أصل الوجود عند سقراط
أصل الوجود عند سقراط
يعد سقراط من أشهر الفلاسفة اليونان ، وأثرت أفكاره في فلسفة أفلاطون، ويلاحظ أن سقراط لم يؤلف كتبًا يمكن من خلالها الاستدلال على فلسفته مباشرةً، إلا أن أفلاطون ذكر في محاوراته التي دوّنها أنها محاورات سقراط التي كان يجريها مع تلاميذه وعامة الناس، ونقلها عنه، وهناك خلاف كبير بين الأكاديميين حول مدى دقة الأفكار الواردة في المحاورات فهل هي تعبر بالضبط عن سقراط، أم أنها سقراطية بصبغة أفلاطونية؟
إن الأشياء بالنسبة لسقراط ذات ماهية ويقصد بها حقيقة الشيء بما هو عليه، وذهب إلى أن غاية العلم وأصل الوجود هي التعرف للماهيات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن سقراط خالف التقليد الشائع في الفلسفات السابقة، فالفلاسفة السابقون بحثوا في أصل الوجود من خلال ما يعرف بالعنصر الأول، أو السبب الأول وأطلق عليه لاحقًا الأبيرون، إلا أن هذا العنصر مادي بحت، فطاليس ذهب إلى أنه الماء، وأنكسميناس قال بأنه الهواء.
الثورة السقراطية في الفلسفة
يمكن عد تفكير سقراط خارجًا عن المألوف، فذهب إلى أن حقيقة الأشياء ليست مادية، ولا يوجد سبب أولي للوجود، ومن خلال ذلك توصل إلى أن الأشياء تعرف من خلال وضع مفاهيم أساسية لها، فمثلًا لا يمكن الحديث عن الإنسان العادل دون وضع تعريف واضح للعدالة، لذلك كان سقراط من أكثر الناس تساؤلًا، واجتهد في وضع حدود للألفاظ والمعاني، فتكون الحدود مانعة وجامعة.
صنف سقراط الأشياء إلى أجناس وأنواع؛ لامتناع الخلط بينها، ويمكن الاستنتاج من ذلك أن سقراط أسس لإرهاصات المنطق ، فاشترط في محاوراته وضوح المفاهيم لفهم ماهية الأشياء في العالم، قبل أن يبدأ بالاستنتاج، ويمكن ملاحظة ذلك في أسلوبه في المحاورات التي كان يبدؤها بالسؤال عن مفهوم الأشياء.
على عكس السفسطائيين، وهم تيار من المفكرين الذين كانوا يدرسون نخب شباب أثينا على فنون الخطابة والجدل، فكانوا يستفيدون من المعاني المبهمة، ولا يكون أصل الأشياء واضحًا، وانتهى بهم الأمر إلى انعدام وجود أصل واضح للأشياء، ولا يوجد مقياس ثابت للحقيقة فالإنسان مقياس للأشياء وكل شيء نسبي بالنسبة له، لذلك عد الفلاسفة سقراط الفيلسوف الثائر على السفسطائيين.
أثر فلسفة سقراط في الوجود على أفلاطون
إن نظرية المثل الأفلاطونية تظهر مدى تأثر أفلاطون بمثالية سقراط، فسقراط عد المادة سجنًا للحقيقة، وأصل الوجود لا يوجد في العالم المادي ومن العبث إضاعة الوقت في البحث فيه، ومن ثم أكد أفلاطون على هذه الفكرة، فالعالم المادي ليس إلا انعكاسًا للحقيقة الموجودة في عالم المثل، والاعتقاد بصحة ما فيه ليس إلا تزييفًا للوعي، فالإنسان الحكيم لا يكون حكيمًا إلا إذا اتصل بعالم المثل.
النفس بالنسبة لأفلاطون كانت في عالم المثل قبل أن تتجسد، وعرفت معنى الحق، والخير والجمال، ومثال كل ما هو موجود في العالم المادي، مثلًا يوجد مثال للحصان، وهو الحصان الحقيقي.