قيام الليل عند الصحابة
قيام الليل عند الصحابة
بيّن الله -عزّ وجلّ- من خلال آيات القرآن الكريم والسُّنة النبويّة الشريفة أفضليّة الليل على النهار؛ لأن فيه قيام الليل، تلك العبادة العظيمة التي حرص عليها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، ومَن بعدهم من عباد الله الصالحين ، ففي ذلك الوقت من اليوم يتنزّل الله -سبحانه وتعالى- إلى السماء الدُّنيا، ويستجيب لعباده السائلين، ومن ذلك:
- روى أبو عثمان النهديّ -رضي الله عنه- فيقال: (تضيَّفتُ أبا هريرةَ سبعًا فكان هو وامرأتُه وخادمُه يقسِمون اللَّيلَ ثلاثًا يُصلِّي هذا ثمَّ يوقظُ هذا)، وقد كانوا يتلذّذون بأداء العبادات ويتسابقون إليها، واتّخذوا قيام الليل وسيلةً تُحبّبهم في الحياة الدنيا.
- صحّ عن عمر بن الخطاب أنّه حين كان يمرُّ بورده من الليل فتؤثّر به الآية كأنّما يُغشى عليه، وكان يُسمَع لعبد الله بن مسعود صوتاً كصوت النحل في القيام وهو يردّد الآيات.
- كان عثمان يقرأ القرآن كاملاً في ليلةٍ واحدة ولا يدري عن نفسه.
- كان عبد الله بن عمر يصلّي الليل كاملاً إن فاتته صلاة العشاء جماعة. وكلّما صلّى ركعتين يسأل نافعاً إن كان قد أتى وقت السحر، فإن قال له لا صلّى ركعتين أخريتين،
- حرص الصحابة على القيام حتى كأنّه فُرِض عليهم، ومنهم من أصابه الجهد فيه، مثل ما روت عائشة أن زينب ربطت في المسجد حبلاً تتكئ عليه في قيامها حين تتعب، فلمّا رآه رسول الله سأل عنه، فأخبروه عن أمرها، فأمر بقطعه، وأوصاهم بالقيام قدر الإستطاعة، وعدم المشقة في العبادة.
وواظب الصحابة على القيام في شهر رمضان ؛ طمعاً في الأجر المترتّب عليه، وابتغاءً في تحقيق قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، وإرادة منهم بتحصيل الأجر العظيم الذي أعدّه الله -تعالى- لعباده في ليلة القدر ، ويدخل في قيام الليل في شهر رمضان صلاة التراويح، فقد قال -عليه السلام-: (إنَّهُ من قامَ معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ كُتِبَ لَه قيامُ ليلةٍ)، وروى السائب فقال: (أمر عمرُ أُبَيَّ بنَ كعبٍ، وتَمِيمًا الدَّارِيَّ أن يَقُومَا للناسِ في رمضانَ بإحْدَى عَشْرَةَ ركعةً، فكان القارئُ يقرأُ بالمِئِينَ، حتى كنا نَعْتَمِدُ على العَصَا من طولِ القيامِ، فما كنا ننصرفُ إلا في فُرُوعِ الفجرِ)، وكان ابن عمر يقوم الليل في بيته، حتى ينصرف الناس إلى بيوتهم، فيأخذ الماء ويتوجّه إلى المسجد، ولا يخرج منه إلّا بعد صلاة الصبح، وأخبرت عائشة عن حرص رسول الله على قيام الليل، فلو كان مريضاً صلّاه قاعداً، وكان يجهر ويسرّ في الصلاة، وكذلك أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
آداب قيام الليل
إنّ من آداب قيام الليل ما يأتي:
- استحضار النيّة، والاستعداد لذلك من خلال الوضوء قبل النوم، وأن ينوي المسلم بنومه أن يستريح لكي يقدر على القيام، فيأخذ الأجر على نومه، وذكر الله عند الاستيقاظ من النوم، فإن رسول الله قال: (من تعارَّ من اللَّيلِ فقال حين يستيقظُ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، سبحان اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبرُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ، ثمَّ دعا ربِّ اغفِرْ لي غُفِر له، قال الوليدُ أو قال دعا استُجِيب له، فإن قام فتوضَّأ ثمَّ صلَّى قُبِلت صلاتُه)، فإن فاتته الصلاة وغلبه النّوم كَتب الله له أجر الصلاة كاملاً.
- الاستياك عند القيام من النوم، فإن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يفعل ذلك.
- التنويع في القراءة أثناء القيام ما بين القراءة السريّة والجهريّة، فقد مرّ رسول الله على أبي بكر في القيام فأمره برفع صوته، ومرّ على عمر فأمره بخفض صوته، فبحسب الحال إمّا أن يقرأ بالجهر أو السر.
- القراءة المُتأنيّة التي تساعد على تدبّر الآيات ، واستشعار نزول الله -تبارك وتعالى- في الثُّلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله، فيغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين، ويعطي السائلين.
- البدء بقيام الليل بأداء ركعتين يفتتح بهما المسلم صلاته، فقد قال رسول الله: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، ويفضل أن يكون قيام المرء في بيته، كما كان يفعل رسول الله ويوصي به.
- الاستمرار على قيام الليل والحرص على عدم قطعه، وأن يجعلَ المسلم له ركعات معدودة ثابتة في كل ليلة، فإن كانت له القدرة أدّاها كاملة، وإن لم يستطع خفّفها، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّت، كما يجعل له مقداراً ثابتاً من القرآن يقلله أو يزيده بحب قدرته، ويختم صلاته بركعة الوتر، تأسّياً بقول رسول: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)، ويجعل وقت السّحر للاستغفار.
- إيقاظ الأهل من أجل القيام، كما كان يفعل رسول الله فيُوقِظ عائشة، فإن قام الرجل يوقظ امرأته، وإن قامت المرأة تُوقِظ زوجها.
- جواز القيام جماعةً مع المسلمين، أو صلاة المسلم منفرداً، فإنّ رسول الله صلّاها مُنفرداً وجماعة، لكنّه كان يُفضِّل أن يكون فيها وحده في بيته؛ ليكون ذلك أقرب إلى تحقيق الإخلاص لله -تعالى-.
- الإطالة في القيام والإكثار من عدد الركعات، إن لم يسبّب ذلك مشقّة على المسلم، كما أنّ الله -عزّ وجلّ- يرفع عبده درجةً ويمحي عنه سيئةً بكُلِّ سجده يسجدها له، كما أن السجود من أكثر المواضع التي يكون فيها العبد قريباً من ربّه، ويصلّي المسلم ركعتين ركعتين، والأفضل فيها أن يصلّيها قائماً، إلّا إن تعذّر قيامه، صلّاها قاعداً وله مثل أجر القائم.
- النوم على الجانب الأيمن، والحرص على قراءة أذكار النوم .
فضل قيام الليل
إنّ لقيام الليل الكثير من الفضائل التي ينالها صاحبها، ومن هذه الفضائل:
- صفةٌ من صفات عباد الله المؤمنين المتّقين، ومن أعظم العبادات التي حثّت عليها نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والتي تُقرّب العباد من خالقهم وجنّاته، وتبعدهم عن عذابه، وهي سُنّة مؤكدة، وقد ذكر الله -تعالى- صفة قيام الليل من خلال ذكره لصفات أهل الإيمان، فقال: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
- تمكين الإيمان ، والمساعدة على أداء الكثير من العبادات الأخرى، لما لها من الأثر على حال المسلم وقلبه، كما أنّها أفضل الصلاة في المكانة بعد صلاة الفريضة، والدخول ضمن دائرة عباد الله الأبرار، في قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).
- تساعد في الابتعاد عن الفتن والنجاة منها.
- تفضيل القوّامين عند الله على غيرهم من العباد، لقوله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
- شرف المؤمن في قيام الليل، فقد أتى جبريل لرسول الله، فقال: (يا مُحمَّدُ! عِشْ ما شِئتَ فإنَّك مَيِّتٌ، وأحْبِبْ من شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُه، واعمَل ما شِئتَ فإنَّك مَجْزِيٌّ بهِ، واعلَم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استِغناؤُه عن النَّاسِ).
- قيام الليل تغذيةٌ للروح؛ لما فيه من اختلاء العبد بربّه في الليل، وفيه الجمع بين الكثير من العبادات؛ كالصلاة، والقرآن، والدعاء ، والمناجاة، والانكسار بين يدي الله -تعالى-.
- وسيلةٌ يُعبِّر فيها العبد عن شكره لله -تعالى-، فقد حرص رسول الله عليه رغم أنّ الله -تعالى- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وحين سألته سيدتنا عائشة عن سبب طول قيامه، أخبرها أنه يُحبُّ أن يكون عبداً شكوراً.