كم عدد المشركين في غزوة حنين
كم عدد المشركين في غزوة حنين
وقعت غزوة حنين بعد فتح مكة ، وكانت تُسمّى غزوة أوطاس، وكان عدد المشركين في غزوة حنين عشرين ألفاً بقيادة مالك بن عوف النصري، وقد استعدّوا لهذه الغزوة استعداداً كبيراً جداً، فقد وضع مالك بن عوف خطّةً مُحنّكة للتّمكن من النصر على المسلمين، فرتّب الجيش بذكاءٍ، حيث وضع في مقدّمة الجيش الخيل، ثم المقاتلين، وخلفهم النساء والأطفال، ثم الإبل والغنم، ليضمن بهذا الترتيب عدم فرار المقاتلين من الغزوة، وليتقدّموا بكل ما أوتوا من قوة لكي يحفظوا عيالهم ومالهم، وقد خَطَبَ بالجيش قبل بدء الغزوة، ليزيد هممهم ويشحذها، وليشجّعهم على الثبات بأرض المعركة، وأَمَرهم أن يقتلوا كل من يخرج أمامهم، وأن يضعوا الكمائن بأرض المعركة حتى ينالوا من المسلمين، فيُبَاغِتوهم ويُضعِفوا تحرّكهم، ثم ينقضّوا عليهم، ولكنّ لُطف الله -عز وجل- أبطل هذه الكمائن، وأمرَ مالك جيشه بالبدء بالمعركة، حتى يكونوا هم المُهاجمين.
عدد المسلمين في غزوة حنين
كان عدد المسلمين في غزوة حنين اثني عشر ألفاً؛ عشرة آلاف من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وألفان من الطّلقاء الذين أطلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- سراحهم يوم فتح مكة، وثمانون منهم غير مسلمين، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو القائد بغزوة حنين، وقد خرجوا للغزوة في السادس من شوال، وقبل تجهيز جيش المسلمين أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبا حدرد الأسلمي إلى قوم المشركين، لمعرفة ما أعدّوا لهذه الغزوة من عددٍ وعُدّةٍ، فمكث بينهم يوماً أو يومين، ثم جاء للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخبر، وأعدّ المسلمون للغزوة أفضل عُدّة، حتى أن بعضهم قالوا: والله لا نُهزم اليوم من قلّة عددٍ أو عُدّة، واغترّوا بكثرتهم.
أحداث غزوة حنين
وصل مالك بن عوف قائد جيش المشركين هو وجيشه إلى وادي حنين قبل جيش المسلمين، وبدأ بتنفيذ الخطط التي وضعها، وقاموا بزرع الكمائن للمسلمين في طريقهم وعلى المداخل وفي المضائق، حتى يغزوا المسلمين فَوْر دخولهم لأرض المعركة بالسِّهام، ثم يهجموا عليهم بالسيوف، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ بتجهيز الرايات والألوية وتوزيعها على الجيش قبل الفجر، ثم نزلوا إلى وادي حنين، ولا علم لديهم بما فعله المشركين من الكمائن والتجهيزات، وبدأت غزوة حنين قبل شروق الشمس فَور دخول المسلمين للوادي، فانقضَّ جيش المشركين عليهم، وفوجئ المسلمون بكثرتهم وبهجومهم السريع والشديد، وأصاب المسلمين الهلع والخوف، فامتطوا دوابّهم وفرّوا مدبرين من أرض المعركة، ووقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدما رأى الفرار الكثيف من اليمين والشمال، فأمرَ العباس بأن يُنادي بالقوم: (فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَقالَ عَبَّاسٌ: وَكانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلتُ بأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟).
وقد بقي مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبو سفيان بن عبد المطلب والعباس -رضي الله عنهما- وعدد قليل من الصحابة؛ منهم علي بن أبي طالب ، وأبو دجانة، وعثمان بن عفان ، وأيمن بن عبيد -رضي الله عنهم جميعاً-، ومن النساء أم عمارة وأم سليم -رضي الله عنهما-، يقاتلن المشركين، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ثابتاً يقاتل المشركين، وينادي على المسلمين الفارّين، فعادوا وهم يهتفون: "يا بني عبد الرحمن" وكان هذا شعار المهاجرين، و"يا بني عبد الله" وكان هذا شعار الخزرج ، و"يا بني عبيد الله" وكان هذا شعار الأوس، ويا "خيل الله" وكان هذا اسم خيل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستمرّت المعركة فقَتَل المسلمون من المشركين ما قتلوا، وأَسَروا منهم ما أسروا.
احتدّ القتال بين المشركين والمسلمين، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفنة من التراب ورماها في وجوه الكفّار، ثم قال: (انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ)، فامتلأت عيون الكفّار بالتراب، وأمدّهم الله -عز وجل- المسلمين بجندٍ من عنده، حيث ملائكته ليمدّوا المسلمين ودبَّ الرعب بقلوب المشركين، وانهزموا شر هزيمة، ونزل قول الله -تعالى- في غزوة حنين: (لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولِهِ وَعَلَى المُؤمِنينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَم تَرَوها وَعَذَّبَ الَّذينَ كَفَروا وَذلِكَ جَزاءُ الكافِرينَ).
توزيع الغنائم في غزوة حنين
ولّى المشركون فارّين واختبؤوا بمنطقةٍ تسمّى أوطاس، وتكروا وراءهم غنائم كثيرة، فأرسل الرسول -عليه الصلاة والسلام- خلفهم أبو عامر الأشعري -رضي الله عنه-، فقاتلهم حتى استشهد، واستمرّ بعده ابنُ أخيه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- بالقتال إلى أن شتّت شملهم وهزمهم، وبعد أن حصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الغنائم لم يوزّعها فور انتهاء المعركة، بل ظلّ ينتظر بضع عشرة ليلة، لعلّ القوم يرجعوا إليه تائبين، فوضع النبيّ الغنائم في منطقة اسمها الجعرانة، وعيّن حارساً عليها، وذهب ليُحاصر مالك بن عوف ومن معه في الحصن الذي تحصّنوا فيه، وبعد أن طال الحصار ولم ينزل إليه أحد تركهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاد لتوزيع الغنائم، وكانت تبلغ أربعاً وعشرين ألفاً من الإبل، وأربعين ألف من الغنم ويزيد، وأربع آلاف أوقية فضة، وقسّمها على الطلقاء والأعراب الذين دخلوا في الإسلام جديداً، تأليفاً لقلوبهم ولتمكين الإيمان فيهم.
الدروس والعبر من غزوة حنين
هناك العديد من الدروس والعبر من غزوة حنين، وأهمها ما يأتي:
- ضرورة الاعتماد والتوكل على الله -عز وجل-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل قدوة لنا في ذلك، حيث كان يتجهّز للغزوات والمعارك بالعُدّة والعدد للتغلّب على العدو، ففي غزوة حنين استعد الرسول وأعدّ جيشه بكل ما استطاع، واستعار من صفوان بن أمية أسلحةً للجيش، ومما يدلّ على أهمية الاستعداد في الجهاد قول الله -تعالى-: (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُم)، وهذه الآية ترشد إلى الأخذ بالأسباب، ثم يكون التوكّل كاملاً على الله -عز وجل-، وكان هذا نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الخروج للغزوات والمعارك.
- غزوة حنين أضافت درساً مُكمّلاً لدرس غزوة بدر ، حيث إن غزوة بدر بيّنت للمسلمين أن قلّة عددهم مع استعدادهم وتوكّلهم على الله -عز وجل- وكثرة عدد المشركين ليس مؤشّر على خسارتهم في المعركة، وفي غزوة حنين كان عدد المسلمين كبير، وكان بين صفوفهم من قلّ توكّله على الله وتباهى بكثرة العدد، ففَرّ عددٌ كبيرٌ من المسلمين في بداية المعركة عندما بدأ المشركون بالقتال، وذلك دليلٌ على أن الكثرة ليست مؤشّراً للنصر، لكن بعد أن شعر المسلمون بذلك وعزموا وتوكّلوا على الله -عز وجل- استطاعوا أن يهزموا أعداءهم.
- ضرورة دراسة حالة أوضاع وأخبار العدو قبل التجهّز للمعركة وبدئِها، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أرسل عبد الله الأسلمي في غزوة حنين للتقصّي ومعرفة حال العدوّ.
- جواز استعارة القائد من المشركين عُدّة القتال لتجهيز الجيش، وقد يكون ذلك بمقابلٍ أو بدون مقابل، حيث أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صفوان بن أمية قبل إسلامه أسلحةً لغزوة حنين، وكان الرسول عند ذلك قائداً قويّاً، لا في موضع ضعفٍ وحاجة.
- صمود وثبات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أرض المعركة بعد أن فوجئ المسلمون بالكمائن التي وضعها لهم المشركين، وبهجوم المشركين عليهم هجوماً شديداً، فقد ظلّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- صامداً ثابتاً، فعاد المسلمون ليقاتلوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لِما رأوه من ثباته في المعركة.
- غاية الجهاد في سبيل الله هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولإرشاد الناس إلى طريق الحق والهداية، ودليل ذلك الحادثة التي حصلت بين الصحابة والرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد حصار الطائف ، حيث قالوا له أن يدعو على قوم ثقيف، فدعا لهم النبي بالهداية.
- كيفية التعامل مع المؤلفة قلوبهم في الإسلام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خصَّ مسلموا يوم فتح مكة بالغنائم، فلم يقسّم الغنائم بالتساوي عندها، وهذا دليلٌ على أن الحاكم يُقسّم حسب المصلحة، فكان من فائدة إعطاء المؤلفة قلوبهم، فأصبحوا يُعطون الزكاة للحاكم لكي يُعطي منها من يريد أن يؤلّف قلبه.
- محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشديدة للأنصار ، وبعد أن قسّم الغنائم تحدّث إليهم ووضّح لهمسبب تقسيمها على هذا النحو، حتى لا يظنّوا أنّه أهملهم بعدما أسلم أهل مكة، وذكر لهم فضلهم ومحبّته لهم.