كتاب الحيوان
التعريف بكتاب الحيوان
هو كتاب من تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصريّ المعتزليّ المتوفى سنة مئتين وخمس وخمسين من الهجرة، ولا تشير المصادر إلى سنة محددة في تأليف الكتاب إلّا أنّ ذلك قد كان في أواخر حياته على خلاف في تحديد ذلك، وقد نشر الكتاب بتحقيق عبد السلام هارون سنة (1357هـ) في أربعة مجلدات، وثمانية أجزاء.
يُعدّ كتاب الحيوان للجاحظ من الكتب الموسوعيّة، فالجاحظ يذكر في كتابه مسائل نحويّة وصرفيّة وطبيّة وتاريخيّة ونكت بيانيّة وأشعار وأنثار بديعة وغيرها؛ لذا ذاع صيت كتابه في حياته واشتهر حتى إنّه لم يتمكّن من تصويب خطأ في نسخة منها، فالكتاب معلمة واسعة وصورة ناصعة تظهر سعة الثقافة في العصر العبّاسيّ، وقيل: قد ألّف الجاحظ كتابه لمحمد بن عبد الملك الزيّات المتوفى سنة (233هـ).
سبب تسمية كتاب الحيوان بهذا الاسم
سمّى الجاحظ كتابه بالحيوان؛ لأنّه يبحث في مسائل الحيوان من حيث ما بلغَه عنها من علم، ومن حيث اعتقادات العرب فيهم مستدًلّا على كلامه بالشعر العربيّ ونثره وما سبقه من كتب بحثت هذا الكتاب، وبما رآه هو واستنبطه منها، وبما سمعه من الحكماء والفلاسفة وأصحاب الحيوانات.
ملخص كتاب الحيوان
امتاز كتاب الحيوان الذي صنّفه الجاحظ بالعديد من المزايا، فمنها:
- عدم ترتيب كتابه وسيره على نظام واحد، بل كان مُكثرًا من الاستطراد والتفريعات.
- غلبة الشعر والأدب على كتابه، وندرة الحديث والفقه والتفسير فيه.
- قلة الأخبار التاريخيّة التي يرويها الجاحظ في كتابه.
- عدم تسليمه بأقوال أرسطو في الحيوان، بل كان ممحصًّا لأقواله، وكان يحتجّ عليه بالشعر العربيّ.
- اتكاؤه على الكتاب والسنّة في الاستدلال.
- عرضه للنزاعات التي كانت بين المتكلمين من المعتزلة وغيرهم.
يُعدّ كتاب الجاحظ كتابًا أدبيًّا بالدرجة الأولى، فهو يشتمل على مقالات أدبيّة تبحث في الحيوان وأجناسه وطباعه وأحواله، وكان يستدلّ على كلامه بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وأبيات الشعر والحكم والنوادر والقصص وغيرها، ويمكن القول إنّه كتاب نثر علميّ بأسلوب أدبيّ، يكتبه قلم الجاحظ واسع الثقافة، والكتاب في سبعة أجزاء أبرز مواضيعه:
- أقسام الكائنات: قسّم فيها الجاحظ ما في العالم إلى قسمين: نام وجامد، ثمَّ قسَّم النامي إلى حيوان ونبات، ثم قسّم الحيوان إلى أربعة: سابح وطائر وزاحف وماشٍ.
- وسائل البيان: بيّن الجاحظ أن وسائل البيان على خمسة أقسام: لفظ وخطّ وعقد وإشارة ونصب، ثمّ استطرد في ذكر النصبة وما فيها من أعاجيب شاهدة عليه.
- أهميّة الاجتماع والبيان لحياة الإنسان: أوضح الجاحظ حاجة الناس إلى بعضهم، وأهميّة البيان بكونه الوسيلة التي يكون تواصل الناس بها.
- فضل القلم والكتابة: نوّه بقدر القلم المنيف، وبأنّ الله أعلى من شأنه، وكذلك حال الكتابة فلولاها لبطل أكثر العلم ولحرم الناس من نفع عظيم.
- فضل الكتب وجمعها: عدّد الجاحظ فوائد الكتاب موازنًا إيّاه بالصديق وبغيره، وذكر أخبارًا عن جمَّاعٍ لكتب كثيرة لشدّة حبّها لها.
- حرص الزنادقة على تزويق كتبهم: ذكر صفة لكتب الزنادة أنّها تكون مزوّقة معتنًى بورقها وخطوطها وتجليدها.
- تخليد العرب لمآثرها: ذكر أنّ العرب قد نافست العجم في ما خلّدت به مآثرها مثل البنيان وامتازت عنهم بالشعر.
- تاريخ الشعر العربيّ: أرّخ له بأنّه قد كان قبل مولد النبي -عليه الصلاة والسلام- بمئتي سنة على الاستظهار.
- الخصاء في الحيوان والإنسان: بين بأنّ الخصيّ يعرض له تغيرٌ في الصوت والشعر وغير ذلك لمّا يصير خصيًّا، وبيّن محاسنه ومساوئه.
- المفاضلة بين الكلب والديك: وقد غلبت هذه المفاضلة الأدبية والكلامية على أكثر الجزء الأوّل والثاني.
- ذكر خصال الحرم: ذكر خصال الحرم التي يقصد بها ذات الحرم، والخصال التي يمتاز بها في ما يتعلّق بمن فيه وما فيه.
- بيان صفات الحمام: أكثر الجاحظ من عرضه للحمام، فذكر ما يتعلّق بها في خلقتها، وما تتميّز به من جهة فطرتها، وما يتعلّق بها من جهة تربيتها.
- أقسام النيران: عرض الجاحظ أقسام النيران من حيث أجناسها ومواضعها، وما يلحقها من جهة الديانة والتقديس والتعظيم ونحو ذلك.
- رؤية الغيلان وسماع عزيف الجنّ: ذكر في كتابه أخبارًا كثيرةً للجنّ والغيلان والسعالي وغيرها مما تعتقده العرب؛ لأنّها من جنس الكائنات وإن كانت غير حقيقيّة.
آراء نقدية حول كتاب الحيوان
لم يتّفق النقاد في نظرتهم إلى كتاب الحيوان خاصّة وإلى أسلوب الجاحظ في كتاباته عامّة، فمنهم من أثنى على الكتاب وعدّه من المفاخر العربيّة، ومنهم من كان على خلاف ذلك بأن جعل أسلوب الجاحظ مظهرًا لاضطرابه لا لتفوّقه، ومن الآراء النقديّة التي قيلت عنه ما يلي:
- قال عبد السلام هارون عن كتاب الحيوان: هو فضل للجاحظ على جميع من سبقه أو عاصره ممّن كتب في الحيوان.
- قال محمد عبد المنعم خفاجي: كتابه هو أوّل كتاب عربيّ عن الحيوان.
- قال عبد الحميد بلبع: إن الجاحظ كان من ذلك الصنف من الناس الشديد الحيويّة المتدفق الحس بمظاهر الحياة حوله السريع الاستجابة لما تفيضه هذه الحياة عليه.
- قال شوقي ضيف: إنّ الاستطراد الذي اتخذه الجاحظ في أسلوبه ليس إلا مظهرا من مظاهر الاضطراب والخلل اللذين وقع فيهما الجاحظ في أخريات حياته؛ بسبب علّته ومرضه.
اقتباسات من كتاب الحيوان
يمتلئ كتاب الحيوان للجاحظ بالأخبار والأشعار والحكم والنوادر والمسائل العلمية والفلسفيّة والأدبيّة، ومن أبرز ما يمكن اقتباسه من كتابه ما يلي:
- قوله يصف كتابه: "وهذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه العرب والعجم، لأنه وإن كان عربيّا أعرابيًّا، وإسلاميًّا جماعيًّا، فقد أخذ من طرف الفلسفة، وجمع بين معرفة السماع وعلم التجربة، وأشرك بين علم الكتاب والسنة، وبين وجدان الحاسّة، وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيوخ، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعب ذو اللهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحزم، ويشتهيه الغفل كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبيّ كما يشتهيه الفطن".
- قوله في عادة الاستنباح عند العرب: "الرجل إذا كان باغيًا أو زائرًا، أو ممّن يلتمس القرى، ولم ير بالليل نارًا، عوى ونبح، لتجيبه الكلاب، فيهتدي بذلك إلى موضع الناس".
- قوله في دهاء أميّة بن أبي الصلت: "كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف من دهاة العرب، وقد بلغ من اقتداره في نفسه أنّه قد كان همّ بادّعاء النّبوة، وهو يعلم كيف الخصال التي يكون الرجل بها نبيًّا أو متنبّيًا إذا اجتمعت له، نعم وحتّى ترشّح؛ لذلك بطلب الرّوايات، ودرس الكتب، وقد بان عند العرب علّامة، ومعروفًا بالجولان في البلاد، راوية".
- قوله في الفرق بين سرعة الصوت والضوء: "ومتى رأيت البرق سمعت الرّعد بعد، والرّعد يكون في الأصل قبله، ولكنّ الصّوت لا يصل إليك في سرعة البرق؛ لأنّ البارق والبصر أشدّ تقاربًا من الصّوت والسّمع، وقد ترى الإنسان، وبينك وبينه رحله فيضرب بعصا إمّا حجرًا، وإمّا دابّة، وإمّا ثوبًا، فترى الضّرب، ثمّ تمكث وقتًا إلى أن يأتيك الصّوت".