كتاب تأويل مختلف الحديث
التعريف بكتاب تأويل مختلف الحديث
تأويل مختلف الحديث ؛ كتاب من تأليف ابن قتيبة، دافع فيه عن الحديث النبوي الشريف ضد نزعات الفلاسفة؛ ولهذا أطلق على مؤلفه لقب "لسان أهل السنة"، ويُعد هذا الكتاب من أهم كتب علوم الحديث لابن قتيبة، يقول المصحح الأول للكتاب إنّه قد وجد لهذا الكتاب أربعة أسانيد، إلا أنّ الرابع لم يكن سليمًا من التحريف والسقط.
أورد ابن قتيبة في هذا الجزء تحديدًا أنّه لم يكن على ثقة من كتابته، وقد أُثبتت الأسانيد الثلاث التي رُوجِعت وصُححت بالعودة إلى كتب التراجم وأسقط الرابع منها، ويُصنف هذا الكتاب ضمن المجموعة الثانية في الدفاع عن السنة النبوية، وعرض فيه ابن قتيبة مواضع الشُّبَه التي أثارت التناقض بينها وبين الأحاديث، أو التي يُظن بأنّها عارضت بعض الآيات، أو خرجت عن مبادئ العقل.
كما كشف ابن قتيبة عن الأدلة العلمية وفند المزاعم، وكشف قصور الفهم، وتطرق للتيارات الفكرية والمذهبية التي كانت موجودةً في القرن الثالث، فالكتاب يعرض المناظرات والمنازعات والحوار، فهو يُمثل سجلًّا تاريخيًّا يُغني الفكر الإسلامي، ويُعين على التمسك بالنافع والصالح، ونُشِر هذا الكتاب سنة 1418هـ، وعدد صفحاته هي 632 صفحة وهو غير مفهرس، ولغته اللغة العربية.
موضوعات كتاب تأويل مختلف الحديث
تناول ابن قتيبة ثلاثة أنماط من الأحاديث ما يأتي:
- الأحاديث التي ادعى عليها بالتناقض
هي الأحاديث التي تختلف في دلالاتها بما تحمله من تناقض ظاهر.
- الأحاديث التي تُخالف كتاب لله
هي الأحاديث التي قد تحمل نوعًا من اللبس مع بعض الآيات؛ لقصور في الفهم.
- الأحاديث التي يدفعها النظر والحجة
هي الأحاديث التي لا تتفق مع طبيعة العقل والمنطق والفكر السائد.
يدرس الكتاب علوم الحديث وبشكل خاص علم التأويل، فيبدأ ابن قتيبة في مقدمة الكتاب بوصف أصحاب الكلام، ويُظهر ما لديهم من أخطاء وتوجهات يصعب التخلص منها، وبعدها يتطرق لأصحاب الحديث ويُبين ما لهم من فضل وما لهم من أسلوب وطريقة في التحري في نقل الحديث، ثم يبدأ ابن قتيبة بعرض الأحاديث التي ادعى أهل الكلام فيها التناقض والاختلاف.
كما يُقدم ما يدفع التوهم في تناقضها ويعرض الأحاديث المُشكلة، ويُبين معانيها، فكان الكتاب متضمنًا لمختلف الحديث ومُشكِله أيّ ما يحتاج التأويل، وممّا يجب التنويه إليه في موضوعات الكتاب أنّها ليست مرتبةً في أبواب فقهية أو حسب الموضوع، وإنّما هي مدرجة دون نظم، مما يجعل الباحث في هذا الكتاب يجد صعوبةً عند قراءته.
منهج الكتابة في كتاب تأويل مختلف الحديث
استخدم ابن قتيبة في عرضه للكتاب منهجين على النحو الآتي:
منهج "عرض القضية على الصفة"
استخدم فيه المناقشة العامة للقضايا والإفاضة في تعقب أصحاب الطعن في الحديث، ونقض أقوالهم وأدلتهم، حيث عرض مقدمة لمثالب أهل الكلام، وعرض ما لديهم من الكذب والروايات المتناقضة، مما أسفر عنه تعادي الملسمين، فكفَّر ابن قتيبة بعضهم وعرض جملةً من الأحاديث التي تعلقت بها الفرق، وأخذتها نصرة لمذاهبها.
كما ذكر عددًا من الأحاديث التي استخدمها أهل الكلام على أهل الحديث، مثل: حديث عرق الخيل، وزغب الصدر، ونور الذارعين وغيره، من خلال ذكر مثالب أهل الكلام التي أردفها بذكر فضل أهل الحديث، وفضيلة الاقتداء بهم، وذكر المسائل التي نابذ فيها أهل الكلام بصريح الأدلة، وصريح النقل، وإجماع الأمة.
في عرضه للقضايا تكررت لديه عدة جمل، فتارةً يقول: "قالوا: حديثان متناقضان"، وتارةً يقول: قالوا: حديثان متدافعان متناقضان"، وتارةً أخرى يقول: "قالوا: حكم في... مختلف"، وقد يذكر الحديث وما يُعارضه بقوله: "قالوا رويتم أن.... ويروي الحديث، ثم رويتم أن.... ويروي الحديث المعارض" ثم يقول هذا اختلاف وتناقض، أو هذا اختلاف، أو هذا كله مختلف ولا يُشبه بعضه بعضًا.
منهج تقديم جواب درء التعارض
بعد عرض القضية على الصفة يستخدم ابن قتيبة الجواب نافيًا أن يكون ثمة تعارض بين الأحاديث، ثم يُقدم الأدلة والبراهين والحجج من خلال خطوات متتابعة.
آراء نقدية حول كتاب تأويل مختلف الحديث
يأتي عرض بعض الآراء النقدية حول كتاب "تأويل مختلف الحديث" لعدد من العلماء على النحو الآتي:
- السيوطي
قال: "صنف ابن قتيبة في مختلف الحديث فجاء بأشياء حسنة، وأشياء غير حسنة، قصر فيه باعه لكون غيرها أولى وأقوى منها، وترك معظم المختلف"، واتهم السيوطي ابن قتيبة برواية بعض الأحاديث غير المعقولة ، وفعل مثل ذلك علماء الحديث منهم: الحاكم وابن حجر، ويُعد هذا الحكم غير مفسَّر، أيّ أنّه غير مصحوب بالأدلة أو البراهين والحقائق.
- ابن فورك
اتهم ابن قتيبة بأنّه لم يصب القول في التأويل، فيقول إنّ ابن قتيبة يحمل الألفاظ على ظاهرها، ولا يتأولها بالمعنى الصحيح، فهو يأخذ بالنص على ظاهره مع التفويض الكلي في العلم به إلى الله.
- ابن الجوزي
انتقد مذهب ابن قتيبة في تأويل الحديث بأكمله وعده قبيحًا، إلّا أنّ هذا المذهب في تأويل النص ارتضاه السلف.
أهمية قراءة كتاب تأويل مختلف الحديث
كتاب "تأويل مختلف الحديث" له قيمة علمية لا بُد للدارس أن يحرص على اكتسابها، فهو الدليل الذي من خلاله يُمكن التخلص من أيّ لبس أو اشتباه في الأحاديث، حيث يُقدم كافة الخلافات الكلامية بين الفرق، وينفي التعارض فيما بينها، وهو أساس معتمد في الدراسة عند أهل الحديث والتاريخ والفقه.
هنالك أهمية عامة يُمكن اكتسابها من قراءة الكتاب تتلخص فيما يأتي:
- اعتبار هذا الكتاب دليلًا تفسيريًّا لعلم الحديث والفقه .
- فهم نصوص الحديث وكيفية التعامل معها.
- إمكانية التعرف على أسباب الخلاف بين الأقوال.
- تطوير القدرة على الترجيح بين الأقوال.
- العمل على رد الشبهات التي تطعن بالسنة، فهو سلاح للدفاع عن العقيدة والدين.
مقتطفات من كتاب تأويل مختلف الحديث
يأتي عرض لمقتطفات من كتاب "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة متبوعًا بالتأويل؛ لِتُبين منهجه وطرق دفاعه عن السنة؛ بما يُحقق فهمًا واضحًا للمتلقي، ومنها الآتي:
المقتطف الأول
الرواية : "قالوا: حديثان متناقضان في تفضيل النبي: قالوا: رويتم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: لا تُفضِّلوني على يونس بن متى، ولا تُخيروا بين الأنبياء. ثم رويتم أنّه قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر. قالوا: وهذا اختلاف وتناقض.
التأويل: قال أبو محمد ونحن نقول: إنّه ليس ههنا اختلاف وتناقض، وإنّما أراد أنّه سَيدُ ولد آدم يوم القيامة؛ لأنّه الشافع يومئذ، والشهيد، وله لواء الحمد والحوض، وهو أول من تنشق عنه الأرض. وأراد بقوله لا تُفضِّلوني على يونس طريق التواضع، وكذلك قول أبي بكر -رضي الله عنه- وليتكم ولست بخيركم.
وقد قال الله تعالى: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}، وفي الآية ما يدل على أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أفضل منه؛ لأنّ الله تعالى يقول له لا تكن مثله. وذلك على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله طريق التواضع، ويجوز أنّ يُريد لا تُفضلوني عليه في العمل فلعله أكثر عملًا مني، ولا في البلوى والامتحان فإنه أعظم مني".
المقتطف الثاني
الرواية: "قالوا: حديثان متناقضان في دخول الجنة والنار. قالوا: رُويتم عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنّه قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. ثم رويتم: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى أو سرق. والزنا والسرقة أعظم عند الله من مثقال حبة من خردل من كبر. قالوا: وهذا اختلاف.
التأويل: قال أبو محمد: ونحن نقول: إنّه ليس ههنا اختلاف، وهذا الكلام خرج مخرج الحكم. يُريد ليس حكم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أن يدخل النار، ولا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أن يدخل الجنة؛ لأنّ الكبرياء لله تعالى، ولا تكون لغيره. فإذا نازعها الله تعالى لم يكن حكمة أن يدخل الجنة والله تعال يفعل بعد ذلك ما يشاء".
إنّ كتاب "التأويل في مختلف الحديث" يُساعد على فهم نصوص الحديث وكيفية التعامل معها، وهو مرجع مهم لدراسي علم الفقه والتفسير، إذ يُصنف هذا الكتاب ضمن المجموعة الثانية في الدفاع عن السنة النبوية.