قصة وردت في أواخر سورة البقرة
قصة طالوت وجالوت
لقد قصَّ الله -تعالى- في أواخر سورة البقرة قصَّة طالوت وجالوت، حيث جَرَت أحداث هذه القصَّة في بني إسرائيل لمَّا طلبوا من نبيِّهم الذي أتاهم بعد نبيِّ الله موسى أن يقوم باختيار قائدٍ لهم يملك زمام أمورهم، و يترأسُّهُم في القتال؛ ليدافعوا عن ديارهم، ويطردوا عدوَّهم. فاستنكر عليهم نبيُّهم ذلك، وقال لهم: إن جاءكم قائدٌ يأمركم بالقتال فلن تُطيعوا أمره؛ فهو عالمٌ بحالِهم وأطباعهم.
فقالوا له: كيف لنا أن نتخلَّف عن الدِّفاع عن أرضِنا بعد أن أخرجنا الغاصب منها؟! فلمَّا فُرِض عليهم القتال أعرضوا، وتولَّوا، ولم يُنفِّذوا وعدهم الذي وعدوه لنبيِّهم، فقد ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن الجهاد، والسَّماح للغاصبين أن يحتلُّوا أرضهم، ويمنعوهم حقوقهم، والله عليمٌ بهم، وبما ألحقوا به أنفسهم من الظلم.
مرحلة الهزيمة والاضطهاد لبني إسرائيل
كان بنو إسرائيل يعانون من الضَّعف، والهوان، وقلَّة الحيلة، وأثناء هذه السَّنوات الطويلة، مات عنهم نبيُّ الله موسى وهارون بعد أن كانوا قد بُعثوا إليهم.
وتخلَّل فترة التيه هذه أنهم كانوا يُحارَبون من قِبَل العماليق، وقد عاثوا بهم وبأرضهم قتلاً وفساداً، فبلغ بهم الأمر إلى أن يذهبوا لنبيّهم حينها، وقيل إنَّ اسمه كان: شمعون أو شوميل، فطلبوا منه أن يبعث إلهم ملِكاً يتولى أمرهم، ويترأسهم في القتال.
فاختار الله لهم ملكاً اسمه طالوت، وكان بحَوزتهِ أدلَّة اختياره وهي: تابوتٌ يُنصَرون به، ويغلبون به أعداءهم، وعصا موسى -عليه السلام- وعصا هارون، والسكينة التي قيل إنَّها الطمأنينة، كما قيل إنَّها ريحٌ، أو طائرٌ، والله أعلم بها.
بنو إسرائيل واعتراضهم على طالوت
كعادة بني إسرائيل لم يُسلِّموا لاختيار الله طالوت ملكاً عليهم، فاعترضوا عليه و شَرَعوا باختلاق الحجج الواهية على عدم أحقيَّته، فقالوا: كيف سيتسلَّم طالوت زِمام أمورنا وهو ليس من فئة المُلك، فقد كان لديهم فئتان، أحدها للنبوَّة، والآخر للمُلك؛ فلا يتسلَّم أحدٌ المُلك أو النبوَّة من غيرهما، وقالوا إنَّه قليل الحيلة، عديم المال، فنحن أحقُّ منه بذلك.
فقال لهم نبيُّهم: إنَّ الله -تعالى- اختار لكم طالوت ليقودكم، ويتسلّم أموركم في دفاعكم عن أرضكم وحقوقكم، وقد آتاه الله -تعالى- ما يُعينه على ذلك، فهو قويّ الجسم والبُنية حتى يقوى على الحروب، ولديه معرفةٌ وعلمٌ في أمور الحرب، واختتم كلامه بأنَّ الله -تعالى- يختار للمُلك من يشاء من عباده.
اختبار إيمان المقاتلين
لما ميّزَ نبيُّ بني إسرائيل من آمن به وبطالوت، قرَّر أن يشكِّل جيشاً منهم لقتال أعدائهم المشركين، وقال لهم قبل الذهاب للقتال: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)، أي: أيُّها الجنود إنَّ الله سيختبركم بنهرٍ وهذا النهر هو نهر الأردن حالياً، وستكونون بحالةٍ تعبٍ وعطشٍ شديدين.
وقال لهم: ستودُّون أن تشربوا من هذا النهر، ولكنَّني أحذِّركم أن تشربوا منه، فمن سيشرب منه فليس من جنودي ولن يذهب للقتال معي، فهو غير مستعدٍ له؛ فالجهاد يحتاج للصَّبر، ولن يفلح به من لم يستطع الصَّبر على العطش.
ثمَّ قال: ومن لم يشرب من هذا النهر، فإنّه من جنودي وسيكمل مسيرة القتال معي، فهو يستطيع الصبر وتحمّل مشقّة الجهاد في سبيل الله، إلا من جمع حفنةً من مائه، وقام بالشرب منها؛ فسيعفو الله عنه، فشرب معظم أتباعه إلاَّ قليلاً منهم، ولقد اختبر الله قوَّة إيمانهم في هذا النهر، ففشلوا بالاختبار، ولم ينجح به إلَّا قِلَّةٌ قليلة.
القتال بين الجيشين
بعد أن شربت مجموعةٌ كبيرةٌ من أتباع طالوت من النَّهر، لم يتبقَّ معه في جيشه إلَّا القليل، فاجتازَ النهر، وتابع بهم طريقه للقاء عدوِّهم جالوت وجنوده، فلمَّا رأوا كثرتهم، قالت مجموعةٌ منهم: لن نستطيع أن نغلبهم، وننتصر عليهم، فإنهم يفوقوننا عدداً وعُدّة، فقالت لهم الفئة الموقنة بنصر الله -تعالى-: كم من جيوشٍ قليلةٍ غلبت جيوشاً عظيمةً بإيمانهم بالله -تعالى-، وثقتهم به، ودعائهم وتضرُّعهم له.
فهرعوا للتضرُّع لله -عزَّ وجل- وسؤاله الثَّبات، والصَّبر، والنَّصر، وقد حقّق الله لهم مبتغاهم، واستجاب دعواتهم، فهزموا جالوت وجنوده، وكان من جنود جالوت نبيُّ الله داود -عليه السلام- فسلّطه الله -تعالى- عليه، وجعل مصرعه على يديه، وآتى الله -تعالى- داود المُلك والنبوَّة، وعلَّمه ممَّا يشاء.
القصص التي وردت في سورة البقرة
ضمّت سورة البقرة بين صفحاتها العديد من القصص، نذكرها فيما يأتي:
- قصة هاروت وماروت.
- قصة ذبح البقرة.
- قصة الذين خرجوا من ديارهم ألوف.
ملخص المقال: تتحدَّث قصَّة طالوت وجالوت عن بني إسرائيل بعد أن غلبهم الضعف في فترة التيه؛ فطلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملِكاً يقودهم ليقاتلوا معه ويستعيدوا ما سُلِبَ منهم في تلك الفترة من قِبَل العماليق، فاختار الله -تعالى- لهم طالوت وأيّده بالآيات والحُجج.
فقاموا بالاعتراض عليه، ولكنّ الله يختار من يشاء، ثم سار بمن آمن معه لملاقاة جالوت وقتاله، فاختبرهم الله بالشُّرب من النَّهر، فلم يتبقَّ منهم معه سوى القليل، ولاقى بهم جالوت وهزموه، وقُتِل جالوت على يد داود -عليه السلام-.