قصص الإمام الشافعي
قصة الإمام الشافعي مع أمه
نشأ الإمام الشافعي يتيماً فقد مات والده شاباً؛ ولذلك كانت نشأته في كنف والدته، والتي كانت تدرك أنَّها تحمل همَّاً عظيماً، وهو تربية ابها اليتيم على حبِّ العلم والعلماء، ومن خوفها عليه أرادت أن يربَّى ابنها في مكان آمن؛ ولذلك رحلت به إلى مكَّة المكرَّمة وهو ابن عامين حيث بيت الله الحرام وما أجمله من مكان، حيث كانت مكَّة المكرَّمة في ذلك الوقت منارةَ العلم، وكان يقصدها أهل العلم والفضل من كلِّ مكانٍ.
ولم تكن أمُّه تملك مالاً كافياً لتدخله الكُتَّاب؛ فقد كانت فقيرة الحال ورغم ذلك أصرت على أن يتعلَّم الشافعي، فأخذته إلى معلِّم الكتَّاب، واتَّفقت معه أن يعلمه القرآن على أن يقوم الشَّافعي بخدمته، فكان لها ذلك، وظلَّ الشافعي مواظباً على حلقة الكتَّاب حتى حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين.
قصة الإمام الشافعي مع الإمام أحمد
كان الإمام أحمد من أبرز طلاب الإمام الشَّافعي وكان يحبُّه حباً كبيراً، وكان دائم الثناء عليه أمام النَّاس وأمام أبنائه، فلمَّا قام الإمام أحمد باستضافة الإمام الشَّافعي في بيته، كانت ابنة الإمام أحمد متشوِّقة إلى رؤية الشَّافعي وعبادته.
ولمَّا وُضع الطعام أكثر الشَّافعي من تناول الطَّعام، ثمَّ نام إلى الفجر ولم يقم الَّليل، وقام فصلَّى بهم الفجر بدون وضوء، فذُهلت ابنة الإمام أحمد لما رأته، ولم تطق صبراً، فسألت أباها عن ذلك إذ كيف يمكن أن يصدر هذا من إمامٍ بوزن الشافعي؟.
فدخل الإمام أحمد إلى الشَّافعي وسأله عن تلك الأمور، فقال له الإمام الشافعي: أمَّا الطعام فما أكثرت منه إلَّا لأنِّي أعلم أنَّ طعامك حلالٌ، وطعام الصَّالحين شفاءٌ، فما أكلت جوعاً إنَّما أكلت تداوياً، وأمَّا نومي بعد الطعام وعدم قيامي لليل فوالله ما نامت عيني وإنَّما كنت أتفَّكر في مسائلَ من الفقه ، فاستنبطت اثنتين وسبعين مسألةً ينتفع بها المسلمون، أمَّا صلاتي بكم الفجر بدون وضوء، فما نمت حتى أتوضأ، إنَّما كنت مستيقظاً طول الَّليل.
قصة لقاء الإمام الشافعي بالإمام مالك
كان الإمام الشَّافعي قد تعلَّم من قبيلة هذيل حين أقام فيهم الُّلغة والفصاحة والأدب، ثمَّ عاد إلى مكَّة وأقام على مجالس الأدب والشِّعر، فجاءه أحد أقاربه فقال له ألَّا يكون يا شافعي مع هذه البلاغة والفصاحة والأدب شيءٌ من الفقه؟، فقال له الشافعي: فمن نقصده لطلب الفقه، فقيل له سيد المسلمين الإمام مالك في المدينة المنورة.
ويقول الشافعي: ذهبت إلى رجلٍ أعرفه من أهل مكَّة عنده كتاب الموطأ للإمام مالك؛ وهو كتاب يحوي أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فاستعرته منه وحفظته في تسع ليالٍ.
ثمَّ ارتحل الشافعي إلى المدينة المنوَّرة للقاء الإمام مالك، فلمَّا التقاه وكلَّمه أعجب الإمام مالك بفصاحته وبلاغته، وقال له تعالَ غداً لتقرأ الموطأ واجلب معك من يقرأه لك، فقال الشافعي بل أنا أقرأه لوحدي.
ولمَّا جاء الغد وجلس بين يديه، كان كلَّما أراد أن ينهي القراءة يقول له مالك زد يا فتى؛ لأنَّه أعجب به وبقرائته وذكائه، فقرَّبه منه الإمام مالك، وظلَّ الشافعي ملازماً للإمام مالك حتى وفاته -رحمه الله- وقد أخذ عنه علماً غزيراً.
قصة الإمام الشافعي مع المزني
كان الإمام الشافعي -رحمه الله- مشهوراً بالفراسة، ومن ذلك أنَّه كان يوماً مع المزني في بيت الله الحرام ، إذ دخل رجلٌ وبدأ يطوف بين النَّاس النيام في صحن الكعبة، فقال الشافعي لتلميذه الربيع اذهب فاسأل الرجل هل يبحث عن عبدٍ أسودٍ مصاب بإحدى عينيه؟ فقام الربيع للرجل فسأله، فقال: نعم أبحث عمَّا قلت إنَّه عبدي قد هرب مني، فقال الشَّافعي هو في الحبس، فذهب الرجل فوجده هناك.
حينها قال المزني: حيرتنا يا إمام، كيف عرفت أنَّه يبحث عن عبدٍ أسودٍ مصاب بإحدى عينيه وكيف عرفت أنَّه في الحبس؟، فقال الشافعي: رأيت رجلاً يبحث بين النيام فقلت يبحث عن هاربٍ يطلبه، ورأيته يبحث بين السودان، فقلت عبدٌ أسودٌ يطلبه.
ورأيته يدقِّق النَّظر على العين اليسرى، فقلت مصاب بإحدى عينيه، فقال المزني: فكيف عرفت أنَّه في الحبس، فقال الشافعي تأولت حديث رسول الله -وهو حديث ضعيف -: (لا خير في الحبش؛ إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا شربوا وزَنَوْ)، فعلمت أنَّه ربَّما فعل أحدهما فدخل السِّجن بذلك.