدينة، واستثنى صغار السن من القتال، وجعل خمسين من الصحابة بقيادة عبد الله بن جبير رماةً، وموقعهم فوق جبل عينين المقابل لجبل أحد، وجعل مهمّتهم حماية ظهور المسلمين ومنْع جيوش الكافرين من الالتفاف من خلفهم وغدرهم، وأَمَرهم بعدم ترك أماكنهم، وبدأ القتال وأبلى المسلمون بلاءً حسناً، فقتلوا العدد الكثير من المشركين، رغم شُحّ العدد والعُدّة لديهم، وبدأ الفريق الآخر بالتراجع، وبدأت تظهر علامات النصر لصالح المسلمين، فطمع الرماة بالغنيمة وطلبوا من قائدهم النزول عن الجبل، فحذّرهم لكنهم لم يطيعوا أمره، ونزلوا من أجل جمع الغنائم.
عودة القتال وتغيُّر سير المعركة
رأى المشركون بقيادة خالد بن الوليد أنّ ظهور المسلمين قد انكشفت، وأنّ الالتفاف عليهم أصبح مُتاحاً، فأحاطوا بالملسمين من الجهتين واختلفت أماكنهم، وسار القتال دون تنظيمٍ أو تخطيطٍ، وبدأت أعداد الشهداء تتزايد، وأنزل الله -تعالى- فيهم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ). واستمرّ المشركون بالتقدّم حتى وصلوا إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فجُرح في وجهه، وكُسرت رباعيّته السّفلى اليمنى، وضُرب بالحجارة حتى وقع في حفرةٍ كان أحد المشركين قد حفرها؛ ليكيد بالمسلمين، فأخذه علي -رضي الله عنه- من يدِه، واحتضنه طلحة بن عبيد الله، ثُمّ استشهد مُصعب، فأعطى رسول الله اللّواء إلى علي بن أبي طالب.
وقُتِل نحو عشرة من الصحابة دفاعاً عن رسول الله، وأُصيبت عين قتادة الظّفري وهو يُدافع عن رسول الله، فردّها رسول الله بيده وعادت صحيحة، وانتشرت شائعة بين المسلمين أن رسول الله قد مات، فانسحب كثيرٌ منهم وتراجعوا، ثم خرج النبيّ إليهم فعرفه كعب بن مالك، فنادى بالمسلمين أنّ رسول الله لم يمت. وأقبل وحشيّ الحبشيّ إلى حمزة بن عبد المطلب ، فرماه بحربةٍ فقتله، وعاد رسول الله ومن معه إلى الشِّعب الذي نزل فيه، فأقبل أُبيّ بن خلف إلى رسول الله على فرسٍ، وكان يزعم أنّه سيقتل رسول الله وهو عليه، فلمّا وصل إلى رسول الله قام الرسول بطعنِه فمات، ثم دخل وقت الصلاة ، فصلّى بهم رسول الله جالساً، وقد أنزل الله -تعالى- على المشركين النُّعاس، وأرسل ملائكةً تُقاتل مع رسول الله وأصحابه، فقد قال سعد: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ أُحُدٍ، ومعهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عنْه،عليهما ثِيَابٌ بيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ ما رَأَيْتُهُما قَبْلُ ولَا بَعْدُ).
فكان هذا اليوم يوم اختبارٍ وابتلاءٍ وتمحيصٍ، ميّز الله فيه المؤمن الحقّ عن المنافق، ونال الشهادة من أراد الله له ذلك، وأنزل الله في كتابه إحدى وستّين آيةً تتحدّث عن هذه الغزوة في سورة آل عمران، ابتدأت بقوله الله -تعالى-: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وبعد انتهاء الغزوة ندم المشركون على أنهم تركوا كثيراً من المسلمين دون قتلهم، فبلغ ذلك رسول الله، فنادى بالمسلمين فاستجابوا له رغم ما بهم من الجراح الشديدة، واشترط ألا يخرج إليهم إلا من شهد أُحداً، وسار بهم حتى وصل حمراء الأسد، فسمع أبو سفيان بأمر رسول الله فعاد إلى مكة المكرمة، واشترط على من معه أنّهم إذا مرّوا برسول الله ومن معه أن يخوّفوهم ويذكّروهم بأنهم يريدون أن يقتلوا من بقي منهم، فلما علم المسلمون قالوا: (حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).