قوة الصلة بالله
علاقة الإنسان بالله
يحرص الكثير من الناس على إقامة الصداقات والعلاقات مع الآخرين، وإيجاد الروابط فيما بينهم، فقد اهتم الكتاب بتأليف العديد من الكتب التي تتضمن طرق التعامل مع الناس، وأُقيمت في ذلك الكثير من الدورات، ومن الجميل أن تحظى هذه الأمور بالاهتمام من قِبل الإنسان؛ إذ هو مدنيّ بطبعه، لا بدّ له من العلاقات ومن أن يألف الناس ويألفوه، ولكن الأولى من علاقة الإنسان مع الآخرين هي علاقته مع الله، فهي التي تصل بالإنسان إلى السعادة والفوز والفلاح، وهي الأصل الذي ينبع منه صلاح علاقة الإنسان مع الآخرين، فإن كانت صالحة صلحت غيرها من العلاقات، وإن كانت فاسدة فغيرها فاسد، فقد كتبت عائشة -رضي الله عنها- لمعاوية بن أبي سفيان حين طلب منها أن تُوصيه، فردّت عليه قائلة: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ).
فترى من الناس مَن إذا ذُكر اسمه أثنى عليه الناس، وإذا حضر أقبلوا عليه، يمدحوه ويثنوا عليه، وربما لم يجالسوه ولم يتعاملوا معه، ويعود السبب في ذلك إلى علاقته القائمة مع الله مما يؤدي إلى أن يحبه الله تعالى، فإن الله إذا أحب عبداً من عباده نادى جبريل ليحبه، ثم نادى أهل السماء ليحبوه، ويُلقي محبته بين أهل الأرض، والعكس في ذلك إن كره الله عبداً من عباده. والعلاقة مع الله لن تطيب إلا بمجاهدة المرء نفسه على ترك الذنوب، فالذنوب هي التي تجلب الكروب مما يؤدي إلى سخط الله، فتؤثر على علاقة الإنسان بربه وقربه منه، أما إن صلحت علاقته مع الله تيسرت أموره وأُجيبت دعواته، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ).
تقوية الصلة بالله وآثارها على النفس
إن النفس هي مصدر السلوك والتوجيه، وذلك بحسب ما يُملى عليها من أفكار وعواطف، وإن الاعتناء والاهتمام بالنفس من الأمور التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، كما أنها لا تتعارض مع مطالب العقل والجسد؛ إذ ينبغي على الإنسان أن يوازن بين هذه الجوانب في مطالب كل منها حتى تتحقق إنسانيته وتكتمل بشريته، وعليه فإن القرآن الكريم اعتنى بالنفس اعتناءً خاصاً، وذلك من خلال تصحيح العقيدة الإسلامية وربط الإنسان مباشرة مع ربه، من خلال الإكثار من ذكر الله ، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ).
فإن ذكر الله له تأثير كبير على تصرفات الإنسان وتهذيب انفعالاته تجاه كل ما يواجهه، فالإنسان بطبيعته وفطرته مجبول على الجزع وشدة الحرص، إن أصابه المكروه والعسر كان كثير الجزع والأسى، وإن أصابه اليسر كان كثير المنع والإمساك، إلا المقيمين الصلاة المحافظين على أدائها؛ حيث لا يشغلهم عنها شاغل ولا يمنعهم من أدائها مانع، والذين في أموالهم نصيب معين فرضه الله عليهم يؤدونه حقّ الأداء، وهو الزكاة، كما يؤمنون بوجود اليوم الآخر وما فيه من الحساب، فيستعدون له بالأعمال الصالحة، ويخافون من عذاب الله الذي لا يأمنه أحد، إلى غير ذلك من الصفات الواردة في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ...).
فهذه الآيات تبيّن حقيقة الإنسان الأصيلة بتصوير من خالقها، ومن المعلوم أن هذه العبادات لا تحقق أثرها في الشخصية المسلمة إلا بالدوام والحرص عليها، والاستمرار على أدائها، لأنها بمثابة الغذاء للقلب والروح، وكما هو غذاء الجسد لا تظهر آثاره ومنافعه إلا بالدوام والانتظام، فكذا العبادات يجب الدوام عليها، فمثلاً الصلاة؛ المحافظة عليها في أوقاتها التي حددها الشرع بأفضل صورة من الإحسان والإتقان، لهي عنصر مهم من عناصر علاج الهلع، ومن المعلوم أن الدواء لا يعطي النتائج المطلوبة إلا بالمحافظة عليه بالمقادير المحددة، وبالطريقة الموصوفة بشكل منتظم، وينطبق ذلك على جميع العبادات التي أمر بها الله -تعالى- وأوصى بالحرص على أدائها.
طرق صلاح النفس والاستقامة
إن إصلاح النفس ليس بالأمر الهين الذي يصل إليه أيّاً كان، وإنما يتطلب مثابرة ومجاهدة وصدق وإخلاص ، مع طلب العون من الله، فإن الفتن في هذا الزمان لا يسلم منها أحد، وقال في ذلك الحسن البصري: (ليس العجَب فيمن هلك كيف هلك، ولكن العجب فيمَن نجا كيف نجا)، وهناك بعض الأمور التي لو اعتنى بها الإنسان وحرص عليها وتمسك بها، كانت له العون على الصلاح وسلوك طريق الاستقامة، وفي ما يأتي بيان لبعض هذه الأمور بشكل مفصّل:
- الصحبة: وهي من أهم عوامل صلاح النفس أو فسادها، فالإنسان يتبع لما هو عليه صاحبه، والصحبة هي التي تشكل شخصية الإنسان، فمنها يأخذ فهمه وفكره وسلوكه، فعلى المرء أن يحذر عند اختيار أصدقاءه، لأنهم إن وُصفوا بالصلاح فهو صالح، وإن وُصفوا بالفساد فهو كمثلهم.
- الاستفادة من الوقت: فإن الوقت هو العمر الذي يتاجر به الإنسان مع الله، ومن ضيّع وقته كان في ذلك تضييع لعمره، ومن الناس من عرفوا قيمة الوقت فكان السبب في فوزهم، وما زال ذكرهم باقياً حتى بعد مماتهم.
- العلم : فالعلم شريف ويأخذ هذا الشرف كل من ينتسب إليه، ويكفي لمن طلب العلم شرفاً أن الله فضلهم على غيرهم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، كما أن الحيتان في البحار تستغفر لمعلمي الناس الخير، كما لا يقتصر هذا الشرف على العلم الشرعي، وإنما العلم في جميع مجالاته محمود.
- الزيادة من النوافل : فهي إحدى الأسباب التي لها تأثيراً واضحاً على صلاح النفس، فالقلب إذا امتلأ بالطاعة نفر من المعصية، واللسان إذا تعود على الذكر لم يصدر منه الخبيث، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه).
- المراقبة والمحاسبة: بأن يحاسب الإنسان نفسه دائماعلى كل ما يقول ويفعل، ويدرك أن الله مطّلع عليه في كل أحواله، فيراقب نفسه جيدا إن أدّى العبادة كما يرضي الله تعالى أم لا، فيلزم تقوى الله سبحانه، ويُقلع عن السوء، ومحاسبة النفس طريق لتزكيتها، فيتأمّل المسلم في أعماله، وينظر لما قدّم من خير أو شر، فيحاسب نفسه على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ)، وهي على قسمين؛ الأول أن يحاسب العبد نفسه قبل العمل؛ فيسأل نفسه إن كان يريد به وجه الله أم لا، وإن كان هذا العمل خيرا أم شرا، والثاني أن يحاسب نفسه بعد العمل؛ فيحاسبها على الغفلات، وفعل الفرائض، وترك النواهي.