قصص عن أدب الحوار في الإسلام
قصص عن أدب الحوار في الإسلام
إنَّ الحوار هو أداة التواصل الفعالة بين الناس، وهي وسيلة الوصول إلى المقاصد والغايات، وبه قامت الحجج والبراهين، وبه وصل الناس إلى أحسن العلوم والأحوال؛ فهو يعد وسيلة فعالة لمناقشة الآراء، وطرح الحلول أمام أهم المعضلات.
قصص في الحوار عند الأنبياء
إنَّ الأنبياء الكرام هم خير من حاور الناس، وخير من استعمل الحوار لهداية الناس للإيمان بالله -تعالى-، ومن الأمثلة على قصص الحوار مع الأنبياء ما يأتي:
- حوار إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مع النمرود حتى ألجمه وبيَّن زيغه وضلاله، يقول -تعالى- في خبر هذا الحوار: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
حاور إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- النمرود في أمر الإيمان بالله، وكانا على نقيض من الرأي، ووصل بهذا الحوار إلى بيان ضعف ما يدعيه هذا الكذوب؛ حيث كان يدَّعي الألوهية، فبهذا الحوار الهادئ استطاع نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- إظهار كذب هذا المدعي.
- نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- يحاور فرعون أطغى رجلاً في زمانه، يحاوره حواراً هادئاً يدعوه فيه إلى توحيد الله، وفرعون يسأل بكل وقاحة وجرأة أسئلة كثيرة، ويردُّ عليها موسى -عليه الصلاة والسلام- بكل هدوء وأدب ولين؛ ليصل مع فرعون إلى تحديد موعد لإظهار معجزته، التي كانت سبباً في إيمان سحرة بني إسرائيل ومن معهم.
وقصَّ القرآن هذا الحوار الجميل، يقول -تعالى- في حق هذا الحوار: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)، إلى قوله -تعالى-: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ* فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ* قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
- قصة نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- مع العبد الصالح الخضر ؛ والتي رواها القرآن الكريم في سورة الكهف، فكان الحوار بينهما مليئاً بالفوائد العظيمة والحكم الكثيرة، وكان الحوار بينهما سيد الموقف، حيث تحاورا بكل هدوء، وبيَّن الخضر لموسى -عليه الصلاة والسلام- أسباب ما فعله، وأنكره عليه موسى -عليه الصلاة والسلام- بحوار هادف بناء.
قصص من الحوار عند النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل في جمال حواراته وعظيم كلامه، ومن الحوارات الجميلة التي حصلت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حواره مع ذلك الشاب الذي أراد استئذان النبي -صلى الله عليه وسلم- في الزنا فحاوره النبي -صلى الله عليه وسلم- حواراً بليغاً جعله يكره الزنا ويعود عنه، وتفصيل هذا الحوار ما يأتي:
- روى الإمام أحمد في مسنده: (إنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّ-مَ فقال: يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَلَ القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ! فقال: ادْنُهْ، فدَنا منه قَريبًا، قال: فجَلَسَ، قال: أتُحِبُّه لأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لابنتِكَ؟ قال: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم).
- ثم يكمل فيقول: (أفتُحِبُّه لأُختِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأَخَواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم).
- (قال: فوَضَعَ يدَه عليه وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، قال: فلمْ يَكُنْ بعدَ ذلك الفَتى يَلتفِتُ إلى شيءٍ).
- كان حوار النبي -صلى الله عليه وسلم- مع هذا الشاب حواراً بناءً هادف؛ جعله يقتنع بكلام خير البرية معرضاً عن هذا الفعل الشنيع، وقد ترك الحرام وأقبل على الله -تعالى-، وكل ذلك بسبب هذا الحوار الطيب مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قصص من الحوار عند الصحابة الكرام
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- نماذج رائعة في الحوار الطيب الهادف الموصل إلى الحق، ومن قصص الصحابة وأدب الحوار ما يأتي:
- قصة حوار أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- في مسألة جمع القرآن الكريم ، حيث كان قد قتل من حفظة القرآن يوم اليمامة عدد كبير، فانتبه عمر بن الخطاب لهذا الأمر وفطن له، وجاء إلى أبي بكر وحاوره بأن يقوم بجمع القرآن.
وردَّ عليه أبو بكر بأنَّه لن يفعل شيئاً لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فما زال عمر يحاور أبا بكر، ويقنعه بالفوائد والخير من جمع القرآن الكريم، حتى شرح الله صدر الخليفة لجمع القرآن.
- حوار أبي سفيان -رضي الله عنه-؛ عندما كان مشركاً مع هرقل عظيم الروم ، فقد حاور أبو سفيان هرقل وكان يجيب على أسئلته، وذاك مشرك يكره النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كان أبا سفيان صاحب أمانة علمية؛ فلم يقل شيئاً كذباً في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكاد هرقل أن يسلم بعد قناعته بصدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن خوفه على ملكه منعه من الإسلام؛ فقد كان حوار أبي سفيان -رضي الله عنه- سبباً في إعلام هرقل بصدق نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.